لم يفكر الأمام علي عليه السلام، كيف يمثل شخصاً، وهو أمة بذاتها، ونهجاً وتياراً يخط مشروع الإنسانية؛ لسالفها وحاضرها ومستقبلها، ويعبر عن عمق المشروع الرسالي، في منهج الحياة والقيادة.
إعتمد شعار:”الله الله في نظم أموركم”؛ لتبني منهج واضح؛ لبناء دولة المساواة والعدالة، وفق التشريع قولاً وفعلا.
كرس الأمام علي عليه السلام حياته؛ لبناء منظومة إنسانية؛ تنتظم في كل المجالات، وبمختلف المستويات، ولا تسمح بالتجاوز على القانون؛بدءً من البيت الى الشارع ثم العمل، لتحقيق العدالة الإجتماعية، والمساواة في توزيع الحقوق والواجبات، وفق تشريع سماوي يتماشى مع طبيعة المتغيرات، بأسس ثابتة، وتنظيم الأمة، على أيجاد مشتركات بالأهداف، رغم إختلاف آليات الطرح، لإيجاد أقصر طرق الحلول.
دأب أمير المؤمنين عليه السلام، الى الأصلاحات والتغير نحو الأفضل؛ من خلق قاعدة مشتركة للتفكير، وتضيق دائرة تفاوت الأفكار؛ لتبويب حالة الإعتراض والرأي العام، الذي ينظم تبعثراً سمح للأمة أن تكون هدفاً سهلاً، يتغلغل خلاله المفسدون والأعداء، فصنع جدار متماسك يخرج من رحم معاناته صوت واحد، يعبر عن أمة صانعة لقرارها.
إعتاد أمير المؤمنين على التجوال متخفياً؛ لإيصال المعونة للأيتام، وسمح لسماع ممارسة حرية الرأي، ودعوة جمع الأمة للمشاركة في القرار، وبذلك وضع أسس الدولة العصرية، التي تنظم علاقة السلطة والمجتمع؛ بفصل واضح بين السلطات، وكان أول الممتثلين للقضاء والركون لقراراته، بصفة المواطن، لا بصفة المسؤول.
أن الدعوة لنظم أمور الأمة، إعلان صريح عن الدولة المدنية، وإصرار على تطبيق مضامين القانون الحاكم، والإنتظام يعني الموازنة بين الحقوق والواجبات، وصناعة مؤسسات تعمل بآليات تعبر عن الرآي العام، الذي صار بمثابة الهوية الحافظة للدولة، التي تمثل تصورات مواطنيها، وتحقق آمالهم، وتحفظ حقوق الأقليات والمحرومين والأيتام.
تتحقق القيادة الناجحة؛ من عدالة إنسانية تنظلق من مفهوم المواطن، والوجود البشري، الذي ينظم أمرها بقوانين تساوي أفرادها.
سبق الإمام علي عليه السلام؛ كل المواثيق الدولية والقوانين الوضعية؛ بإنتهاجه نظم أمته، وفق سياقات تتلائم مع طبيعة العصر الذي يعيشه، وتتجاوز التراكمات السابقة، وتعطي حلول للمستقبل، إذا كان قائداً لم يفكر بسلطان، ومدنياً يؤوسس للدولة العصرية العادلة، التي تعطي المواطن حقه، وتفضل مصلحة الجماعة على الفرد، ولم يكن فيها سوى فرداً يعتبر نفسه جندياً في معسكر الأمة.