ليلة الجمعة كنت في زيارة لمرقد الامام الكاظم (ع), كان الجو باردا, لكن مع هذا كان المكان مزدحما بالزوار, شاهدت شاب جالس قرب ضريح الامام موسى بن جعفر (ع) وهو يجهش بالبكاء, انصت اليه احاول ان اسمع كلمات القرب, ففي لحظات القرب تكون الكلمات اتم, فكان يقول:” اللهم تحاصرني أعين حاسدة وقلوبا حاقدة وانفس ماكرة وانا لا حيلة لي في رد كل هذا, اللهم بحق الامام الكاظم ابعدهم عني وعن من احب”.
كانت كلمات صادقة وناضجة عبرت عن حالة اجتماعية لا يمكن تجاهلها, التمزق الاجتماعي, النفاق, الاحقاد, التحاسد, المكر, الخيانة, في مقابل هذا تواجد ايمان روحي يصرخ بوجه النفاق والعولمة والالحاد, ويحارب جيوش الشيطان والصخب الالكتروني.
احيانا عندما ننصت بعمق لما يقال حولنا, نكتشف عوالم تغيب عنا في زحمة ولادة الكلمات والحوادث.
• لا خسائر
السبت الماضي دعانا صديقنا علي الدراجي لوجبة كباب, فلبى كل الاصدقاء لحضور الوليمة, فالكباب لا يقبل اعتذارات, وقد انتبهت لصديقي محمود ويبدو عليه انه متعب ومهزوم نفسيا, بعد فشل مشروعه الاخير في افتتاح مكتبة, حيث لم يجن منها الا التعب واضاعة الجهد والوقت والمال, يلوم نفسه كثيرا على دخول تلك التجربة الفاشلة, ويعاتب اصدقاءه لان لا احد قدم له النصح.
في تلك اللحظة المنكسرة التي يعيشها محمود كان من بين الحضور رجلا عجوز, كان يوصل طلبية الكباب لبيت صاحب الوليمة, وكان ينصت لحوار محمود وتعاسته, فالتفت اليه وقال: ” يا بني لا تقول ابدا انك خسرت, بل اعتبر تجربتك الفاشلة خطوة اولى للنجاح القادم, اشعر نفسك بالنجاح وستنجح”.
توقف محمود عن الكلام, شكر العجوز على ما قال, بعدها اصبح محمود شخص ثاني, ما بقي من وقت الوليمة كان محمود يضحك ويحاور ويأكل الكباب بشغف, واخبرنا في النهاية انه يفكر بمشروع جديد.
• نصيحة
تتغير حالة عباس صديقنا الشاب الخجول, كلما مر من قرب دار فتاة احبها, لكن تزوجت غيره, لولا عسره في تلك الايام, وطلبات والدها التعجيزية لكانت الفتاة لعباس, كنا نفكر كثيرا بقصة صديقنا الحزين عباس ونقول لولا خجله الكبير لما فقدها, كان الموقف يتطلب بعض الغضب والتمسك بما يريد, الخميس الماضي كان عباس متعبا وهو يعيد شريط العام الماضي الذي شهد نهاية قصة عشقه الى الابد, لا يقبل النصح ويعيد الكلام عن تفاصيل الامس!
كان معنا في تلك الجلسة شاب فلاح من مدينة الكوت, وهو قريب لاحد الاصدقاء وحضر معه, اقترب من عباس وقال له: ” نصيحة اخ لآخوه لا تراقب شيئا لم يعد لك, وفكر كيف تجد سعادتك, واخرج من سجنك الذي انت من صنعه, الحياة كبيرة لا تتوقف على شخص او حدث”.
سكت عباس وهو ينصت بعمق لكلام الفلاح الشاب, واكد لنا انه سيعيد النظر بمواقفه, وشكر الزائر الغريب على عمق نصيحته, وهمس له بانه سيعمل بنصيحته.
• الخاتمة:
علينا ان ننصت لما يقال حولنا, فالكلمات التي تولد من حولنا بالملايين كل يوم, وهنالك بينها ما يبني جبلا شامخا, ومنها ما يصنع الحياة, وبعضها ما ينقذ الغريق من بحرا عميق.