اللسان، قطعة اللحم هذه التي لايتجاوز وزنها بضع مئات من الغرامات، قال فيه كثيرون، وتكلم عنه الرائحون والغادون، وقطعا قالوا ماقالوه باستخدام ألسنتهم أيضا، فصار اللسان هو المقصود والغاية، وهو الأداة والوسيلة في آن واحد وآنية واحدة. وليت الذين قالوا فيه وعنه وبه، أولوه نصيبا كافيا من حقه، أو وضعوا له قدرا يليق بدوره في حياتنا، هذا قطعا إذا علمنا أن القول لا نفع فيه، ولا فائدة ترجى منه، ولا خير يُلتمس به إلا بالفعل، وإلا باتت وظيفة اللسان اللغو الفارغ واللغط الأجوف والثرثرة السمجة، وقد قيل في هذا:وزن الكلام إذا نطقت ولاتكن ثرثارة في كل نادٍ تخطبإذ نرى كثيرين بين ظهرانينا لايجيدون التفوه والنطق بألسنتهم، إلا برديء الكلام ورخيصه وبما لاجدوى منه. ومن المؤكد أن أول من يحاسب على قطعة اللحم هذه هم المتقولون الذين هم عن مصاديق القول ناؤون، ولاسيما المسؤولون منهم، والذين سيُسألون يوما عما نطق به لسانهم، وما يترتب عليهم من التزامات تجاه رعيتهم، إذ كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، وليت المسؤولين في بلدنا العراق يعون نتائج ما سيسألون عنه، بل ليتهم كانوا قد استمعوا الى أبيات تحثهم على تأدية ما بذمتهم من حقوق تجاه رعيتهم، كالأبيات الآتية:وإذا وليت أمر قوم ليلة فاعلم بأنك عنهم مسؤولوإذا حملت الى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول ما ذكرني باللسان وما يأتي به، هو كثرة استخداماته اللامجدية واللامنطقية، من قبل متبوئي مراكز القيادة والتحكم وصنع القرار وتنفيذه في بلدنا، وهم كما قيل: (عدد النجم والحصى والتراب). إذ نراهم كل حين يطلون على واجهات الأحداث بتتالٍ لايتوقف، وتوالٍ لايفترّ، وتعاقب لاينقطع، ولعلي أوفق إن شبهت تعدد وجوههم بمثلنا الدارج الذي يقول: (شكول شكول ورد الباجلا)..! وهم يملأون ساحات البلد وعلى وجه الخصوص السياسية بكل أبعادها، فمنهم منظور فيها، ومنهم غير منظور، ومنهم خلف الكواليس، ومنهم أمامها وليته كان مع من هم خلفها، إذ لايجيد من الأدوار غير التبجح بقباحة وصلافة بما ليس فيه من خصال، فيعكس إذاك صورة مشوهة -وهي فعلا كذلك- لمعيته.
ومنهم “فضائي” لايُرى بالعين المجردة، ولا بعين المجهر، إذ لايليق النظر اليه إلا بعين التحقير والتصغير. ومنهم ينطبق عليه المثل: (إذا حضر لايعد وإن غاب لايفتقد) ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وقطعا جميعهم مابدلوا تبديلا إلا للأردأ والأسوأ. وباعتماد مثلنا: (الرجال مخابر وليس مظاهر) يكون تبويب هؤلاء على أنماط وأصناف عديدة، فمنهم نزيه -وهذا ماندر- ومنهم غير ذلك، ومنهم فعّال -وهم قلة- ومنهم قوّال (باللام او بغير اللام!) وهم كثر، ومنهم المتمنطق والمتفلسف والمتحذلق، وجلهم -إن لم يكن كلهم- ممن يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه، وكذاك لاينطقون إلا أسوأه. وبين هذا وذاك، يتقلب العراقيون على صفيح ساخن من الحرمان وضنك العيش وترديات الأحوال، وإن استقر بهم القرار، فإنه يستقر تحت خط السلام والأمان، علاوة على نأيه عن خطوط الرفاهية والتقدم، كماهو حال باقي الأمم والبلدان. ومع قلة اولئك او كثرتهم، يبقون ملزمين بالامتثال الى القول السليم البعيد عن الثرثرة والخطل والعيب، ولكن، هل هم فاعلون هذا؟ مايؤسف له، أن اللسان أضحى أداة لمن هب ودب من المخلوقات البشرية التي أتت على بساط المحاصصة، تدفعها رياح الكتل والأحزاب لتهبط -والأحرى تجثم- على ثروات العراق في مؤسساته كمضخة ماصة شافطة لافطة. وبعلم ودون علم، يطوعون ألسنتهم للأقاويل، ويسخرونها كمطية لحمل أثقالهم -والأحرى أدرانهم- بمفردات تنأى عن الثقافة والكياسة، بل حتى الأدب والخلق الحسن، فتستحيل إذاك تصريحاتهم وخطبهم الى تنهيدات ثمل أضاع ثمالة كأسه، أو هلوسة مرعوب من أضغاث كوابيس، يلقون بظلالها الثقيلة على المواطن المسكين، والأخير لاحول له ولاقوة إلا بالصبر والتجمل، بأبوذية شاعرنا المرحوم سعد محمد الحسن البهادلي:إليّ بالمعالي كان ماكانوعلي هسه يتفلسف كان ماكانبطران ويسولف كان ماكانولك ياكان والكانون بيه