18 ديسمبر، 2024 7:11 م

عندما يكون العراق اكثر رأسماليةً من الولايات المتحدة الامريكية

عندما يكون العراق اكثر رأسماليةً من الولايات المتحدة الامريكية

تعتبر الولايات المتحدة ،بحق، زعيمة العالم الرأسمالي والداعمة على مدى تاريخها الحديث للقيم الرأسمالية وللحرية الاقتصادية القائمة على المنافسة العادلة في العلاقات الاقتصادية الدولية .
وكان دعمها ووقوفها وراء انشاء منظمة التجارة العالمية ، هو بهدف جعلها الاداة التنفيذية لبسط نظام العولمة .
ولكن عندما اكتشف الساسة الامريكان ومؤسسات النظام الامريكي ( سواء منها العلنية ام العميقة)، ان العولمة والانفتاح وحرية التبادل التجاري لاتخدم المصالح الامريكية وان الاقتصاد الامريكي يتضرر من ذلك، وأن خصوم الولايات المتحدة الحاليين او المستقبليين يستفيدون على حساب الولايات المتحدة ، جاء الرئيس ترامب وانقلب على كل الاتفاقيات التي سبق وان وقعتها ودعمتها الولايات المتحدة واتخذ جملة اجراءات قوّضت من الناحية العملية قواعد العولمة وشروط عمل منظمة التجارة العالمية وتمثل عودة الى سياسة الحمائية والانغلاق والتي طالما نددت بها الولايات المتحدة باعتبارها تعيق المنافسة وبالتالي النمو الاقتصادي.
اما في العراق ، فأن الولاء للفلسفة الرأسمالية التي تم فرضها على العراق فرضاً دون وجود اي اساس سياسي او ثقافي او قانوني او تاريخي لانتشارها وسيادتها في العراق ، هذا الولاء كان شديداً بحيث لاتجرأ الحكومات على المساس بمظاهر الحياة الرأسمالية والسوق الحرة وحرية تدفق رأس المال وحرية دخول العمالة الاجنبية الوافدة الخ …
تُستنزف العملة الاجنبية ويتآكل احتياطي البلد منها ، لكن الحكومة “الرأسمالية” لاتستطيع منع استيراد مادة ثانوية مثل الشكولاتة التي استورد العراق منها بمبلغ ربع مليار دولار من ايران فقط العام الماضي ( حسب تصريح رئيس غرفة التجارة الايرانية)!!ويمكن ان يكون قد استورد بنفس المقدار من مناشيء عالمية اخرى!!
لاتستطيع الحكومة منع او الحد من استيراد مجموعة هائلة من السلع الاستهلاكية غير الاساسية والمظهرية المستوردة التي تغزو الاسواق وتستحوذ على جزء مهم من دخول الاسر العراقية بدافع التقليد والمحاكاة وخلق الرغبة للشراء والانفاق ( على غرار مايحصل في دول الخليج العربي النفطية الغنية والتي هي دول رفاه قليلة السكان وكثيرة الموارد)..
العراق لايمكن ان يكون دولة رفاه لأن موارده الفعلية قياساً بضخامة عدد سكانه لاتسمح له بذلك ..
الطلب الشديد على المفردات المستوردة يعني زيادة الضغط على ميزان المدفوعات والذي أصبح عجزه يتم تغطيته من خلال الاحتياطي والذي أخذ يتراجع بشكل منهجي..
البطالة في العراق عالية جداً لكن العراق يستضيف حسب بعض المصادر نحو مليون عامل اجنبي (منهم من هو شرعي ومنهم من هو غير شرعي).
يبدو ان ” لعبة” الحرية الاقتصادية لاسيما ذلك الجزء الخاص بحرية التحويل الخارجي وفتح باب الاستيراد، يخدم مصالح سيئة لبعض الفئات التي تستغل هذه المرونة للتلاعب وتمرير عمليات الفساد المتنوعة على حساب مصلحة الاقتصاد الوطني.
سلوك جماعتنا الرأسماليين المحافظين الاقحاح ، يشبه سلوك الفنان أحمد صبحي في مسرحية : تخاريف .. حيث قرر ان يطبق نظام اقتصادي يجمع بين الرأسمالية والاشتراكية ، اسماه: الرأسماكية !!
ينتقي منه ماينفعه كحاكم دكتاتور يسرق الشعب..
يقول صبحي لتبرير وشرح مزايا نظامه الهجين :
” في الاشتراكية ، الحكومة هي التي تجمع المكسب وفي الرأسمالية تستطيع الحكومة فرض ضرائب وزيادة الفواتير لإفراغ جيوب الناس ..”