23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

عندما تعمد الحكومة الى تظليل الحقائق

عندما تعمد الحكومة الى تظليل الحقائق

الشفقة: “هي الشعور الذي يأسر الروح، إبَّان مواجهة كل ما هو صعب وثابت في البؤس الإنساني، ويجعله متوحداً مع الانسان المتألم” اَي انها شعور عاطفي بين المشاهد او المستمع لموقفٍ مؤلم يمر به شخص معين، يدفع بالأول الى الانفعالات اللاشعورية، تنتج عنها تصرفات عاطفية خارجة عن السيطرة، كـ (نزول الدمع بلا شعور, او الانهيار العاطفي للشخص المنفعل) تنعكس على حركات الجسم كنهوضه من مكان جلوسه متأوهاً ومتألماً, قابضاً على كفيه, يعتصرهما تارة, وصافقاً بعضهما البعض تارة اخرى.

عرضت قناة (الفرات الفضائية)، يوم الجمعة المصادف ١٥/٢/٢٠١٨، حلقة لبرنامج “من الواقع” الذي يقدمه الإعلامي المتألق والجريء (علي عذاب)، برنامج يحاكي الواقع، يتحدث عن كثير من الحالات والتصرفات والممارسات غير الاخلاقية، التي تنعكس سلباً على واقع المجتمع العراقي، الغاية من عرض مثل تلك البرامج، هو لأجل دفع الدولة او الحكومة الى وضع حلول واقعية، تعمل على القضاء او الحد من تلك الممارسات التي تضر بالمجتمعات، لكن يبقى الطرح للمواضيع مختلف بين قناة واخرى بين إعلامي واخر، كلاً حسب امكانياته وخبراته المعرفية والمكتسبة.

البرنامج كان يتحدث في حلقته الماضية عن حالات التسول المنتشرة في (العاصمة بغداد)، والتي أصبحت ظاهرة اكثر ما هي ممارسة، فمن يطلع عليها يصاب بالرعب والخوف، عِند الوقوف في التقاطعات المرورية، لما سيراه من هجوم كاسح للمتسولين، وبكافة الإعمار ولكلا الجنسين، يدهشونك بتصرفاتهم المتلونة، فتراهم بين الذي يمد كفيه من نافذة السيارة اليسرى لطلب المال, وبين الذي يطرق على النافذة اليمنى، ليرغمك على شراء بعض الحاجيات الزهيدة الثمن، فينكسر له قلبك، في محاولة لاستعطافك كي تدفع له أضعاف سعرها الحقيقي، وبين من يتسلق مقدمة سيارتك، في محاولة لتنظيف الزجاج الأمامي، مقابل مبلغ من المال.

تناول البرنامج في حينها حالتين، الاولى لامرأة كبيرة في السن، تستجدي وهي جالسة على كرسي متحرك، ومن خلال التحقيق الذي أجراه مقدم البرنامج، والذي استغرق عشرة ايّام من البحث، تبين ان المُستَجدية تملك دارين، تسكن احدهما ومستأجرة الآخر، مع محل مستأجرته مقابل (٤٠٠٠٠٠) الف دينار كبدل ايجار شهري، وتقاعد لزوجها، هذا لم يبتدعه الإعلامي صاحب البرنامج، وإنما عرفه نتيجة تحقيقه والحديث معها من على الكاميرا.

الحالة الثّانية؛ كان التقرير حول فتاة بعمر الزهور، تبيع المناديل في التقاطع المروري، فعندما أراد ان يتحدث معها هربت، لكنه اصر عليها لتحدثه عن ما تقوم به من عمل، لا يناسبها كفتاة يافعة بهكذا عمر، ادعت الفتاة “ان أباها قد باعها لرجل مقابل (١٥) مليون دينار، كما باع اختها لغيره”، تقول الفتاة ان الذي اشتراها وهو يمتلك العشرات من امثالها، يعملن في الإستجداء نهاراً، والأعمال الغير شرعية والغير اخلاقية ليلاً، وعندما سألها عن السبب قالت: انه يريد من كل فتاة (٣٠٠) الف دينار يومياً، ولا يهمه من أين نأتي بالأموال، استنكر المشاهدون الحالة الاولى، وتعاطفوا واشفقوا كثيراً على الحالة الثانية، وأصبحت حديث الشارع وأخذ الموضوع صداً واسع لدى المواطنين، التفاصيل كثيرة لسنا بصددها، لكننا بصدد ما قامة به وزارة الداخلية.

نُشرت بعض الصّور للوزير وبعض الضُباط، وهم يجلسون بينهم فتاة تتحدث اليهم، بدعوى انها ذاتها الفتاة التي التقى بها الإعلامي (علي عذاب) في برنامج (من الواقع)، وهي تقول ان الحديث الذي دار بينها وبين صاحب البرنامج كان بالاتفاق المتبادل، وان صاحب البرنامج هو من طلب منها ان تتحدث بهكذا حَدِيث، وان ما قالته كان عاري عن الصحة!.
لو افترضنا جدلاً صحة ما نشر من صور لوزير الداخلية، اثناء لقائه بالفتاة، مع وجود فارق كبير بين صورة الفتاتين، ما الذي يحاول كسبه صاحب البرنامج من هكذا امر؟ هل هي الشهرة؟ أم المال؟ وهل ما سيكسبه كافياً ليدفع عنه خطر تلك المافيات التي تتاجر بالأطفال! اما كان الاجدر بوزارة الداخلية ان تتابع هكذا مواضيع وتعالجها بدل تكذيبها وفبركتها؟ اما كان الأفضل تشكيل لجان تحقيقية للبحث بهذا الامر؟.

حقيقة لا نعرف ما هي الدوافع خلف ما نشرته وزارة الداخلية؟ وتكذيبها لما عرض في البرنامج؟ وما هي المصلحة في ذلك الامر؟ وهل ان التسول وتلك الظواهر غير موجودة؟ وإن كل ما شوهد في البرنامج عاري عن الصحة؟ ولا يوجد في العراق مثل تلك المافيات التي تتاجر بالأطفال!، ليبقى السؤال الاهم: لماذا تعمدت وزارة الداخلية على تضليل الحقيقة وتزيفها؟.