الحلقة رقم – 17 –
كان الهواء البارد يلفح وجهي بسياطهِ التي لا تعرف الرحمة. بالنسبةِ لي كانت هذه التجربة جديدة تماماً. لم أسير خلف الأسلاك الشائكة منذ أن وطأت قدماي هذه الأرض. تطلعتُ إلى الوراء فشاهدت الرجال لا زالوا يسيرون داخل المعسكر جماعاتٍ وفرادى. شاهدتُ شيئاً غريباً مع السائرين نحو القاذوراتِ . كل واحد منهم كان يحمل قطعة من القماش وقد خيطها على شكل كيس كبير.تساءلتُ مع نفسي عن سبب حملهم لكل هذه الأكياس؟ فجأةً حدثت دمدمة وأصوات بين السائرين نحو المجهول. تعالت الأصوات وبدأ كل واحد يُخرج كيسهُ . تعجبتُ لتلك الفوضى التي حدثت دون توقع. من بعيد بانت أكوام من مختلف الأشياء. حينما أصبحنا على مسافة 50 متراً أو أقل من أكوام القاذورات ركضوا جميعاً كأنهم يركضون نحو شيء نفيس. ركضتُ معهم بأقصى سرعة كي استكشف الشيء الثمين.
الغريب أن كل الجنود راحوا يركضون معنا دون أن يتفوه أي واحد منهم بأي شيء . عندما أصبحت المسافة لا تزيد على عشرة أمتار ازدادت سرعة الركض بشكل هستيري وكأنها المعركة الأخيرة لوصول الهدف. هجم البؤساء على كومة ٍ من القاذورات وفضلات الطعام الفاسد الملقى هنا وهناك من مختلف المعسكرات.أطنان من الخبز اليابس المنقوع بالمرق وقطع من الطماطة المرعبة المنظر والباذنجان الفاسد والبصل الأسود وملايين من الذباب المتجمع فوقها. شعرتُ بالقرف من ذلك المنظر البشع. لم أتصور أن هذا هو حال الجندي العراقي . تراجعتُ إلى الوراء قليلاً لقد أصابتني صدمة كبيرة. كان الرجال يجمعون الخبز الجاف فقط ويملئون أكياسهم بسعادةٍ غامرة. صرخ في وجهي أحد البؤساء” لماذا أنت واقفٌ هكذا؟ خذ ما تشاء من الخبز”. نظرتُ إليهِ وكأنني أعيشُ كابوساً مرعباً. أيُّ خبزٍ هذا الذي يتحدثُ عنهُ ؟ ومع ذلك وبترددٍ شديد بدأتُ أنتقي قطعاً صغيرةً من الخبز الجاف بعد تنظيفها من القاذورات العالقة فيها من كلِ حدبٍ وصوب إلى أن جمعتُ ما يكفي لمليء ثلاثة جيوب.
صرخ الجندي بصوتٍ مرتفع ” هذا يكفي” . ترك الرجال أكياسهم جانباً وراحوا يتناوبون على مليء الشاحنة العسكرية التي كانت واقفة كتنين ٍ كسول. وجاء دوري ورحتُ أعمل بجدٍ وغضبٍ من كلِ شيء يحيط بي. بعد أن تمت العملية المرهقة تحركت الشاحنة إلى مكانٍ مجهول بالنسبةِ لنا جميعاً. عدنا إلى المعسكر في صفٍ منتظم والجنود يُحيطون بنا كأننا ذاهبين إلى حتفنا ألأخير. كانت الأصوات الصادرة من أفواه البؤساء تصل إلى مسامعي كأنها همساتٌ لا مبالية في جوٍ غائم. كانوا فرحين جداً بذلك الحصاد الوهمي إن صح التعبير. لم أشعر بمثلِ سعادتهم أبداً. شعرتُ بالحزن الشديد لأنني لم أحملُ أكياساً ً مثلهم. ماذا سأقول للصديق عبدالله الذي كان ينتظرني بفارغ الصبر لأنه كان جائعاً على الدوام. هو شاب طويل أحببتُ صحبته من اللحظة التي جلستُ فيها معه لأول مرة. ساعدني في مواقف كثيرة. متدين من الدرجةِ الأولى. كان يقول لي بأن حلمه الوحيد في ذلك المكان هو أن يشبع يوماً ما. كان من أغنى المتواجدين في كل المعسكرات ويملك أموالاً طائلة ولكنه لا يستطيع أن يشتري رغيفاً من الخبز ــ وهذه القضية حكاية بحد ذاتها ــ…….
كان يخفي في لباسهِ الداخلي قطعاً حقيقية من الذهب الخالص ــ ليرات ذهبية ــ كان قد أدخلها معه حينما دخل هذه البلاد. صادر الجنود قسماً منها وسلم القسم الأخر إلى السلطات في ذلك الوقت مقابل وصل رسمي بالاستلام . أخبرته السلطات أنه يستطيع استرجاعها عندما يخرج من السجن يوماً ما. كان لايُفكر إلا في السفر إلى إيطاليا حيث تنتظرهُ خطيبته التي سافرت مع والدها للدراسة. سرنا بأنتظام نحو المعسكر الذي نسكن فيه. كلما إقتربنا من المكان كلما إزداد قلبي خفقاناً . وقفنا عند المدخل الرئيسي للمعسكر وكل واحد منا يحتفظ بكنزهِ الثمين . أكياساً مليئة بالخبز الجاف. انتظرنا أمام الباب الكبير لكي يجري علينا الجندي عملية التعداد للتأكد من إكتمال عددنا وتفتيشنا تفتيشاً دقيقاً. بدأ القلق يعزف ألحانهُ المرعبة فوق الوجوه الصفراء من شدة الجوع. صاح الجندي المسؤول عن الباب بصوتٍ مرعب ومزاج حاد ” أتركوا أمتعتكم هناك عند الطرف الأخر من الجدار. لا يُسمح لأي شخص بإدخال أي شيء مهما كان نوعه”. بدأ المساكين يتذمرون ويتوسلون بهِ أن يسمح لهم بإدخال الخبز الجاف فقط بَيْدَ أنه كان عنيداً جداً وكأنه قد فقد السمع والرحمة في آنٍ واحد. طفق المساكين يضعون أكياسهم المليئة بالحاجيات كالخبز الجاف وفضلات الطماطة النتنة وبعض العلب المعدنية الفارغة التي سيستفادون منها في مناسباتٍ لا تُعد ولا تحصى. كل أسيرٍ راح ينظر إلى كيسهِ ويتنهد بحسرةٍ وحزنٍ شديدين.
تراجعتُ إلى الوراء قليلاً كي لا أرى الطريقة الوحشية التي كان الجندي يتبعها في تفتيش الأجساد المرتعشة من البرد والقلقِ في آنٍ واحد. وضعتُ يدي في جيبي وتحسستُ كمية الخبز القليلة وقلتُ مع نفسي ” لن أتخلص منها إلا بعد أن تنفذ كافة السبل في إقناع الجندي المتحجر القلب. ” من خلف الأسلاك الشائكة شاهدتُ عبدالله ينظر إليّ من بعيد وكأن لسان حالهِ يقول ” هل جلبتَ شيئاً ما ؟” لقد كنتُ محرجاً منه لدرجة الموت. الحقيقة أنني لا أستطيع أن أضع قطعة صغيرة من ذلك الخبز في فمي لو شعرتُ بالهلاك. كان منظر الذباب والديدان والحشرات الصغيرة يبعثُ في قلبي شعوراً من التقزز والغثيان. تقدم الشخص الواقف أمامي لغرض تفتيشهُ من قبل الجندي. أصبحتُ الأخير في الطابور الكبير.
الحقيقة أنا أردتُ أن أكون الأخير في ذلك الطابور لأن الخبرة الطويلة في التفتيش في ذلك المعسكر منحتني خبرة في هذا المجال. أثناء التفتيش تكون العشرة الأولى أو العشرين الضحية الكبرى للجندي الذي يجري عملية التفتيش لأنه يكون متحمساً للعثور على أي شيء. بعد فترة من الزمن يبدأ الملل يدب إليه ، من هنا يبدأ بالتهاون ويحاول إنهاء التفتيش بأسرع وقت. راهنتُ على عملية الملل التي قد تساهم في تقديم العون لي . كان جميع البؤساء قد دخلوا من خلال البوابةِ الكبيرة وبقيت الوحيد مع ذلك الجندي. لم أُخرج قطع الخبز الجاف من جيبي. فتحتُ الجيب وقلتُ بنفس اللغة التي يتكلمها ” كانت لغتي قد تطورت نوعاً ما لدرجة أنني أستطيع من خلالها التفاهم مع الشخص المقابل”ـــ قلتُ بحماسة مطلقة ” أيها السيد أنا لا أملكُ إلا هذا الخبز القليل وأنا جائع جداً أرجوك أن تسمح لي بالاحتفاظ به في سبيل الله.”
نظر إلي بصمت . شاهد لحيتي الطويلة. شاهد الصورة الحقيقية لقسوة الحياة المرتسمة بشكلٍ واضح على الأجزاء السفلى لعينيَ المرهقتين. شاهد مدى نحافة وجهي . أدركتُ أنني يجب علي الهجوم مرة أخرى وعدم الاستسلام. قلت بلهفة تامة ” أتركني أذهب . لا أملك أي شيء سوى هذه القطع الجافة من الخبز. أعرف أن القانون هنا يمنع إدخال شيئاً كهذا ولكن هذه القطع الصغيرة من الخبز لن تشكل خطراً “. تطلع نحوي بصمت ٍ وراح يتأمل وجهي بدقةٍ متناهية. بسرعةِ البرق أعاد الخبز إلى جيبي وهو يقول ” أدخل بسرعة ولا تدع أحداً يراها”. لم أصدق عيناي. شعرتُ بانتصار كبير. لم أفرح بسبب احتفاظي بالخبز ولكنني فرحتُ جداً لأن لغتي أصبحت مفهومة بالنسبة له وهذا تقدم كبير .
كان بعض البؤساء من الذين دخلوا قبلي يتجمعون داخل ساحة المعسكر بالقرب من الباب الرئيسي ينتظرون فرصة مناسبة للتفاوض مع الحرس لعله يسمح لهم بإدخال بضاعتهم التي لا تزال مطروحة عند الباب الخارجي. صاح عبدالله ” أنت بطل. لقد سمعتُ الحوار الذي دار بينك وبين الجندي. بوركت يا صديقي العزيز وإن شاء الله سوف أرد لك هذا الجميل” . ابتسمتُ له بتهكم قائلاً ” كيف سترد لي الجميل وأنت معدم مثلي ؟” . قال بصوتٍ مرتفع وكأنه يريد أن يسمعهُ كل واحد في هذا العالم ” صدقني أنا الآن غني جداً ولكن مع وقف التنفيذ. لو أن إدارة المعسكر تسمح لي شراء ما أريد بنقودي الخاصة لكان بمقدوري أن أشتري لك الآن خروف مشوي ومئات العلب الفاخرة من السكائر ولكن ما في اليد حيلة كما يقولون”. قلتُ له بعصبية ” لا تسخر مني . ماذا تملك الآن كي تشتري كل هذه الأشياء الخيالية؟ ” .
نظر إليّ بانكسار وهو يحاول أن يبوح لي بسرٍ دفين. نظر ذات اليمين وذات الشمال كما لو أنه يريد التأكد من أن أحداً لا يسمعه ثم قال بهمسٍ مصحوب بقلقٍ ظاهر ” أسمع . سأقول لك سر كبير ولكن هل تعدني بعدم البوح بهِ لأي أحد مهما كانت الظروف ؟ أكدتُ له بأنني لن أبوح بسرهِ حتى لو فقدت حياتي. أدخل يدهُ في جيب سرواله الداخلي ثم أخرج قطعة معدنية عجيبة لم أرَ لها مثيلاً في حياتي. قال بهمس ” أنظر هذه مسكوكة ذهبية. إنها ذهب خالص. لدي منها قطع كثيرة أحتفظ بها في سروالي الداخلي . ” وشرح لي قصة طويلة عن كيفية جلبها معه وكيف أن والده أعطاها له حينما هرب من العراق صوب هذا البلد لأنه كان مطلوباً سياسياً وأن السلطات العراقية تبحث عنه الآن لأنه ينتمي إلى أحدى الجماعات الدينية المتطرفة. تحسستُ القطعة الذهبية بأناملي. كانت جميلة جداً وكأنها تعود إلى تاريخ العراق القديم. أعدتُ له القطعة وأنا أقول بحسرة ” وما فائدة هذه القطعة الذهبية ونحن لا نستطيع أن نشتري بها قطعة من الخبز. نحن نشبه الآن مسافرين في سفينةٍ كبيرة وسط البحر الهائج وعطاشا والماء يحيط بنا من كل حدبٍ وصوب لأن الماء ملوث بسمومٍ مختلفة . ”
وضع القطعة الذهبية في جيبه وهو يقول بألم شديد ” اشعر إنني بلا كبرياء بلا إنسانية لم اعد أملك سوى لقب مهندس ليس له وجود في هذه الحياة ” . في مرة من المرات سمعتُ أحد البؤساء يقول له ” أنت مهندس وأنا رجل بالكاد أكاد أقرأ وأكتب ولكنني أحصل على نفس الكمية من الرز التي تحصل عليها كل يوم فما هي الفائدة من دراستك الطويلة وسهر الليالي؟ “. كانت عيناه قد إغرورقتا بالدموع . مسحها على عجلٍ من أمره كي لا ينكشف أمره. قال بذهول ” الحق معه ، لقد تعذبتُ مئات الساعات كي أحصل على شهادة الهندسة المعمارية ولكنني الآن نادم أشد الندم على كل لحظة ضيعتها من عمري في دراسةٍ طويلة نهايتها غياهب السجون والجوع الذي لا يرحم “. دون تردد قلت له ” لا تحزن يا صديقي بأذن الله سنخرج يوماً ما من هذا الأتون . لا تقارن حالتك بحالة هذا الزميل الأميّ. همه الوحيد الطعام والشراب . عندما تغادر هذا المكان سيكون لك كرسي مهم في المجتمع تستطيع من خلاله خدمة البشرية. حتى هنا في هذا المجتمع القاسي توجد تقديرات متميزة لكل شخص حسب الحالة الاجتماعية والثقافية التي يملكها الفرد. هل تعتقد أن كل الموجودين هنا ينظرون اليك بنفس الطريقة التي ينظر بها اليك هذا الزميل ؟”.
تنهد بصوتٍ مسموع. شعرتُ أن الدم بدأ يسير بشكل طبيعي في وجههِ وأن المعنويات عادت إلى روحهِ المنكسرة. في الأسر تتلاشى الحواجز بين الأصدقاء الحقيقيين . كل واحد يريد أن يُعرّف الآخر بتفاصيل حياته. الوقت طويل ممل يحطم الأعصاب ولا توجد وسيلة لقضاء الوقت سوى الحديث مع صديق يثق أحدهما بالأخر. كلما ضاق صدر عبدالله كان يطلب مني أن نسير مع بعض حتى لو كانت السماء تمطر. في كل مرة كان يحدثني عن مجيئه إلى هذه الدولة وكيف عبر الحدود والجبال الوعرة والمياه المتدفقة . حدثني عن أدق التفاصيل عن والده وأشقائه . حدثني عن زوجة شقيقه الكبير وهي أمريكية . دخلت الدين ألإسلامي وحفظت جميع القرآن الكريم . وأن شقيقة الكبير هاجر إلى أمريكا منذ زمن طويل وأصبحت لديه خاصة حياة به. وكيف أن شقيقة كان يذهب إلى مكة كل سنة مع زوجته الأمريكية المسلمة لخدمة الحجاج العراقيين . وكيف هاجر شقيقة الآخر إلى فرنسا وتزوج من فتاة لبنانية جميلة جداً.
عندما كانت حالته النفسية ترتفع ويريد أن يحدثني عن أشياء مضحكة، ينطلق بالحديث عن الأفعال الفكاهيه التي كان يفعلها مع والده الطيب القلب. سأذكر واحدة من تلك الأفعال المضحكة بنظرهِ الخطرة جداً في نظري الشخصي ولو كنت أنا في مكان والده لعاقبته عقاباً لم يرى مثله أبداً. حدثني قائلاً ” أعرف الزمن الذي يعود فيه والدي من شركته في بغداد. يعود كل يوم في الساعة الحادية عشرة في الليل. في أحدى المرات انتظرته عند نهاية الشارع القريب من بيتنا. غطيت ُ وجهي ” بيشماغ” وحملتُ رشاشه بيدي وطلبتُ منه أن يسلمني كافة النقود التي بحوزته. أعطاني الحقيبة وذهب. في الليل أعدتُ له الحقيبة ولكنه غضب في داخله . هكذا حلت بي اللعنة . كم أشعر بالحزن حينما أتذكر ذلك العمل الصبياني الذي قمت به في ذلك اليوم.”
عبدالله المهندس شخصية رائعة في حياتي في تلك الفترة التي عشنا فيها سوية لحظات فرح وحزن في نفس الوقت. حينما جاء اليوم الذي خرج فيه إلى الحرية” حيث طلب اللجوء الإنساني”. بقيتُ أنظر إليهِ من وراء الأسلاك الشائكة . كان ينظر نحوي بصمت وهو يرتدي بدله مدنية جديدة ويحمل حقيبة في يدهِ . حاولتُ أن أقول له أي شيء ولكنني لم أستطع. شاهدتُ عدة دموع تنحدر من عينيهِ. حاولت أن أقول له أي شيء ولكنني فقدت النطق في تلك اللحظة. اختفى عبدالله كما اختفى عشرات من زملائي الجنود في معارك شرسة بلا هدف .اختفت معه تلك الذكريات المغمسة بالجوع والعطش والبرد والحر . عدتُ من جديد وحيداً منعزلاً أقضي أغلب ساعات النهار اذرف الدموع تحت بطانيتي النتنة من شدة الأتربة العالقة فيها على مر السنين.
ــــــ الجزء الثالث ــــ
” التلهف للتعلم ”
في معسكرات الأسر تحدث أحياناً أشياء متفاوتة حسب اهتمام الشخص ذاته. تجد كل شخص يبحث عن طريقةٍ معينة لسد الفراغ اللامتناهي لوقته الطويل الرتيب. هناك بعض الأفراد ينزوون في ركنٍ من أركان القاعة يتعلمون كيفية حياكة حذاء من خيوط بعض البطانيات المتهرئة والبعض الآخر ينزوي في مكانٍ آخر لتعلم كيفية صناعة قفازاً أو قطعة خاصة تستخدم لتنظيف الجسد ” ليفه”. هناك أفراداً آخرين يتعلمون كيفية كتابة حروف الهجاء العربية لأنهم لا يعرفون حتى كتابة أسمائهم. في حين راح البعض الآخر يتعلم الخط العربي بأنواعه العديدة. وهناك مجموعة أخرى حصلت على بعض الصفائح المعدنية المخصصة لجمع القاذورات وراحت تصنع منها مدافيء حرارية ” جولات” . . حاولتُ أن أجد لي طريقة واحدة من تلك الطرق كي أُهشمَ بها جدار الضجر والملل الذي يحيط نفسي من كل الجهات . بعض الزملاء توجهوا نحو ممارسة كرة القدم فوق تلك المساحة الكونكريتية الخطرة التي تًهشم أي جسدٍ يسقط عليها.
بعضهم أستخدم النوم كوسيلة لقضاء الساعات الطويلة التي تمتد بلا نهاية. مزيج من النفسيات المتداخلة بعضها مع البعض الأخر. يجب على المرء أن يعيش مع ألأسرى مهما كانت ظروفه وحالته النفسية . المجاملة المصطنعة أصبحت الزاد اليومي لكل شخص حيث يتحتم عليه مداراة الناس بأي شكل من الأشكال. الكثير من المتاعب تحدث لأتفه الأسباب . قد تحدث مشكلة كبيرة بسبب قدح من الماء أو حركة غير متوقعة من قِبَلْ شخص آخر. سأمتُ كل شيء وضاقت روحي من هذا الوضع الغريب عليَّ بكل تفاصيله . حاولتُ أن أتأقلم مع الظرف الصعب الذي أمر فيه. بدأتُ أستخدم نفس العبارات التي يستخدمها غير المتعلمين بَيْدَ أنني فشلتُ في محاولة الانحدار نحو الطبقات غير المتعلمة ومجاراتهم في عباراتهم النابية. لقد إعتدتُ على نمط خاص من الحياة طيلة فترة حياتي وابتعدتُ عن استخدام أي عبارة غير لائقة وكنتُ أعيش مزيجاً من الصراعات اللامتناهية وبالتالي أثّر ذلك على حياتي ونفسيتي وأصبحتُ لا أطيق أي شخص خصوصاً بعد رحيل المهندس عبدالله.
يتبع…..