18 ديسمبر، 2024 5:05 م

قد يبدو أنه من الغريب فعلا أن يسمح الكثير من أفراد مجتمع تلعب فيه القيم القبلية والبدوية أدوارا مهمة لأعداد كبيرة من النساء بالعمل في مختلف الوظائف سواء أكانت في القطاع الحكومي او الخاص ، وكذلك أن يتم السماح للنساء بالذهاب إلى المدارس والجامعات وغيرها من الاماكن التي يرجح أن يتم فيها الاختلاط ووقوع بعض المحاذير والتي تضع أعراف هذا المجتمع وقيمه خطوطا حمراء عليها عادة ، أن غرابة هذا الامر ستزول وسيبدو كل شيء منطقيا عند معرفة أسباب ذلك ،
وقد ذكرني هذا الموضوع بحوار ما ، فقد سبق لي أن تناقشت مع بعض الاصدقاء حول نفس الموضوع فأبدا أحدهم تأييده لجلوس المرأة في المنزل فيما أيدت أنا عمل المرأة وأنتصرت لذلك الرأي في حينها ، وبعد مرور أعوام فوجئت بذلك الصديق وهو يسألني عن أحدى العاملات آملا الاقتران بها فأندهشت أيما أندهاش وتحسرت على الرجال الذين صاروا يجرون ويلهثون خلف المادة ولو كان ذلك تحت ستر الزواج وبهذا الشكل المقيت وكيف أن المرأة العاملة او الموظفة صارت هدفا لمن كانوا يدعون بألامس القريب رفضهم التام لعمل المرأة فيما سبق ويعتبرونه منافيا لرجولتهم ومبادئهم ! ،
وبأعتقادنا فإن تحول المجتمع نحو الحياة المادية وغرق الكثير من أفراده بالتفكير المادي وتحول المال الى هدف رئيسي يسعى وراءه الجميع ويتخذون من الحصول عليه وبشتى الطرق أقصى غاية لهم في الحياة هو أحد الاسباب الرئيسية التي جعلت من عمل المرأة أمرا مقبولا رغم تعارضه بألاساس مع القيم القبلية والبدوية السائدة في مجتمعنا ،
وبرأينا الشخصي فإنا نعتقد أساسا بأن المرأة مثلها مثل الرجل كائن بشري لكن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأن لها خصائصها الفسيولوجية والسيكولوجية المميزة عن خصائص الرجل ، وفضلا عن تلك الخصائص فأن لمجتمعنا الشرقي والمسلم خصوصيته المميزة عن باقي المجتمعات كذلك ولكن كل ذلك لم يكن عائقا أمام عمل المرأة وفي تخصصات معينة في الازمنة الماضية سواء أكانت المرأة العاملة في الريف ام في المدينة ، ولكن تأثر مجتمنا وعلى وبمرور الوقت بقيم البداوة والقبيلة هي التي ضيعت حقوق المرأة التي نادى بها ودعى لها الاسلام فيما سبق من أزمنة ودعت لها الحضارة فحرفت قضية مساواة المرأة مع الرجل مما جعل من شعارات المساواة والحرية بالنسبة للمرأة اليوم مجرد كلمات فضفاضة يتغنى بها البعض لتحقيق غاية ما ،
ورب قائل يقول أن تحرر المرأة هو مقياس لتحرر المجتمع وبناء على ذلك فلابد لنسائنا أن يتحررن من كل قيد أو عرف او تقليد فنرد عليه ونقول أي تحرر هذا الذي تريده وأي تحرر هذا الذي قد ينعم به مجتمع ما لم يتخلص مما يتحكم به من قيم وأعراف متأخرة عن ركب الحضارة ؟ ،
أن التحرر الحقيقي يبدأ بأعتقادنا من أعطاء الحقوق لكل أفراد المجتمع بدأ بتحقيق العدالة الاجتماعية وأعطاء الحقوق الأساسية والتي حرمت منها الكثير من الشرائح والفئات داخل المجتمع ومنها النساء ، فعندما لا تكون الوظيفة هدفا لكسب المال والامتيازات وأنما تصبح عملا متخصصا يحقق فيه الخريجون والخريجات ومن مختلف التخصصات العلمية مشاريعهم وينفذوا عن طريقه أفكارهم فيمكن عندئذ أن يكون لدينا مجتمع متحرر تسهم المرأة فيه بشكل بناء وعملي وعلى قدم المساواة مع الرجل من دون أية قيود ودون أن تكون هذه الوظيفة بمثابة البوابة لتحقيق أحلام وغايات أخرى حرمت منها لأسباب كثيرة ومتعددة وإنما أن تكون غايتها العمل والانجاز الفعلي هي هدفها الاسمى وطموحها الاعلى .