يصف البعض قدرة الولايات المتحدة على مواجهة نتائج إعصاري هارفي وإيرما، وتحديد الخسائر، والعمل على تخطي ما أحدثه الإعصارين. وما حدث هو إنما مواجهة الدولة مع تحديات الطبيعة. وتختلف دولة عن اخرى، وفقاً لقدراتها، وإمكانياتها. فالدول الغنية المتقدمة تختلف في تجاوز مثل هذه المحن عن الدول الفقيرة النامية. ورغم ذلك يضع البعض مقارنات، هي في حقيقة الأمر غير منطقية، وغير منصفة، عندما تقارن مع ما ضرب المنطقة العربية من زلزال مدمر، هو من صنع البشر، وليس الطبيعة، خَص به تحديداً كل من سوريا والعراق. فالغضب الذي أصاب أمريكا من الطبيعة، كان أرحم من الغضب البشري الذي أصاب العرب. قدرت خسائر إعصار هارفي بحدود ٧٥ مليار دولار. وخسائر إعصار إيرما بحدود ١٥٠ مليار دولار. وتكاتفت الجهود الحكومية والشعبية لتجاوز نتائج ما أفرزه الإعصارين. رغم المظاهر السلبية التي نتجت عنهما، وظهور مجاميع السراق، التي نهبت كل ما يتوفر أمامها من الأموال الخاصة والعامة، رغم الوجود الكثيف للقوى الأمنية، ونزول الجيش، وتوظيف حراس مدنيين لهذه المهمة. يذكر هذا الموقف بمساهمة وتشجيع القوات الأمريكية لمجاميع سائبة أثناء إحتلال العراق لنهب مؤسسات الدولة العراقية، في ظاهرة تذكر بفرهود اليهود الذي شجعت عليه بريطانيا عندما كانت تحتل العراق، لتدعم به هجرة المواطنين اليهود العراقيين الى فلسطين.
صحيح إن ما أصاب كل من العراق وسوريا شيء لا يمكن تصوره. وإنه يعجز كلا البلدين من تدارك أمرهما، ليس بسبب عجزهما عن ذلك، وإنما بسبب ما خلفه، الإحتلال، من ضعف الأداء الحكومي، وتسلط مجاميع من العاجزين والسراق الذي وفر المحتل لهم الفرصة في تسيد الموقف في العراق. وعندما يضرب مثل صرف ١٠٠ مليار دولار على قطاع الكهرباء في العراق ولم تتوفر الكهرباء بالشكل الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه، إنما بسبب وجود مثل هؤلاء الذين سوف لن يوفروها حتى ولو صرف أضعاف أضعاف ذلك المبلغ. وليتذكر من يريد كيف أعيدت الحياة مرة ثانية للعراق بعد حرب الخليج الاولى، بقدرات ذاتية، وبمبالغ سددت عن طريق تعويم سعر صرف الدينار العراقي، بما جرت تسميته في حينه “الطبع”، لعدم وجود نقد أجنبي، يرد للعراق، بفعل الحصار، وكانت إعادة الإعمار بفعل الإرادة والعقل العراقيّين.
أذن، ما أريد بالإعصار الذي ضرب قوتين من ثلاث قوى كانت تشكل التهديد الحقيقي لإسرائيل. ومنع وقف التدهور الحاصل في العراق منذ خمسة عشر عاماً، بل السير به، بتعمد، الى أخر مديات الهاوية، والتي نشهدها الآن، ليست لنقص يشكوا منه العراق، بل لمنهاج يمنع القوى الوطنية الحقيقية من أداء دورها، وترك الأمور لمن يقبل ما أرتسم له، من تنفيذ. وذات الشيء ما عمل بسوريا، التي لم يترك لها أن تأخذ أنفاسها،
بحجة وجود الدكتاتور، وكأنما الأسد هو الدكتاتور الأوحد في المنطقة، وكأنما النظام لم يكن في سوريا منذ زمن فاق الخمسة والخمسين عاماً على سدة الحكم، رغم إنه الأرحم، والأكثر حمية على شعبه، من الغير، ولكنها إرادة يجب أن تنفّذ.
الإعصار الذي ضرب العراق وسوريا قدّر له أن يستمر، وأن لا تعالج نتائجه حتى وإن توقف. والسبب ليس خلل في مجتمعيهما، إنما هو الإصرار على إدامة الخلل، وإبعاد أي جهد وطني شريف يحاول إيقاف التدهور، وإصلاح أثار ما أحدثوه. ولتسمى الأشياء بمسمياتها. فالعقوبة كانت ولا تزال توقع بكل دولة ساهمت وأطلقت نيرانها على إسرائيل. أن تعاقب بهذا الشكل الذي لا حدود له. بعض تدمير مادي، والآخر تدمير إقتصادي، وحرب على المعيشة. فكل الأشياء مرسومة، ومخطط لها بإتقان.