17 نوفمبر، 2024 9:33 م
Search
Close this search box.

عندما يتعلق الغريق بالقشة

عندما يتعلق الغريق بالقشة

عقدان من الزمن مرّا على حياة الشعب العراقي .. بل منذ عام 1990 ، نستطيع أن  نصف هذا الزمن بالزمن الرديء ، أو زمن التراجع والتقهقر . وهذه الأوصاف ليست بالكاذبة أو المتجنية المتحاملة بل هي صادقة تقول للفأر أنت فأر ولا تقول له أنت بلبل فتان .
فالكلام كثير سائد والنور ضئيل مطارد .
كل شيء من حولنا وعلى مختلف الأصعدة   ، السياسية ، الفكرية ،  الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، الإعلامية ، يحض على الولولة ولطم الخدود والاستسلام لليأس بلا شروط ، ولكننا إذا استسلمنا لليأس نفذنا ما يطمح إليه أعداؤنا في داخل العراق وخارجه إلى نيله .  بل إن دفعنا إلى الاستسلام لليأس هو الحلقة الماكرة الخطرة على حاضرنا ومستقبلنا .
تآمروا من اجل تفريقنا وتجزئتنا فنجحوا .

تآمروا من اجل أن يقتل بعضنا بعضا فنجحوا .
تآمروا من اجل  إذلالنا وقهرنا وتجويعنا  فنجحوا .
والناس ليسوا من حديد أو فولاذ ، بل هم من دم ولحم ،  ومن الطبيعي أن ييأسوا ، ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أن اليأس خصم لا يعرف الشفقة ويحولهم إلى ما يشبه الطيور المبتورة الأجنحة والتي ترحب ببنادق الصيادين وتنظر إليهم كمخّلص ومنقذ .
والإنسان سواء أكان عالما أو جاهلا لا يقبل بهذا المصير وسيحاول مواجهته أو الفرار منه بشتى الوسائل .
وإذا كنا الآن يائسين حقا لأسباب وجيهة لا علاقة لها بالمزاج السوداوي ،  فمن الضروري إلا نفقد قدرتنا على أن نحلم ولا سيما إن أنظمة الحكم لم تكشف بعد أساليب تمكنها من منع الناس من أن يحلموا كما يشاؤون  .
وحين نحلم فأن أحلامنا مهما كانت خيالية  هي دليل على أن الأمل ما زال حيا ولم يهلك ، والأمل سلاح لا يهزم المستغيث به .
نستطيع أن نحلم بأنه بعد أشهر .. بعد أعوام .. بعد عشرات الأعوام ستأتي أيام محبة للإنسان وكريمة كرما تجعلنا نتصور أن حاتم الطائي كان بخيلا .
ستأتي أيام تمنحنا أكثر مما نصبوا اليه .
سيكون لكل مواطن أربعة بيوت ، بيت للشتاء وآخر للصيف  ، وثالث للخريف ورابع للربيع .
سيكون لكل مواطن أربع زوجات وكل زوجة هي كالقمر في يومه الرابع عشر .
ستحيا بلادنا من غير حكام وكل من يفكر لحظة في إن يصبح حاكما سيكون محل سخرية الناس .
سيتم إلغاء كلمة ” حرية ” من المعاجم والكتب ومن أحاديثنا وكتاباتنا ،  لأن استخدامها لا يتم اللجوء إليها إلا  حين تكون مفقودة أو مهددة .
وإذا نظرنا يوما إلى شرطي نظرة توبيخ لطيف … بكــى مناشدا العفو الذي هو من شيم العراقي
سنشتغل في كل يوم ساعات قليلة كنوع من الرياضة الذهنية والبدنية ولن نشتغل ليل نهار من أجل الظفر بالقوت اليومي .
وإذا جعنا ، هرعت إلينا وفود تمثل أشهر المطاعم الراقية ، وسيحاول كل وفد إقناعنا باختيار الأكلات اللذيذة التي يقدمها مطعمه
جيشنا سيقيم باستمرار على  الحدود ، ومدافعه ستكون دائما مصوبة  نحو أي عدو ،  لا إلى صدورنا وبيوتنا .
لن نمرض  ، لأن أسباب المرض زالت بزوال التصريحات السياسية الجميلة والحماسية .
سيكون معدل عمر العراقي مائة سنه ومن غير شيخوخة ،  ولماذا يشيخ مادام  لم يرتجف رعبا  وهو ينظر إلى صور الساسة والقادة الكبار ؟.
أما إذا كان  ما سنحلم به  لن يتحقق فهو على الأقل سيكون حالة استهزاء بالذين يريدون لنا أن نيأس كي نظل مطايا لهم ، والمحكوم بالإعدام حين يواجه الموت وهو يبتسم ، يغيظ جلاده ، ويرغمه على الإحساس بأن انتصاره وهمي .

أحدث المقالات