حياته مليئة بالأزقة الضيقة المعتمة تلك التي لا يخرج عنها إلى إنفراج بعد أن أجبرته أيدٍ أن ينصاع لما قمعته أن يتعود عليه وإلا؟؟ حتى مارة المصادفة تَعَود عليهم وقد أكتظ مكانه بعدما أضاق الزقاق بكثرة الخرق البالية وبقايا قطع مختلفة من مخلفات وعتيق الأشياء التي يجمعها، او تلك التي يكبها بعض الناس من أسطح شقق، فالزقاق لها سلة مهملات كما هي سيرة حياتهم… يجمع كل شيء تقع عليه يده، أغطية قناني المشروبات الغازية او الماء أو أغطية علب الصفيح، يتلذذ بجمعها خاصة عندما يختلي بنفسه فيعمل على زخرفة الحائط الذي ينام الى جوارة لينسى واقعه، يلصقها بشكل تجعل منه يُدون عالمه الذي يرغب متلونا تماما بخداع بصري كما هو الواقع الذي يعيش، أما حين تتجمع هواجسه الشاردة في عالم الإنقباض المتعسر ولادة، تراه يمد يده الى أوراق طواها كسيجارات غير أنها طويلة بعد أن مل من الماركات العالمية والمحلية بعض الشيء، يعمد الى لفها بأكثر من نوع من الورق بمختلف أنواعه ورق جرائد، صفحات من كتاب تأريخ قديم، دفتر ملاحظات، او أوراق لسجل أسماء عن سجل مخابرات، كي تصبح سمينه يتلذذ بطعم خبايا ما حوته من صور لمجتمع باتت أوراقه خريفية تتساقط وإنسانها عند أول هبة رياح موسمية، خاصة عند تغيير وجوه من تقبعوا السلطة كجراب حاوي، نثروا البعر الذي كان يتصدق عليهم به من رفع من شأنهم وغير من هيأتهم الى مشعوذي من الدرجة الأخيرة… البعض منهم خلق بطبيعته حمارا يكرى بباقة من حشيش بعد أن تسوست أضراسه من كثرة بقايا طعام فاسد عندما يشاركه من ركبه ليكتري وئد جثث موتى في ظلمة ليل دامس..
يمسك بعلبة الكبيرت الأزلية التي لا تنضب من أعواد الثقاب، كأنها تتوالد فيما بينها كخنثى الحيوانات، لا يبالي لبسبسته حين يشحذ رأسه بعد ان جسته رطوبة المكان، فتراه يأز معلنا أنه يرفض السير في ممر رطب، فالرطوبة تتعب رأسه تصدعه مالم تكن سببا في كسر ساقه، ومن ثم ينتفي غرضه فيكون مصيره حيث محيطه.. فيجدُ بإشتعال بعد ان يقوم بلعن اليد التي ستشعل اسرارا تجعلها دخان في عالم منتن من الفضائح.. يستذوق طعم الأوراق قبل ان ينفثها من خارج صدره وهو يرى تلك الأرقام، الجمل، العبارات، الأسماء والتأريخ الذي تَوَقف نبض الكتابة على صفاحتها.. كان يَحَمر، يحنق عند شعورة بمرارة بعض ما يتذوقه، لقد كانت اخبار الجرائد التي تعمل للسلطة فتجمل الحمار منهم أسدا او حاميا للوطن الذي تسيدته الضباع، فيدير وجهه زافرا بحدة حيث لا يبقى للدخان من شكل.. فجأة وأثناء بلعه كمية من الدخان تحشرج صدره مما جعله يكح بشدة حد الإختناق، دفعت به لأن ينتفض عن مكانه بحثا عن هواء يستنشقه، مزق الدخان رئتيه، انتفخ صدره كالبالون، قفزت عيناه عن باطنها، مرر يده على رقبته بقسوة يدفع بما يحاول ان يستنشقه من هواء.. غير ان انفه وفمه اللذان تعودا ان يستنشقا رائحة أجساد تعفنت وتجيفت عندما كان يشاهد من يدفع بها حيث الهلاك لا لسبب سوى أنهم رفضوا الواقع، أباحوا أنهم ليسوا ممن يبيع القيمة والمبدأ، الشرف والوطن كي يثمر بزقوم ابدي، تذكر كل شيء، لقد كان من بين تلك الثلة التي تسجل أحداث وتواريخ وأسماء من تربص بهم الزمن الأسود كي يكونوا ضحية لحمار او شاة، رفض إكمال سيجارته الورقية رمى بها لكن سرعان ما أنتبه بأنها أخذت تحرق ما كان يحيط به من عالمه الذي اشتراه في لحظة ضعف، سارع الى طمطمة النار بيديه تذوق طعم النار التي أضرمها من رافقهم في أجساد تفحمت فغابت معالمها وهو يقيد اسماء مجرد أسماء بالنسبة له، ألغى وقتها تأريخ ميلادها اعوام حياتهم طفولتهم صباهم عالم كامل شطب عليه لمجرد انه كان حافظ سجل للسلطة.. عاد الى الوراء بعد ان أطفئ النار، اخذ سيجارته الورقية ليمتصها رغم ضيق صدره وهو يقول يا لك من حقير يا قدر… تتبعتني حيث مثواي الأخير فقد كي تذكرني بعاري الذي حاولت طيه مع قاذورات بشر، في مكان تأنف الحياة ان تمر به او تتلقى منه بأمل، نعم كنت جبانا الى حد أني تلقيت الضرب بعد ان رفضت أن اخرج مع ذلك الحقير الذي اجبرني ان أكون مع مجموعة التي ستقوم بإشعال النار في أجساد عفنت من الجرب الذي أصابها وهي تقتات الموت رحمة في كل لحظة من الله، كثيرا ما تساءلت فيما بينها لم يحدث ذلك؟ أين عدالة السماء التي نصدح بها وتصدح المنابر ليل نهار؟ أين هو ميزان الحق والباطل؟ أين سخط الله على عاد وثمود؟ ألا نستحق أن تطوى صحفنا ونخلق من جديد؟ أنحن نعيش ابتلاء غيرنا بعد ان تذوق أسلافنا سفك دم زكي طاهر، لقد ساقتنا المقادير والأزمة ان نعبر على مخلفات غيرها من الدهور، البعض منه نتوق لإعادة صياغته والبعض الأخر نتمنى ان نطمسه حيث قعر جهنم… جهنم هي من نعيش الآن بتنا نعبد حجارة في شكل إنسان كفور عقيم لئيم نمجد به يعلو على اجسادنا سلطان مؤدلج أو كسلطان خشبي تحركه خيوط على مسرح عربي بإخراج أبالسة الشيطان لا ينفك يصفق ويضحك ذاك هو عالم الظل يختم بطاقات دخولهم لمرة واحدة فقط.. كان الدخان يخرج حاملا صور من فاق الفضاء بآهاتهم، علت صرخاتهم أيقظت بعد ان انتشرت في سماء تشكو أنينها دخان عزفته الأقدار بأوتار وجع بعد أن جعلت من العود الأخضر عازفا لرتم بائس عندما يدندن الجلاد على أوتاره يجعل منها قيود لقمع الحرية التي ينشدها عندما يصدح مناديا للعدالة عند مقابر جماعية.