عند التمعن في الحالة الايرانية والبحث فيها بهدوء وروية، نجدها وإن إنتمت للشرق بمفاهيمه وقيمه السائدة وعمقه المعنوي والانساني والحضاري، لکن کان دائما هناك ثمة مميزات خاصة بها تمنحها نوعا من الخصوصية، ذلك إننا لو نظرنا الى الثورة الايرانية مثلا والتي لم تلفت نظر العالمين الاسلامي والعربي فقط بل وحتى إنها أذهلت العالم الى الحد الذي جعل العالم يربط بين الثورة وبين حضارة إيران التي تمتد لأکثر من 2500 عاما، وبنفس السياق فإننا لو وضعنا الديکتاتورية الملکية المطلقة ومن بعدها الديکتاتورية الدينية الاستبدادية لوجدنا إننا نقف أيضا أمام حالة ليست غريبة بل وحتى فريدة من نوعها بحيث من الصعب جدا أن نجد من نظيرا لها.
ديکتاتورية الشاه التي بالغت کثيرا في إستهتارها وتماديها ولاسيما عندما جعلت ثروة وإمکانية الشعب الايرانية في خدمة طموحات وأحلام الشاه المريضة وحفلاته الباذخة مثلما بالغت أيضا في ممارساتها القمعية وضيقت الخناق على الشعب الايراني کثيرا، لکن سخط وغضب الشعب وعدم رضاه عن ديکتاتورية الشاه ومغامراته الجنونية جعله يرى في مجاهدي خلق النموذج والقدوة المثالية التي بإمکانها أن تواجه نزق وطيش نظام الشاه وتجعل من إسقاطه أمرا ممکنا خصوصا بعد أن فشل نظام الشاه في القضاء على مجاهدي خلق وإنهاء دورها وتأثيرها الحيوي والمحوري على الشعب الايراني من حيث إستمرار النضال والمواجهة ضده وعدم الخوف من أجهزته القمعية المتمادية في عنفها ودمويتها وإن إصرار المنظمة على إستمرار المواجهة على الرغم من کل التضحيات التي قدمتها قد ساهم في النتيجة في أن تفقد ديکتاتورية الشاه هيبتها وسطوتها أمام الشعب عموما ومجاهدي خلق خصوصا، وهذا هو نفس الحالة التي تقوم مجاهدي خلق بتکرارها ضد نظام ولاية الفقيه على الرغم من إن الاخير کما هو معروف عنه يتدثر بغطاء ديني وهو مايجعل مواجهته والتصدي له ليس بذلك الامر الهين.
النظام الديني الاستبدادي في إيران وبعد أکثر من 42 عاما، وبعد أن واجه مقاومة ومواجهة إستثنائية من جانب مجاهدي خلق الى الحد الذي ليس هز رکائز النظام وزعزعها فقط بل وحتى نال من الولي الفقيه ذاته والذي هو بمثابة قمة الهرم الحاکم وأثر على هيبته خصوصا بعد أن باتت طروحات وأفکار المنظمة في صراعها ومواجهتها ضد الديکتاتورية الدينية تغدو شعارات ثورية شعبية، وإن إنتفاضتي 28 ديسمبر2017 و15 نوفمبر 2019، اللتان مرغتا هيبة الولي الفقيه بصورة خاصة والنظام بصورة عامة في الوحل، وهو الامر الذي جعل النظام يعلم جيدا بأنه صار يسير على نفس المنحدر الذي إنتهى إليه نظام الشاه، ومن هنا جاء شعور خامنئي بالخوف مما ينتظره ونظامه من مصير مجهول أمام الشعب وهو الذي جعله يلوذ بسياسة الانکماش ويضرب بلعبة الاعتدال والاصلاح عرض الحائط ويستعين بقاضي الموت ابراهيم رئيسي الحکومة التي شکلها من أجل مواجهة الشعب الايراني ومجاهدي خلق تماما کما فعل الشاه عندما قام بالاستعانة بالجنرال أزهاري ليشکل حکومة من أجل المحافظة على النظام من السقوط، ومن دون شك فکما إن نظام الشاه بعد أن فقد هيبته لم يعد هناك مايمکن أن يعيد إعتباره السابق إليه فإنتهى به الامر الى منحدر السقوط، فإن نفس السيناريو ينتظر النظام الديني ولامناص من ذلك أبدا.