أفي نجاح وهمي في عالم متسارع ضبابي كأنه عالم افتراضي في ترحال، لكن الافتراضي يفنى فتفقد ذاكرته أما عالمك فتحتفظ نفسك بكل ما فعلت في كتاب مبين لتركب على جسد يوم تركب فيوظف لها كأنه ما كانت مسجونة فيه في الدنيا وهنالك يكون الحساب؟
أم مصلحتي في صواب الفعل وحسن العمل، في أن أكون إنسانا أحسن حيثما كنت ولا أقول إن أحسنت الناس أحسنت وان أساءت أسأت فانت فردا دون أن تدري تقضي عمرك لتجد نفسك تحاسب بما تمتع به غيرك وتحاسب أنت وحدك على ما جمعت وتمتع به من كان نسبك واليوم لا انساب بينكم.
الأنا
اتحدت دوما عن الأنا لكونها تجمع في الإنسان حاجاته وغرائزه في ثورتها فتغيب القيم في تفاصيل تافهة عندما تحسب أنك ستتضرر من طلب صديق فلا تبدي مخاوفك ليساعدك في تبديدها أو يحترم تلك المخاوف ويعذرك فيعفيك مما طلب؛ لا بل بدلا عن هذا تضيع وقته بانتظار ما تملكه وتحجبه أو تكذب عليه فتتراجع ثقته بك.
لن اتخذ دور الواعظ فأناقش السلوك ولكني ككاتب انظر إلى منطق الأمور وعقليتها كي تتوازن الشخصية وتستعيد حياتنا المادية نوعا من القيم التي فرقت بغيابها القريب قبل البعيد وجردت معاني مثل الصداقة والمروءة والتعاضد من معناها فبتنا غرباء في ارض هي تصحرت حين فقدت مطرها الأخلاق وحرثها القيم.
في تجمع بشري فُككت أواصره التحامه حيث كان مجتمعا له من القيم والعادات والتقاليد والشخصية المعنوية، نتيجة هجمة ما انفكت مستمرة تحركها أطماع لا تبالي بالإنسانية والقيم أو الاعتداد بنموذج إنسان أو مدينة أو بلد من اجل خيال مريض وطغيان غرائز كحب السيادة والتملك دمرت مجتمعا مسالما يجد المثقف نفسه في حيرة أمام نكران الواقع وأمام ما نعانيه من توتر عصبي وسلوك نزق يعبر عن تدمير الشخصية وغياب القيم التي يزعمها من يناقضها كغريق لا يرضى أن يعترف بعجزه أو يسمح بمساعدته للنجاة…. فظهر التبرير للتخلي عن معاني أصيلة كالصداقة والرفقة وكلمة الرجال التي لا ينبغي أن يشك فيها فهذا غياب للقيم والمروءة أعظمها ومتى فقدت المروءة فقدت الثقة بكل شيء بالمعتدي والمنقذ على حد سواء وغابت القدوة واخذ المجتمع ينحدر بعيدا عن قيمه وأخلاقه.
إننا لسنا هذه الأجساد التي تضعف وتطلب وتستدعي كل موارد الطاقة الذهنية من اجل إشباع غرائزنا في النوع والتملك وحب السيادة والخوف ذلك الوهم الذي امتلك حياتنا فجعل تفكيرنا في المسارات السلبية، عندما أقول أنى لو ساعدت فلانا في طلبه فسأتعرض لغضب فلان أو خسارة كذا وكذا وأسمعك طيب الكلام بلا فعل واقع، ولا أقول إني لو أعنته فقد يفعل شيئا إيجابيا فاربح منه رضى الله إن لم يك فيه من عوائد، لا نبذل جهدا ذهنيا أو بدنيا من اجل تربية أنفسنا على القيم والتراحم والتكاتف والإخلاص في المسار
نستنزف طاقاتنا للفانية وننسى الباقية:
نعم نستخدم منظومتنا العقلية من اجل إشباع الغرائز وسد الحاجات باهتمام ومهارة وهي حاجات جسد فاني، بينما لا نتعب من اجل المعرفة وتصريف المعرفة والإبداع فيها وهي غذاء النفس الفانية لا نتعب بزاد التقوى، لا نسعى لنصرة مظلوم أو رد لهفة ملهوف، سيقول البعض إن هذا الكلام مثاليا وان هذه الأمور ذهب وقتها فنحن في عالم متوحش لابد أن نركض أسرع وأسرع لنعيش، لكن نسينا أن هذه ليست الدار وأننا في مسار انتقال.
الم يخرج الآدمية من الجنة غذاء الجسد؟ الم يخرجها أنها أعطيت المعرفة لكنها لم تتدبر تلك المعرفة، ونبهت لكنها لم تتنبه، لان الغريزة غلبت منظومة العقل بل جمدتها ونسي آدم وهو ينسى إلى اليوم، بل إن كانت الغريزة غلبت بان الآدمية لم تتدبر فاليوم الغرائز والحاجات مستعمرة لمنظومة العقل وتفعل الفساد ليتحقق كلام الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها…) فلم نعد نحسن بقدراتنا العقلية وإنما فقنا الفساد الذي تحدثت عنه الملائكة، ذلك كان من يديره منظومة عقلية جبارة خلقت لتفهم الحق وتميزه عن الباطل فاضحت تخطط للباطل وتمتنع عن إنصاف الحق ناهيك عن نصرته فنسيئ استخدام تلك المنظومة التي لم ترَ الملائكة مثيلتها.