العجب كل العجب ان الايرانيين يمزقون صور سليماني ويدوسونها بأحذيتهم في طهران، والعراقيون الولائيون يريدون إقامة نصب لسليماني في العراق!!!
العملاء، الخونة، العيون، الجواسيس هي مفردات متقاربة المعنى والمضمون، وأصل جاسوس مشتق من الفعل جسَ الخبر بمعنى تفحصه ودققه، وفتش عن الأمور، وقد نهى الله تعالى عنه في سورة الحجرات/12 (( وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا)). وفسر ابن جرير قوله تعالى (ولا تجسسوا) بأنه يعني” لا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره”. وفسر القرطبي قوله تعالى في سورة التوبة/47((وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) بقوله” أي: عيون لهم، ينقلون إليهم الأخبار منكم”. وقال مجاهد” معناه وفيكم محبون لهم، يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس”. من هذا الطرح المبسط نجد ان القرآن الكريم نهى عن التجسس، بمعنى ان الجاسوس أو العميل ينتهك حرمة الدين بعمله هذا، ولا نريد التوسع في المفهوم الديني، فالقرآن الكريم فصل وأوفى المعنى حقه.
تمثل حالة العمالة في العراق وضعا خاصا وشاذا، لأنه من الصعب أن تجد لها في التأريخ نظيرا، حتى العلقمي على سفالته ربما ينحني تعجبا وإعجابا لعملاء العراق، في كل دول العالم وفي أي مكان وزمان يتفاخر المواطن بحب وطنه وشعبه، ويبذل الغالي والنفيس من أجلهما، ويضحي من أجلهما بالمال والنفس والعيال، وهناك الالوف من الشواهد التأريخية ما تزال مخزونة في ذاكرة الناس على الرغم من إمتداداتها التأريخية البعيدة، لكن تأثيرها حاضر في ذاكرتنا رغم ان أشخاصها ماتوا منذ قرون بعيدة.
العميل في كل دول العالم يعمل بالسر ولا يكشف عن عمالته لأقرب الناس اليه بمن فيهم زوجته وابنائه ليس خوفا من كشف سره، بل لأنه يعلم انه سيجلب لهما الخزي والعار الأبدي، لأن العمالة والتجسس فضيحة ما بعدها فضيحة، ولا يمكن أن تنساها الأجيال، وربما خيانة ابو رغال والعلقمي تسعفنا في هذا المجال. لذلك يحاول العميل التستر على طبيعة عمله، ويفسر حصوله على المال والإمتيازات بتأويلات شتى تتماهى مع عقلية المقربين اليه، علاوة على التستر فأن الخوف سيلازم العميل لأنه لا يعرف متى سيتم كشفه من قبل دولته ويحاكم بتهمة الخيانة العظمى، فيكون مصيره الإعدام او السجن المؤبد بالنسبة للأنظمة التي لا تأخذ بعقوبة الأعدام. وغالبا ما يشتغل العميل ضد بلده من خلال تزويد الدولة التي جندته بالمعلومات العسكرية والأمنية والإقتصادية واحيانا الشؤون الثقافية والإجتماعية وفقا لمتطلبات الدولة المجندة وحاجتها من المعلومات.
وهناك أساليب مختلفة للتجنيد تعتمدها الأجهزة المخابراتية كأن تكون الحوافز المالية، والتجنيد عن طريق الجنس، او استغلال المرشح لعوامل دينية او قومية او مذهبية، علاوة على التجنيد الإبتزازي عن طريق افتعال حدث او واقعة تخص عائلته ويُستغل من خلالها بتجنيده او فضحه. واساليب التجنيد قد تكون قذرة، وهذا ما تقوم بها بعض اجهزة المخابرات الدولية ومنها العربية، ولولا الحرج من الإساءة للبعض لأدلينا بالكثير من الشواهد التي نعرفها عن بعض ممن تورط، ولكن ستر الفضائح ضرورة في بعض الأحيان.
المهم ان الجواسيس والخونة في العراق من نوع خاص جدا، كما سنوضح من خلال النقاط التالية.
1. العميل العراقي يجاهر بعمالته، ولا يجد حرجا من التحدث بها في وسائل الإعلام، فأياد علاوي مثلا اعترف بأنه كان عميلا للمخابرات البريطانية، وهذا ما يقال عن أحمد الجلبي وغيره. وهذه حالة نادرة في التأريخ، بل الأغرب منه اننا لا نعرف السبب الذي يقف وراء نشرٌ هؤلاء غسيلهم القذر على الملأ؟ ولا نفهم كيف يقبل الشعب العراقي بأعطائهم أصواتا ليتولوا مناصبا عليا كرئيس وزراء ورئيس كتلة في البرلمان، انها حالة غريبة في تأريخ الأمم.
2. يتفاخر العميل العراقي بعمالته للدول الأجنبية ولا يراها عيبا او مثلمة بحق نفسه وأهله وعشيرته وشعبه، وهذا ما تلاحظه في تصرحات واثق البطاطا وهادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم وفالح الفياض والمقبور ابو مهدي المهندس وجلال الصغير، والعديد من النواب مثل حسن الكعبي وفاضل جابر وأحمد الأسدي وريان الكلداني وآخرين، بل ان الوقاحة تصل الى حد غير معقول يزيد الملامة على الشعب العراقي عن كيفية قبوله بزعامة هؤلاء الخونة، فواثق البطاط زعيم حزب الله العراقي وجيش المختار عندما سئل في حالة حدوث حرب بين العراق وايران فالى أي جانب يقف؟ فأجاب على الفور مع ايران ضد العراق، وهو يعيش من خيرات العراق! وهادي العامري اعلن اكثر من مرة انه يستلم اوامره من المرشد الايراني الخامنئي، ورواتبه ومخصصاته المليونية من العراق! واستجاب هذا الوغد للخامنئي عندما طلب منه الإنضواء تحت قائمة نوري المالكي كبير عملاء ايران، حسبما صرح بنفسه.
3. لا يقصر عمل عملاء ايران في العراق على تقديم المعلومات العسكرية وغيرها، بل هم يحاربون شعبهم لصالح دولة معادية. لو رجعت الى سير حياة عدد من العملاء ستجد ان عمالتهم ليست فقط في تقديم المعلومات للدول التي جندتهم، بل هم يصطفون مع الجيوش الأجنبية لمحاربة الجيش العراقي، وهناك العديد من الأفلام التي تصور هادي العامري وعمار الحكيم وجلال الصغير وغيرهم، وهم يقاتلون الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية، فكم من شهداء العراق قتلهم هؤلاء الأوغاد؟ وكيف إنتخبهم الشعب العراقي مستهينا بأرواح شهدائه؟ انها حالة محيرة وليس لها مثيل في تأريخ الأمم.
4. العميل العراقي في الخارج لا يتجسس لصالح العراق بل لدولة أجنبية. من الحالات النادرة في تأريخ العمالة هي العمالة العابرة للدولة الواحدة، ولا نقصد بذلك الجاسوس المزدوج،، فبعض العملاء العراقيين يحملون جنسيات أوربية ويتجسسون لصالح ايران وليس العراق، وهناك العشرات من الجواسيس العراقيين يتجسسون على الجاليات الإيرانية وحركات المعارضة الايرانية في الخارج ومنها تحركات عناصر منظمة مجاهدي خلق لصالح المخابرات الايرانية، وقد القت القوات الأمنية السويدية على عراقي يحمل الجنسية السويدية يتجسس في السويد والدول الأوربية لصالح ايران. فقد حكمت محكمة سويدية بتأريخ 20/12/2019 على العراقي (رغدان الحريشاوي) بالسجن لمدة عامين بتهمة جمع معلومات عن اللاجئين الايرانيين سيما عرب الأهواز، ولم يقتصر عمله على السويد بل الدنمارك وبلجيكا وهولندا، وكان يصور مشاهد تجمعاتهم وتظاهراتهم ضد نظام الملالي. واشار بيان المحكمة السويدية أن الجاسوس الحريشاوي كان على تواصل مع المخابرات الايرانية لمدة اربع سنوات.
5. التأثير الايديولجي والعقائدي يقف وراء العمالة. كما ذكرنا ان من عوامل التجنيد الجنس والحوافز المادية والإبتزاز، ولكن في بعض الأحيان يكون العامل العنصري والطائفي وراء العمالة، ففي السويد تمت محاكمة احد المترجمين القانونيين في وزارة الهجرة لأنه كان يتجسس على اللاجئين الأكراد. ربما لدينا شواهد تأريخية في تأريخ العراق القريب، فالشيوعيون العراقيون كانوا يتجسسوا على بلدهم لصالح الإتحاد السوفيتي السابق بسبب التأثير الأيديلوجي، وفي برنامج عراقي (شهادة للتأريخ) اعترف أحد السياسيين العراقيين بأنه كان يقدم المعلومات العسكرية والأمنية والاقتصادية الى المخابرات المصرية في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، معتبرا ان الحالة طبيعية وليست مثلمة، وهو على قناعة تامة بها لأن مصر هي أم العروبة. وعملاء ايران من العراقيين يأخذون بالعامل الطائفي للتجسس على بلدهم، معتبرين ان النظام الايراني هو الممثل الحقيقي للإسلام، وان طاعة الخامنئي تعني طاعة الإمام الغائب، وطاعة الأخير من طاعة الله.
6. تنفيذ مشروع استيطاني خطير لا يتعلق بالعراق فقط، بل مشروع يمتد من ايران الى البحر المتوسط (الهلال الشيعي)، وعملاء ايران لا يجدون حرجا في المجاهرة بمشروع الخميني، على الرغم من بعض الجوانب الخفية في هذا المشروع الخطير، ويمكن الرجوع الى الخطط الخمسية لنظام الملالي والذي نشر في الكثير من المواقع. ما يسمى بمشروع الخميني يجاهر به الزعماء العراقيين من عمار الحكيم وهادي العامري وفالح الفياض والعديد من النواب الشيعة في البرلمان العراقي، دون ان يفصحوا عن حقيقة هذا المشروع وخفاياه.
7. الحرب بالنيابة. تبنى عملاء ايران في الحكومة والبرلمان العراقي الحرب بالنيابة وهذا ما أعلنوه صراحة في وسائل الاعلام المحلية، بأنهم سيحاربون الى جانب النظام الايراني ضد الولايات المتحدة، بل انهم فعلا قاموا بإعتداءت كثيرة على القواعد الامريكية في العراق، بل هاجموا منشئات ارامكوا السعودية انطلاقا من الأراضي العراقية نيابة عن نظام الملالي، ولهذا العمل جنبات اقتصادية خطيرة على العراق، ستتوضح في المستقبل القريب.
8. الوقاحة العجيبة. وهذا اي فرد يمكن أن يلمسه بعد الثورة العراقية الكبرى، فتحالف البناء الذي يضم أشد عملاء ايران وقاحة من الزعماء الشيعة والسنة ـ هادي العامري ونوري المالكي وخميس الخنجر وأحمد الجبوري (ابو مازن) وقيس الخزعلي وفالح الفياض ـ مصرون على تقديم مرشح من أول صفاته العمالة والولاء المطلق لأيران، فقدموا محمد شياع السوداني (حزب الدعوة)، فرفضه المتظاهرون، فألحقوة بقصي السهيل (حزب الدعوة)، فرفضه المتظاهرون، فقدموا (اسعد العيداني (تيار الحكمة) فرفضه المتظاهرون، وانتهوا بمحمد توفيق علاوي، انهم يتجاسرون على المتظاهرين بوقاحة من خلال طرحهم مرشحين عملاء لإيران على شكلتهم دون مرعاة لمطالب الثوار. انها وقاحة لا مثيل لها ان تستهين بشعبك ومطالبته بحقوقه المشروعة، سيما ان لهيب الثورة يستعر يوما بعد يوم، وبعون الله سيحرق العملاء عن بكرة أبيهم.
اقرأوا هذه الوقاحة والصلافة في الوقت الذي يغلي فيه الشارع العراقي، التي نهق بهاالمسعور (محمد البلداوي) النائب عن تحالف الفتح (الايراني الولاء) بتأريخ 19/1/2020 بقوله إن ” القوى السياسية الشيعية توصلت الى تفاهمات للاتفاق على مرشح ايران لرئاسة الوزراء، وأن القوى الشيعية ستقدم تلك الشخصية خلال الأسبوع الحالي”. وذكر منصور البعيجي النائب عن دولة القانون في 22/2/2020 ” نحن في دولة القانون ندعم المرشح علي شكري لتولي منصب رئيس الوزراء لأنه مقبول ايرانيا”.
9. عملاء العراق وهم في سدة الحكم يتبعون دولة أجنبية ويمثلون مصالحها، فهم أحرقوا حقول الرز والحنطة وسمموا مئات الأطنان من الأسماك وفتكوا بمئات الآلاف من الدجاج، ومنعوا الزراعة والصناعة وإعادة أعمار المصانع ليكون العراق مستوردا من ايران، وفككوا مصفى بيجي النفطي ومحطة بيجيي لتوليد الكهرباء وارسلوها الى ايران، ومنعوا إنتاج العراق الغاز ليستورده من ايران.
10. أكبر الكتل الحزبية الحاكمة في العراق هي عميلة ايران، مما جعل مجلس النواب العراقي تابعا لنظام الملالي، فعندما قتل الجنرال سليماني إجتمع مجلس النواب العراقي ورفعوا صور الجنرال المقبور وهتفوا لأيران وهذا ما لم يفعله البرلمان الأيراني نفسه.
ألم نقل لكم ان العمالة في العراق لها طابع خاص لا يوجد له مثيل في العالم. العميل لدولة أجنبية مجرم لا خلق يردعه، ولا دين للصواب يرجعه، ولا عقل رشيد يتبعه، ولا صوت ضمير يسمعه. انه يذكرني بسؤال قيل لأعرابيّ: أتريد أن تصلب في مصلحة الأمّة؟ فقال: لا! ولكني أحبّ أن تصلب الأمّة في مصلحتي”. (الإمتاع والمؤانسة)، هكذا هو العميل العراقي، فما أحقره! فعلا عملاء ولاية الفقيه كالخفافيش لا تبصر النور ابدا.
كلمة اخيرة
صحيح ان لأمريكا عدة قواعد في العراق، على الرغم من نفي رئيس الوزراء المخلوع عادل عبد المهدي، لكن لإيران ايضا قواعد في العراق واكبر قاعدة ايرانية في العراق هي في جرف الأسد، واخرى في صلاح الدين، واخرى في سامراء، وفي صحراء الأنبار وفي ديالى، بل ان جميع معسكرات الميليشيات الولائية هي قواعد ايرانية.