19 ديسمبر، 2024 10:53 م

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 / ح3

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 / ح3

بمناسبة مرور 51 عاما على عملية الهروب الكبيرة والشهيرة للسجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967

سننشر قصة ذلك الهروب على شكل حلقات يومية وبقلم الوالد الفقيد حسين سلطان صبي / أبو علي

الحلقة الثالثة

… وحينذاك استجاب أنور ثامر لهذا الطلب ونقلت الى سجن الحلة في بداية أو أواسط نيسان عام 1967 وقبل مغادرتي سجن نقرة السلمان بأيام كنا في قاعة مجموعة من الرفاق نتحدث في مواضيع شتى ومنها الهروب وقال أحد الرفاق : ( اننا سعينا في سجن الـحـلة قبل نقلنا الى حفر نفق من غرفة الصيدلية وهي تقع بين ممـرين ( قاووشين ) كبيرين في القلعة الجديدة وحفرنا بالعمق ما يقارب الـمـتر الا انـنـا اضطررنا في ظروف معينه الى غلقه ( بصبة من السمنت )) وأردف قائلاً موجهاً كلامه لي : ( سوف تلاحظها اذا وصلت سجن الحلة الـغـرفـة كلها كاشي أرضيتها وستجد مساحة من السمنت تلك هي الحفرة ) . هكذا قال أحد الرفاق في حديث عرضي ، الا اني كنت منتبهاً اليه بكل جوارحي وكانت عندي فكره سابقة ان سجن الحلة فيه امكانية جيدة للهروب حيث تحيط سور السجن بيوت أهليه لا تبعد عن غرف السجن الا بضعة أمتار ومثل هذه الامكانية مغرية لمن يفكر بحفر نفق للهروب . وعند وصوليٍ الى سجن الحلة طلب الرفاق أعضاء لجنة السجن أن أخفي وجهي عن السجانين أثناء التعداد ، أنام وأغطي وجهي ولا أذهب الى الدائرة ولا أقترب من السجانة اذا كانوا داخل السجن ، كل ذلـك مـن أجـل أن لا يـتـعـرفوا على ملامح وجهي بصوره جيدة لوجــــود امكانية لهروب رفيق واحد مع المواجهين ، وعملت بهذه الوصية . ويوم وصولي الى سجن الحلة كتبت رسالة الى قيادة الحزب ، طلبت فيها أن يأتيني شخص ثقة لأن لدي مشروع ( . . . ) وهذا المشروع يتطلب مساعدتكم . وقلت من الأفضل أن يكلف للإشراف على هذا المشروع آرا خاجادور حيث كنت فاهما عنه انه يميل لمثل هذه الأعمال ولكن أحيانا يكون الفرق كبيرا بين الأقوال والأفعال. وبعد اسبوعين كتبت رسالة ثانية ، تأكيدا على الأولى ، وانتظرت الى أواسط آيار 1967 ولم يأت أي جواب ولذا قررت أن نأخذ القضية على عاتـــــــقـنـا ونعتمد على أنفسنا. وأنا أفكر من أفاتح من الرفاق بهذا المشروع الخطير حيث اني لم أعرف أحداً من أعضاء اللجنة معرفة سابقة . ومعرفة شهر أو شهر ونصف لا تكفي. وقبل أن أفاتح أحداً من رفـــــاق اللجنة بالموضوع ، وصلنا حافظ رسن منقولا من سجن نقرة السلمان وكانت لي معرفة جيدة بحافظ عندما كان في الخارج وحين وصوله انضم الى لجنة السجن بحكم مكانته الحزبية . وكان قوام لجنة السجن في ذلك الوقت ، الرفاق التالية أسمائهم :

1) المحامي الرفيق نصيف جاسم الحجاج ، كان مسؤول اللجنة قبل وصولي .

2) الرفيق كمال شاكر

3) الرفيق محمد ملا عبد الكريم

وهؤلاء الثلاثة كانوا على وشك انتهاء محكومياتهم .

4) حسين ياسين

5) رفيق لا أعرف اسمه كنا نلقبه ( أبو الدناديش ) لكثرة صلاته الفردية .

6) الرفيق حافظ رسن

7) كاتب هذه السطور

وتم اختيار الرفيق حافظ رسن لتلك المهمة استناداً الى المعرفة السابقة وقبل أن أدخل في صلب الموضوع ، لابد من الاشارة الى الخطة التي كانت تراودني والتي راسلت الحزب من أجلها وهذا ملخصها :

ايـجـار بـيـت مـن البيوت الملاصقة لسور السجن. وبعد ضبط المقاييس يبدأ حفر النفق من ذلك البيت باتجاه أحدى غرف السجن وعند إكمال العمل تقام حفلة عرس وهمية في ذلك البيت مساء اليوم المقرر للهروب وآخر سيارة تنقل أصحاب البيت وكل من له علاقة بالأمر. وبذلك نجعل جميع ادارة السجن وأفراده تتحول من سجانين الى سجناء يندبون حظهم العاثر. ولكن هذه الخطة لم يكتب لها شيء من التطبيق أو النجاح وذلك بسبب ــ على ما أظن ــ ان قيادة الحزب كانت مشغولة بجماعة عزيز الحاج واشتداد الصراع بين مؤيد ومعارض وجميع الأمور الأخرى كانت تعتبر ثانوية. وهناك من اعتاد أن يكون بعيداً عن ساحة المعركة الفكرية ــ بعيداً عن الوطن ــ ينتظر النتائج وله الحـاصل وهذا ما تكرر في أكثر من مرة (*).

وفي أواسط آيار 1967بدأت بالعمل بالاعتماد على النفس والامكانات المتوفرة بعد التأكد من وضع الصيدلية كما ذكر الرفيق في حديثه في سجن نقرة السلمان . اختليت بالرفيق حافظ رسن ، وفاتحته بالأمر عن امكانية فتح نفق لتحرير أنفسنا ، وأعطيته تصوري عن تلك الامكانيات المتوفرة فأيدني بحماس وقوة وبقينا عدة أيام نتدارس الموضوع من كل جوانبه نظرياً وعملياً وأخيراً بدأنا بدراسة التفاصيل من حيث تحديد المكان وضبط المقاييس وتشخيص العاملين والأدوات التي تستخدم وعن الضبط وسرية العمل وتطرقنا بصورة عابرة الى تصريف التراب المستخرج من النفق . وبالتالي حددنا مكانا جديدا لنقل الصيدلية اليه وافراغ مكانها القديم لنبدأ العمل به وبررنا ذلك أمام اللجنة ان لنا شغلة خاصة بتلك الغرفة ، لإخفاء بعض الوثائق الخاصة .

ولإعطاء القارئ فكره عن تلك الغرفة ، حيث كانت في يوم ما هذه الغرفة غرفة عمليات جراحية عندما كان هذا القسم مستشفى تابع للسجن وتلاصق هذه الغرفة قاعتين كبيرتين أحدهما تمتد نحو الجنوب والثانية نحو الشمال ، وكل من القاعتين لها باب تؤدي الى هذه الغرفة ولكن بعد أن تحولت المستشفى الى قلعة سجنية أغلقت تلك الأبواب المؤدية الى غرفة العمليات وأقفلت بمسامير حديدية كبيرة بحيث لا يمكن فتحها الا بجهود كبيرة . ويمتد غرب هذه الغرفة ممر عريض على كل جانب منه ثلاثة أو أربعة غرف وينتهي في وسط ساحة القلعة ويقع شرق هذه الغرفة سور السجن الأول ويليه السور الثاني وبعده يأتي كراج كبير لسيارات الحمل . ومساحة تلك الغرفة لا تزيد على ( 20 ) متراً مربعاً وكانت الاجتماعات واللقاءات بيني وبين حافظ رسن تكاد أن تكون متواصلة حتى جلبت انتباه البعض وخاصة من أعضاء اللجنة وكنت أشير أحيانا أمام أعضاء اللجنة من ان علاقتي بحافظ رسن قديمة وجرت خلالها أحداث كثيرة والغاية تغطية تلك اللقاءات الكثيرة . وعندما احتجنا صرفيات لشراء بعض اللوازم وكان مسؤول المــــــــالية الرفيق نصيف جاسم الحجاج لا يصرف أي مبلغ الا بعد ابلاغه بصرفه مع تبيان وجه الصرف ولما كان وجه الصرف لا يمكن كشفه ، أبلـــــغت الرفيق نصيف أن يصرف أي مبلغ يطلبه حافظ رسن ، وذلك لأغراض كلفنا بها الحزب ولها علاقه بمنظمة الحلة . على أن يخبرني أولاً بأول عن المبلغ المدفوع وعندما يقدم المالية الشهرية أمام اللجنة يشير الى المبلغ المصروف بأنه دفع الى الحزب . واخترنا للعمل في النفق رفيقين الى جانب حافظ رسن وهما : الرفيق مجيد الملقب (جدو ) وهو من كادحي الكاظمية ــ لا أعرف اسم أبيه ــ الا انه عمل في مقر اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي أثناء الجبهة وعمل في مقر منظمة بغداد أيضاً وأخيرا عمل في مطبعة الرواد. والثاني على الأكثر اسمه فاضل وهو ضابط عسكري متوسط القامة، أبيض اللون تعلو وجهه البشاشة دائما ان هؤلاء الثلاثة كانوا أبطالاً حقيقيين من حيث الجهادية ونكران الــــذات، كانوا يعملون ليل نهار بلا كلل ولا ملل يتقدون حماساً من أجل إنجاز المهمة المكلفين بها بكل شرف وأمانة .

(*) المعني هو عزيز محمد سكرتير اللجنة المركزية للحزب في ذلك الوقت. خ . ح

……………………….. يتبع

أحدث المقالات

أحدث المقالات