21 ديسمبر، 2024 9:53 م

عندما يتكلم الجندي المجهول – 11

عندما يتكلم الجندي المجهول – 11

الحلقة رقم – 11 –
أما الحدث ألأخر فهو” : في يوم ما وعند حلول الساعه الواحدة ظهراً طلب مني أبو مريم أن نخرخ من الغرفه الكئيبه ونسير بأتجاه موقع وقوف سيارة الطعام كي ننتظر قدومها عند الساعه الثالثه عصرا. سرنا جنبا الى جنب صامتين ..لاتوجد عباره واحدة نتبادلها لأن الحزن الشديد بسبب الجوع قد لف حباله حول معنوياتنا لدرجة الهلاك. فجأةً قال جندي المغاوير ” أبو مريم” :” لاأستطيع السير ..أشعر أن ركبتاي ترتجفان”. جلس على ألأرض وراح يفركهما بيديه. جلستُ قربه وكأنني أجلس أمام طفل رضيع لايقوى على النهوض. جاء من بعيد شاب في مقتبل العمر يحمل إناء من الرز البارد كان قد إستجداه من غرفة الجنود ألأيرانيين. كان يحمل ألأناء بطريقه فخوره وكبرياء لايضاهيه شيء على مدى عصور التاريخ. توقف قربنا ينظر الينا بشيء من ألأحتقار والتساؤل في نفس الوقت. قلت له بدون حياء ” هل يمكن أن تعطيننا قليلاً من الرز ؟ صديقي جائع جدا ويكاد يلفظ أنفاسه ألأخيرة من شدة الجوع..إنه لايقوى على الحركة”. ظل ينظر الينا بعدم إكتراث وذهب بعدها دون أن ينبس ببنت شفه. تبعته نظراتنا بيأس وكأننا نودع حلما شفافا قد تحول الى رماد في لمح البصر. حينما أصبح على بعد أمتار قليلة توقف وأدار رأسه الينا. بلا مقدمات عاد الينا وسألني بالحرف الواحد” هل أنتما من نفس الفصيل؟”. لاأدري ماذا كان يقصد بهذا السؤال ولكن دون وعي قلت” نعم..نعم.” أخذ حفنتين من الرز أعطاني واحدة وألأخرى للصديق أبو مريم. نظرت الى حفنة الرز في يدي كأنني شحاذ متمرس في هذه الصنعة منذ ولادتي. أما صديقي فقد كان يوزع نظراته بين حفنته وبين وجهي لايدري ماذا يقول. دون سابق إنذار بدأ يلتهم حصته بشراهه وكأنه لم يذق طعاما طيلة حياته. أعطيته قليلا من حصتي فقد شعرت أنه تحول الى طفل صغير.

حينما بدأ الصيف يزحف نحو منطقة كرند شعرنا أن حرارة النهار قد بدأت تشتد رويدا رويدا وأصبحت حرارة الشمس لاتطاق . كنا نمكث في الغرفه القذره أغلب ساعات النهار لأننا كنا نخشى ضربة الشمس . إستمرت ” العصيده” تمثل عشاؤنا اليومي وهي كما ذكرت سابقا عباره عن ملعقتين من الرز يتم خلطها مع قطعه صغيرة من الخبز الجاف جدا وقدح من الماء توضع في علبة معدنية قذره سوداء” قوطيه” ويتم تسخينها على النارالى أن تمتزج المواد بصورة جيده فيتحول الطعام الى شيء عديم اللون والطعم والرائحه. كافة الجنود العراقيين البالغ عددهم خمسة آلاف رجل كانوا يستخدمون هذه الطريقه مما جعل عملية إيجاد شيء نحرقه صعبا جدا فقد كانت كل مجموعه تأخذ المساحه الكبيرة للسجن جيئة وذهابا لغرض جمع الحطب. بعد مده من الزمن نفذت جميع ألأعواد وألأوراق المبعثرة هنا وهناك وحتى ألأشواك اليابسه إختفت تماما . أصبحت عملية إيجاد نار بالنسبة لي شخصيا شيئا مقرفا ومزعجا جدا. كنت أذهب مع الصديق أبو مريم الى مسافات بعيدة نبحث عن عيدان صغيرة أوقطع من الخشب بَيْدَ أننا نعود بخفي حنين كما يقول المثل – أي نعود صفر اليدين –. في أحد المرات طلب مني أبو مريم أن أذهب وحدي فقد كان مصابا بأسهال دموي حاد ولايقوى على الحركة. إنطلقت وحيدا أخترق المجاميع المختلفة من ألأجساد المتحركة بلا أرواح وكأنهم هياكل عظمية تسير نحو المجهول. البعض ألأخر منهم كان قد إفترش ألأرض ساهم في أفكاره الحزينة . . والبعض منهم قد وقف قرب البئر القذر ينتظرون دورهم للحصول على جرعة ماء بتلك الخوذه العسكرية التي أكلها الصدأ تماما وقد تم ربطها بسلسة حديدية كي لايسرقها أحداً ما ويتخذها إناءاً يستفيد منها في حياته اليومية الرتيبه. بينما كان البعض ألأخر يبحث بين الصخور عن قطعة يابسة من ألأشواك كي يجعلها نارا ملتهبه عند حلول الظلام. طاقات بشرية هائلة ولكنها محطمة وتم الحكم عليها بالضياع تماما ولو أستخدمت هذه الطاقات الكامنه فيهم لغيرت وجه التاريخ.إستمرت قدماي تسيران بين تلك الجموع وكأنهما تتقدمان نحو حتفي . كلما إبتعدتُ عن المكان الذي يرقد فيه صديقي المريض كلما إزدادت وحشتي وكآبتي المحرقة..فقد كنت كل يوم أسير الى جانبهِ نتبادل أطراف الحديث. حديث مكرر حتى سأمتُ سماعه ولكن ليس باليد حيله كما يقولون. كان صديقي الطيب القلب فلاحاً من الدرجة ألأولى..شبه أميّ وإذا حدثته عن شكسبير و دي.أج.لورنس وجالز ديكنز فأنه يفتح فمه مندهشاً وكأنه يستمع الى حديث باللغة الصينية. كان يقول لي أحياناً بأنه لايفهم ماأقول ولايدري عن أي شيء أتحدث ولهذا السبب كنتُ أطرح عليه سؤالاً مكرراً كل يوم كي أتركه يتحدث بأنفعال ورغبه لدرجه أنني كنت أشاهده يمسح عيناه بين فترة وأخرى علامة التأثر وألأنفعال. كنت أسأله السؤال التالي:

…” حدثني ياأبا مريم عن قصة زواجك وكيف نهاك إبن عم الفتاة حينما سمع بأنك تقدمت لخطبتها؟”. ويبقى يسرد لي حديثاً سمعته آلاف المرات بيد أنه يشعر بسعاده لاتوصف حينما يستعيد تلك الذكريات ويحدثني عن إبنته الوحيدة وكيف أن جدتها ” أي والدته” تحبها ولاتسمح لأي إنسان بالأقتراب منها”.

بدأت الشمس تلملم أذيال أشعتها في إستعداد طبيعي للأفول خلف الجبال. بحثتُ في كل مكان عن قطعة خشب أو أحراش يابسه أو أشواك مهشمه إلا أن كافة محاولاتي باءت بالفشل الذريع. كلما ضعفت الشمس كلما طار صوابي لأنني إذا لم أجد شيئاً ما أجعل منه ناراً عند حلول الظلام فهذا يعني أنني وأبا مريم سوف لن نتناول طعام العشاء ولن نحصل على العصيدة اليومية. غابت الشمس وشعرتُ بحقد على الطبيعة …..أستغفر الله لي ولكم من هذا القول..ولكنني قلت لنفسي لماذا لاتنتظر الشمس دقائق أخرى لعلي أجد شيئاً ما..إلا أن الطبيعة لها قوانين وحيثيات دقيقة جدا رسمها الخالق عز وجل ولاتنتظر المحرومين والمعذبين في ألأرض كي يشقوا طريقهم بهدوء وإطمئنان. أصبحت الجموع المتحركة أشباحاً عند حلول الظلام وبدأ الناس” الجنود” ينسحبون الى غرفهم القذرة كي يستلقوا على فراشهم في الظلام. عدت حزينا مهموما لاأطيق الحديث مع أي مخلوق بشري، وهيأت نفسي لجوع شديد طيلة ليلة مرعبة. وقبل أن أصل المكان الذي يرقد فيه صديقي مع بقية الزملاء شاهدتُ شيئاً مطروحا عند حافة إحدى الصخور. لم أستطع تمييزه من بعيد..وكلما إقتربتُ منه إتضح الشكل المدور ألأسود. وبسرعة البرق قفزت نحوه وإذا به حذاء قديم جدا لأحد الجنود. إلتقطته بسعادة لاتوصف. حدثت نفسي بأن ذلك الحذاء يمكن أن يكون نارا مستعره تكفي لطبخ عشاؤنا في ذلك اليوم ، وعلى عجل من أمري ركضت حاملاً الحذاء صوب صديقي الممدد على فراشه كالجثه الهامده. قلت على الفور حينما شاهدت أبا مريم:

…” ألأن سوف أطبخ لك ولي طعاما شهياً.”. نظر اليّ بعينين واهنتين وقال بصوت ضعيف:

…” تجد قطعة الخبز والملعقتين من الرز هناك”. دون أن أجيبه وضعت حصتي وحصته من الخبز والرز في الماء داخل العلبة المعدنية الصغيرة وأشعلت الحذاء بصعوبة وفاحت منه رائحه كريهه وتسأل بعض الزملاء عن مصدر تلك الرائحه غير الطبيعية إلا أنني لم أهتم لأقوالهم وتساؤلاتهم فقد كنت فرحا أنفخ النار بأعلى قوة صادره من أنفاسي. شعرت بحرقه لاتطاق في عيني بسبب الدخان المتصاعد. لم يكن هناك غطاء للعلبة المعدنية ولم يكن هناك ضوءأً كافيا للنظر الى الطبقه العليا من الطعام. حينما أطفأت بقية النار الملتهبه وحملت المائدة الغنية جدا بالفيتامينات ووضعتها قرب صديقي المريض وقربت الفسفوسه كي نرى الطعام اللذيذ – عفوا ياسيدي يجب ان احدثك عن الفسفوسه قبل ان اكمل حديثي. ” الفسفوسه هي قنينه زجاجية صغيرة وقد تم استخدامها لدواء السعال من قبل. وضعنا فيها النفط وقطعه من القماش فأصبحت مصباحا لكل المتواجدين في ذلك المكان ولاأدري من هو أول شخص أطلق عليها هذا ألأسم؟ حينما قربتُ الفسفوسه من العلبة الساخنه ونظرت الى الطبقه العليا من الغذاء وجدته قد غُطيَ بطبقة سوداء مخيفه. كانت النيران والدخان الناتجه عن إحتراق الحذاء العسكري الكبير قد شوهت تلك الوجبة تماما. في البداية قررت مع نفسي أن لاأتناول منها أي شيء لأنني إعتقدت أن تلك الطبقة السوداء ماهي إلا مواد سامه قد تحطم معدتي ومعدة صديقي، لكنني فكرت بصديقي المصاب بألأسهال الدموي الشديد . لقد فقد سوائل كثيرة وينبغي عليه تعويضها فوراً. وبسرعة متناهيه رحتُ أزيل الطبقة السوداء بملعقتي القديمة. لم ينتبه أبو مريم لتلك الحركة فقد كان ينتظر مني ألأشارة لدعوته للأكل. عندما قلت له ” تفضل” سحب جسده بصعوبه وكأنه كان قد تم تقييده الى الفراش بسلسله قوية. حينم تذوق الملعقة ألأولى قال بصوتٍ ضعيف:

…” إن طعمها غريب هذا اليوم”. حاولتُ أن أتظاهر أمامه بالأكل بصورة طبيعية كي لاتتقزز روحه ويفقد الشهية…وعند الملعقة الثانية قال بصوت واهن:

…” هل صحيح إنك كنت تتناول طعام العشاء يوما ما في فندق الرشيد؟ أنا لم أسمع بهذا ألأسم من قبل. ولاأعرف أين يقع هذا الفندق. كنت لاأذهب الى بغداد إلا عندما أنقل الطماطة في سيارتي البيك أب. ”

كان إستفساره عن ذلك الشيء قد عصر قلبي بقبضه فولاذيه وكدتُ أتقيء اللقمه التي كنت أمضغها بصعوبه. أعادت كلماته لذاكرتي ذكريات بعيده منسيه أكل الدهر عليها وشرب وراحت تختفي في أفق روحي المعذبه كأنها سحب دخان لأحد المصانع الكبيرة عند حدود العاصمة. لم أنطق بحرفٍ واحد. شعرت بصراع عنيف داخل نفسي الحائره. حلاوة الذكريات الشفافه الذهبية وجحيم ألأيام المره التي أكتوي بسعيرها في ذلك المكان الخالي من أبسط القواعد ألأنسانية. عندها طفقتُ أحدثُ ذاتي دون أن أُخرجُ صوتاً” لماذا يعذب ألأنسان أخيه ألأنسان بهذه الطريقة الوحشية؟ لقد خلق الخالق سبحانه وتعالى هذا الكائن العظيم وفضله على كافة مخلوقاته ولكن لماذا يعيش ألأنسان في هذا المكان بطريقه لاتعيشها حتى المخلوقات الحيوانية القذرة؟ مالذي جاء بنا الى هذا المكان؟ هل هو القدر المحتوم الذي كتبه الله عزوجل على جباهنا منذ ولادتنا أم أنه الخطأ الفادح الذي إرتكبته حينما قررت الألتحاق الى وحدتي العسكرية بعد قدومي من صحراء الكويت؟. مجرد هلوسه ذاتيه لم يعد لها وجود في عالم الواقع الرهيب. ولغرض المجاملة حدثته بصورة سريعة عن الفندق وكيف كنت أذهب اليه مع الوفود الصحفية وكيف كانت الدائرة تدفع نفقات كل شيء …….

إستمرت ألأيام في كرند كئيبه حزينه صعبه جدأ . بعدها بدأت مرحلة جديدة لم أر لها سابقه من قبل فقد بدأ رجال الدين يزوروننا في معسكرنا بشكل مركز ويلقون علينا محاضرات دينيه مختلفة وشن رجال الدين حملات كبيرة جدا لشتم الحكومة المركزية وبالذات لعن وشتم صدام. كانوا ينعتونه بالكافر والمجرم وغيرها من الألفاظ التي كانت غريبة على مسامعنا طيلة فترة تواجدنا في العراق. الحقيقة ومن أجل أن أكون صادقا في إعترافاتي كنا نتضايق من تلك ألأساليب والسبب في ذلك طبيعي جدا فقد عشت طيلة فترة طفولتي وصباي وشبابي لاأسمع سوى كلمات ألأحترام والتبجيل لشخصية القائد الضرورة كما كان يطلق عليه في ذلك الوقت. كان ذلك صراعا جديدا لنا ..إختلطت علينا ألأوراق . هل كان القائد الضرورة ” ضرورة حقا” أم كان مجرد شخص كباقِ ألأشخاص؟ هل هو الذي قاد البلاد الى هذا الدمار أم أن القدر هو الذي فعل فعلته……………..إزدادت ألأشاعات في تلك الفترة العصيبة في كرند من أننا سوف نعود الى الوطن. كلما سمعنا إشاعه كانت معنوياتنا ترتفع ونحلق في سماء ألأحلام بالعودة السريعه. وبرهنت التجربه أنهم كانوا يكذبون علينا حول عودتنا. وجاء يوم صعب لم نحسب له حساب. وزعوا علينا طعام الغداء كالعاده من خلال السيارة.لم يتقدم أحد من ألأسرى العراقيين كعادتهم كل يوم. نظرت من خلال نافذة الغرفة التي أسكنها مع زملائي.شاهدت ثلاثة ” قدور” كبيرة مرميه في الساحه الوسطية للمعسكر تحت حرارة الشمس. كان ألأضراب قد تم التخطيط له قبل يوم. بقيت القدور تنتظر من يأتيها كي يفرغها كما كان يدث ذلك كل يوم. وظل الجنود ألأسرى في غرفهم دون أن يتقدم أحد خطوة واحدة رغم الجوع الشديد الذي كان يعصف بالبطون الخاوية. من بعيد أرسلت نظراتي نحو تلك الخزانات الممتلئه بالرز الحار وتخيلت نفسي طيراً يطير في الفضاء وينقض على تلك القدور ٍ سال لعابي لتلك الخيالات الوهمية المدمره لروحي الفتيه. هل صحيح أن ألأنسان يتحول الى وحش عندما يُمنع عنه الطعام فترة طويله؟ إشتد ألأضراب عن الطعام وصاح بعض الجائعين:

…” نريد طعاماً..سنموت.. لانريد ألأضراب عن الطعام..نريد البقاء على قيد الحياة.” إلا أن بعض الجنود ألأسرى راحوا يصرخون :

…” من يأكل من ذلك الرز فهو ليس برجل. يجب أن ينظروا في قضيتنا. نريد العودة الى بلدنا. نريد مسؤولاً نتحدثُ معه حول قضيتنا.” وجاء حجي إسكندر من الحرس الجمهوري ألأسلامي. رجل عسكري لايحمل رتبه عسكرية كباقي العسكريين ولكنه يتميز بنفوذ واسع. ذو لحية طويلة سوداء. وراح يتحدث بصوت مرتفع يحاول من خلال نبرته أن يضفي طابعا من الشفقة والرحمه. ألحقيقه أنا شخصيا وجدتُ فيه نوعا من الرحمه ولاأدري هل كان يمثل دور الشخص الرحيم العططوف علينا بسبب تأزم الوضع؟ أم أن ألأوامر صدرت اليه أن يكون رحيما معنا؟ قال بصوتٍ عطوف:

…” من أجلي حاولوا أن تتناولوا طعامكم. سوف أنقل طلبكم الى السلطات العليا. ليس بيدي شيء. أنا مجرد رجل عسكري مثلكم. يجب أن تأكلوا كي تحافظوا على صحتكم.” وبدأت دمدمات وهمسات بين مؤيد ومعارض. الجائعين يريدون أن يأكلوا لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الجوع القاتل. والبعض ألأخر يصر على عدم تناول الطعام. وبقيت أنا حائراً بين ألأثنين وظل أبو مريم ينظر اليّ بعينين غائرتين . قرأت في عينيه تساؤلات لاعد لها ولاحصر. في النهايه قال أبومريم” إسمع ..فليستمر ألأضراب أو يفشل.هذا ليس من شأني. لديّ قطعة من الخبز الجاف فلنضعها في الماء ونسخنها في العلبة المعدنية ونضع عليها قليلاً من الملح وكمية كافية من الماء وسوف تصبح شوربه من الدرجة ألأولى. سوف تساعدنا على المقاومة حتى الغد”. حل المساء وجاءت مجموعة من الرجال الذين يرتدون الملابس السوداء ..وراحوا ينادون على أسماء رؤوساء ألأفواج واحدا تلو ألأخر ويجرون معهم تحقيقا مخيفا.

شاهدت رئيس فوجنا … وهو جندي كان معنا في صحراء الكويت أثناء إحتلال ذلك البلد وهو من أهالي محافظة ديالى وأسمه باسم. عاد بعد ساعة وهو يرتعش من شدة الخوف. فجأة راح يبكي بصوت يمزق نياط ألأفئدة. كان يقول:

…” لقد ضربني ذلك المحقق الذي لايعرف الرحمه. هو يدعي بأنه عراقي ولكن لاتوجد في قلبه أدنى صفه للرحمه. لقد أخرج مسدسه من تحت قميصه وصوبه نحو صدري وهو يقول بأنه يستطيع ألأن أن يطلق علي النار في هذا الظلام ويدفنني في هذه ألأرض الصخرية دون أن يسأله أي أحد عن سبب فعلته” وراح يبكي كأنه طفل صغير. حاولنا تهدئته عدة مرات إلا أن كتفيه كانتا تهتزان بشكل متواصل علامة البكاء المستمر. إنتهت تلك الليلة العصيبه. . وأنتهى ألأضراب ووزعوا الرز في ساعة متأخرة من الليل وكان الطعام باردا وحاولت مضغه بنفس الطريقه اليوميه بيد أنني لم أشعر بأي لذه عند تناوله. ونمت كما نام كا المعسكر بعد أن عانينا من ألأضطراب والخوف الشيء الكثير.