إمرأة ريفية, بسيطة‚ فرحة‚ وجدت دجاجتها البكر، قد باضت بيضتها الأولى، وهذا ما سيُفرح أطفالها الصغار حتماً، هكذا كلنا يتذكر الرئيس الأميركي “ترامب” بعد رجوعه من زيارته التأريخية للمملكة العربية السعودية، حاملاً بين يديه تصاريح الأتفاق بين الدولتين، والصكوك, والحوالات, والمبالغ النقدية والعينية, المهداة له ولابنته عراب الضيافة, وسيدة الحفلة السياسية الراقصة, وصاحبة الطول الفارع، والجمال المغري، الذي اسال لُعاب حكام الخليج،”أفيكانا” الأمر الذي دعا الرئيس الأميركي، بأن يطلق بشارته لشعبه عبر توتير قائلاً: (لقد جلبت لكم الأموال من الشرق الأوسط .. ما يعني الوظائف الوظائف الوظائف(، فكانت تلك بيضة السعودية الأولى، بيد الحليف الإستراتيجي الأول.
لسنا بصدد التذكير بثمن البيضة، وما تعهد به الرئيس الأميركي، من رحيل الأسد والضغط على ايران بأصبع سادس يسمى اليمن، من خلال الحرب هنالك، لان الموازين اليوم إنقلبت، والسياسة كما يقال: (لا تعرف المستحيل ولا تأبه بالصديق)! ولأسباب عديدة لا يمكن حصرها مع عظم التطورات والمتغيرات في الساحة السياسة للمنطقة العربية والعالمية، ولكن قد نقول بأن أولى وأهم تلك الأسباب، هو التراجع الملحوظ في الموقف الأميركي في المنطقة من جهة، وسياسة الرئيس الروسي وزيادة حجم موقفه بالمنطقة من جهة ثانية، خصوصا بعدما إستطاع أن يُجلس السعودية على الطاولة، التي أجلس عليها (إيران, وسوريا, والصين, وكوريا, وقطر, وتركيا) مؤخراً.
من بعد هذا المدخل والمقدمة، وما يلاحظ من تطورات الأحداث في زيارة العاهل السعودي لروسيا، وعلى هكذا مستوى سياسي منذ ما يزيد على (80) سنة، أبان إنشاء المملكة السعودية، ومع عظم الأستقبال الذي وجده السعوديين في “الكرملين” حيث أن المطارات والمداخل والفنادق والشوارع، كلها تزينت بعبارات الترحيب باللغتين الرسميتين للدولتين، وعلى إمتداد السجاد الأحمر الخاص باستقبال الضيوف، تبقى هنالك مجموعة تساؤلات لابد من طرحها أو الاشارة اليها.
1- هل البساط الأحمر الروسي، الخاص باستقبال العاهل السعودي، هو سحب لبساط التحالف الاميركي ..؟ أم إنه لا يعني التخلي عن تحالفها الأميركي؟ بقد ما يعني حق تنوع توريد الأسلحة على حد قول الممثل السعودي! وبذلك تخرج السعودية عن دائرة الإبتزاز الاميركي بوجود البديل الروسي!
2- هل الموافقة على بيع صواريخ (s 400) المتطورة، ثمن لدعم بقاء الأسد! وكسب الرهان (الأميركي- الروسي)؟! ولربما سيكون الأمر مرهون بجنيف القادم، بعد توافق أطراف الجبهة المعنية.
3- هل ستكون طاولة التفاوض مستطيلة الشكل فيتقابل ( السعودية وإيران) للتفاوض على إنهاء الحرب في اليمن خصوصاً؟!
4- ماذا ستترك تلك التفاهمات والتقاربات من آثر في الدولة التي تشهد تداخل الأطراف المعنية؟ (سوريا – العراق – اليمن – لبنان)، خصوصا بعد إنكماش وتلاشي المجموعات الأرهابية (داعش – النصرة – الجيش الحر- جيش الإسلام …الخ) والتي تدعمها السعودية علناً!
ربما ستشهد الأيام أو الشهور القليلة المقبلة، إجابات حقيقة بعيدة عن التكهن والاستقراء الان ولجميع تلك التساؤلات، ولكن ما يجب أن نحدده ونركز عليه، هو أسباب تلك الزيارة ومنافذ الدعوة لها، ويمكن حصرها بالاتي:
• تصريح العاهل السعودي الأخير: (بأن السعودية تسعى للحفاظ على الإقتصاد النفطي العالمي)، يُعطي إشارة بأن هنالك تفاهمات، وصلت الى تحديد سقف الإنتاج النفطي وسعره عالمياً! وبذلك تدخل روسيا كلاعب أساسي في الاقتصاد العالمي ايضا! وبالتالي الدخول في معترك جديد مع القوى الأميركية وحلفاءها، والسعي لكسب رهان ذلك المعترك مرة أخرى، بالإضافة لأتفاقات إستثمارية، وفي مجالات متعددة تخص البلدين.
• الجانب العسكري؛ تطمح السعودية الى ترسانة عسكرية قوية ومتنوعة؛ فعمدت من خلال هذا التقارب والزيارة الى شراء صورايخ (s 400) وهي متطورة لدرجة لا يملكها إلا الجانب الروسي فقط! كما وأعلنت السعودية مؤخرا الى إستيراد قاذفات ومدافع اللهب لإستخدامها في المناطق الجبلية، والتي يعانون منها مع الجانب الحوثي في اليمن.
• السعودية تبحث عن داعم رئيسي ومؤثر، في وقف النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي هذا ترى بأنها مسكت الأفعى من رأسها، فتجد الأموال, والإستثمار, والاقتصاد, والتفاهم, والتحالف, قادر على تخلي “موسكو” عن حليفتها “طهران” خاصة في خضم تسارع وتصارع الإحداث، ودخول الجانب التركي والقطري على طاولة الحديث، كما وتبحث من جهة أُخرى الى خلق توازن في سياستها الخارجية، والتي باتت في الفترة الأخيرة معتمدة على الجانب الأميركي فقط! والذي بدوره يبتزها بين فترة وأخرى! بدعوى جرائم الحرب في اليمن وسوريا.
• السياسة التي كان يعتمدها العاهل السعودي (سلمان)، تؤمن بالأكتفاء بمبدأ القوة والتحالف الأميركي، فجعلها تفقد العديد من الرهانات التي لا تحل بالقوة، خصوصاً مع دخول قوى موازية لحلفائها تمثلت بالجانب الروسي، فوجدها ولي العهد (محمد بن سلمان )، الفرصة المناسبة خاصة بعدما عزل “عمه” ولي العهد السابق! ليحل محله بدخول المعترك السياسي بقوة فيجد ( بن سلمان) الأخير، بان إن سياسة التقريب بين المملكة وتلك الأطراف، هو الحل الأمثل لتحجيم دور إيران في المنطقة! وقد بدى ذلك واضحاً في تصريح له بقوله:(إن السبب الرئيسي في إزدياد حجم التدخل الإيراني في العراق مثلاً، هو بأننا كنا مخطئين! ولم نحتضن شعب وحكومة العراق على إنها دولة عربية)
وأخيراً نقول: مساعي “بوتين” بالمحصلة جاءت لإطفاء حرائق الحرب المفتعلة! على العكس من مساعي “ترامب” الداعي الى إفتعال وإشعال الحرب، وعلى كلتا الحالتين، سيكون المطلب السعودي الأول والأخير هو تحجيم وتقليص الدور الإيراني في المنطقة العربية! ولعل السياسة ستغيير هذا الواقع، وبما لا يمكن توقعه من الطرفين الرئيسين أو الطرف الثالث المتابع.
ما يمكن جزمه من خلال هذه الزيارة وتلخيصه، بأن البيضة الأولى التي قدمها السعوديين لترامب، جاءت ليقتلع الأسد من الرئاسة! ويعطي الضوء الأخضر والفسحة في حرب في اليمن والعراق وسوريا ولبنان! بفحوى تحجيم دور إيران، ثم جاء السعوديين بالبيضة الثانية لبوتين! وتخلت عن كل ما إشترطته على ترامب، مقابل تحجيم الدور الإيراني أيضا، فهل سيتخلى السعوديين عن مطلبهم مستقبلاً؟ وتكون وجهة “بن سلمان” نحو الجمهورية الإسلامية! بعد تفكيك أصل العداء (العربي الفارسي)، هذا ما لا يمكن التكهن به مطلقاً، ولعل الواقع القريب سيجيب عن تلك التساؤولات وما قبلها.