عمار الحكيم هو ذلك الشاب الذي بزغ نجمه في عالم السياسة، وإتجهت اليه الأنظار، لحكمته ونباهته، ورؤيته الثاقبة للإمور قبل وقوعها، ليس تنبأً او تكهناً منه في السياسة، وإنما لحنّكته ودرايته بما يدور حوله في أفقها، ولم تأتي تلك الميزات غفلةً، وإنما عن خبرته السياسية التي استمدها من آبائه، والتي يمتد عمرها الى المائة عام.
فالجهاد سمة اتسم بها جده “المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية، السيد محسن الحكيم رضوان الله عليه”، عندما ترأس مجموعة من المجاهدين في قضاء (الشِعَيبة) في محافظة البصرة، ليقودهم الى الجهاد في ثورة العشرين، اي قبل مائة عام، فورث منه الجهاد، وعمه الشهيد السيد (مهدي الحكيم)، هو صاحب مشروع (حزب الدعوة)، الذي سميَّ في بادئ الأمر (الحزب الفاطمي)، ولم يأسس لأجل السلطة وإنما كانت الغاية منه للوقوف بوجه الحركات الإلحادية واللادينية (الشيوعية)، الداعية لنكران الذات المقدسة والوجود الإلاهي، التي إنتشرت بقوة في اربعينات القرن الماضي، وهذا ما ذكره السيد (طالب الرفاعي) احد الثلاثة المؤسسين لحزب الدعوة في كتابه (الامالي)، وتحدث بها على القنوات الفضائية في اكثر من لقاء، ثم تلاه عمه السيد (محمد باقر الحكيم) ووالده السيد (عبد العزيز الحكيم)، ليرث منهم السياسة.
فالحكيم لم يكن من سياسيِّ الصدفة، او من الجديدين عهداً بالسياسة، فمشروعه كان إمتداد لمشروع عمه السيد (محمد باقر الحكيم) رضوان الله عليه، والذي أسس (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) في بداية ثمانينات القرن الماضي، بعدما ترك حزب الدعوة، عندما كان احد قادته الرئيسيّن والمؤسسيين.
الحكيم صاحب مشروع ولم يكن دخيلاً عليه، إلا أنه زهد فيه وآثره على نفسه فتركه لمن يدعي انه صاحب المشروع، المدعي الذي اعلن مراراً وتكراراً انه ترك السياسة، لجملة اسباب اعلنها المدعي، لكننا في الفترة القليلة الماضية شاهدنا حركة غير طبيعية، من قبل المدعين، شاهدناهم وسمعناهم يطالبون الحكيم بما ليس لهم، يطالبونه بإرث آبائه، مدعين بأنهم على إستعداد لحمل ذلك المشروع.
الحكيم فاجئ الجميع حيث وهبهم ما ليس لهم، وخرج في وضح النهار متخلياً عن ذلك الأرث الزاخر بالعطاء والتضحيات، ذلك الإرث الذي كُتِبَ بدماء آل الحكيم، تلك الدماء التي أُريقت على مذابح الحرية، حيث سالت من نحور آبائه وأجداده، ذلك التاريخ الذي كتبت عنوانه عوائل آل الحكيم، صغاراً وكبار نساءً ورجال شيوخاً وشباناً، على جدران السجون والمعتقلات التي يقبعون فيها لسنوات عديدة، سنين شبَّ فيها الصغار, وشاب فيها الشباب, ورحل فيها من جاء اجله في غياهبها، لا لأجل سلطة زائلة ولا لدراهم معدودة، فسلطة المرجعية الدينية وقوتها لا تضاهيها سلطة، والمال الذي كان بين أيديهم يكفيهم لأن يعيشوا مترفين، وإلا ما قيمة السلطة وهم يرحلون أفواجاً الى مناياهم، تحت وطأت الجلاد وزبانيته، وما نفع المال وهم يقبعون في غياهب السجون لسنوات طويلة، انقطع فيها الأمل الإ من الله، لرؤية شروق الشمس ليوم جديد، وغياب القمر لليلة منقضية، فلا ثمن يعادل ما ذكرنا، كل هذا كان من اجل حرية شعب، كل هذا ثمن قول كلمة حق عند سلطاناً جائر، ومع هذا لم يُنْصَفوا ممن كانت التضحية لأجلهم، فلازلنا نسمع بعض الجهلة والمغرر بهم ولقطاء البعث، يشتمونهم على مرأى ومسمع من الجميع، مع هذا يقف الحكيم ليقول بكل ثقة، إنني أُبرء الذمه لكل من شتمني واتهمني باطلاً، فالناس تجهل ما نحن عليه، فليذهبوا فإنهم في حلٍ مني.
الحكيم الذي زهد في كل شيء، كيف لا يؤثر على نفسه اخوته ورفقاء درب آبائه بالمجلس الأعلى؟ هذا هو كما عرفناه، فالقريب منه يعرفه جيداً اكثر مما نعرفه نحن، ترك كل شيء وأخذ يبني داراً عمرها مائة عام، ولم يكره احداً على المضي معه في مشروعه الجديد، مشروع (تيار الحكمة الوطني)، حيث استمد الاسم من (مدرسة دار الحكمة) التي اسسها جده الراحل ( الامام محسن الحكيم)، واعلنها للملأ من اراد الركوب معنا فحل اهلاً ونزل سهلا، لأنني سوف اسير في مشروعي وبما اقدمت عليه، حتى وإن كنت وحيداً فلا أُبالي، فتلك الثقة بالنفس لن تأتي عن فراغ وإنما عن علم ودراية، تجسدت في شخصيته التي قلّ نظيرها.