في الجزء الأول من هذا المقال كنت قد تحدثت حول إعلان كتلة متّحدون باتفاقهم مع كتلتي المواطن والأحرار بتشكيل الحكومة القادمة من خلال تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان , وبالنظر لكثرة الردود الصاخبة والاتهامات غير الموضوعية , أرى من الضرورة الإجابة على جميع هذه الردود بمقال يوّضح الحقائق ويزيل اللبس عن بعض الردود التي وردت , ويمكن القول أنّ أغلب هذه الردود قد توّزعت على ثلاثة محاور رئيسية :
المحور الأول / هنالك من الردود من يرى أصحابها أنّ هذا المقال هو دعاية انتخابية مكشوفة ودعوة مدفوعة الثمن لانتخاب نوري المالكي , وخروح عن الحيادية وانحياز لرئيس الوزراء في غير محله , والحقيقة أنّ هذه الاتهامات غير موضوعية ويراد منها صرف الانظار عن المخاطر المحتملة في حالة نجاح المتحالفين في تشكيل الحكومة القادمة , فالمقال لا يشكل أي دعوة لأي طرف من الأطراف السياسية المتنافسة , بقدر ما هو تحليل سياسي مستقل ونظرة موضوعية غير متحيّزة لطبيعة اهداف وتطلعات القوى السياسية المشاركة في هذا التحالف .
المحور الثاني / يدور حول جدوى إعادة انتخاب نوري المالكي , وحكومته قد فشلت فشلا ذريعا في ملفات الأمن والخدمات وملف محاربة الفساد , وهذا الكلام صحيح جدا , وكاتب هذه السطور سبق له أن انتقد أداء حكومة المالكي أشدّ الانتقاد على هذا الفشل , لكن هل من العدل والانصاف أن يحمّل المالكي لوحده مسؤولية كل هذا الفشل ؟ ألم يثبت وبالأدلة الجرمية القاطعة أنّ أغلب الخروقات الأمنية والعمليات الإرهابية تقف ورائها جهات سياسية نافذة من داخل العملية السياسية ؟ أليس التعّثر في تقديم الخدمات يقف وراءه وزراء فاشلون وفاسدون هم من هذه الكتل المتحالفة ؟ لماذا يحمّلوا المالكي مسؤولية فشل وفساد وزرائهم ؟ وهل يمتلك المالكي سلطة إقالة وزير فاشل أو فاسد في ظل حكومات المحاصصة ؟ لماذا لا توّجه هذه الانتقادات للعملية السياسية نفسها القائمة على هذه المحاصصات ؟ أليست هذه المحاصصات هي السبب في كل هذا البلاء الحاصل ؟ ألم يدعو المالكي لحكومة الأغلبية السياسية من قبل الانتخابات الماضية ؟ هل المالكي وائتلافه هو المتمّسك بهذه المحاصصات ؟ ثم ما هو الثمن الذي سيدفعه الشعب العراقي من أجل منع المالكي من تشكيل الحكومة القادمة ؟ وهل تحالف عمار ومقتدى ومسعود وأسامة وعلاوي هو البديل المنتظر لنوري المالكي ؟ لماذا يتّهم من يرفض هذا التحالف المشؤوم بأنه يطّبل لإعادة انتخاب نوري المالكي ؟ .
المحور الثالث / يدور حول تعارض هذا المقال مع الدعوة للتغيير , والحقيقة أنّ كاتب هذه السطور لا يحسب نفسه بعيدا عن الداعين للتغيير , بل هو أول من نادى وطالب بهذا التغيير , ولكن أي تغيير ؟ التغيير الواقعي والممكن , وليست دعوات التغيير العاطفية واللاواقعية , فنحن نرى أنّ الخطوة الأولى الصحيحة لهذا التغيير تبدأ من خلال رفض مبدأ حكومات التوافق التي هي الوجه القبيح للمحاصصات الطائفية والقومية التي قامت عليها العملية السياسية الحالية , والدعوة لحكومة الأغلبية السياسية , فقيام مثل هذه الحكومة هو التغيير الحقيقي والخطوة الأولى نحو محاربة الفساد والوصول إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب , وبالنسبة لي ساقف وأدعم أي حكومة أغلبية سياسية قوية تعيد الانسجام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتضع حدا لحكومات التوافق والمحاصصات الفاسدة , سواء كانت هذه الحكومة برئاسة نوري المالكي أو أي شخص آخر غيره , شريطة أن لا تكون هذه الحكومة على حساب السيادة أو التفريط بثروة الشعب العراقي أو إعادة البعث للسلطة من جديد .