فاجعة الضربة الآثمة، التي سددها عبد الرحمن بن ملجم، الى هامة الامام علي.. عليه السلام، وهو راكع.. يئم المسلمين، أثناء صلاة الفجر، في مسجد الكوفة، ليلة 19 رمضان من العام 40 للهجرة، نال عنها الشهادة خالدا، في الدنيا والآخرة.
لذا فهو حدث يشدنا الى التفكير بالتهاني، تماما بالقوة نفسها التي نعزي بها أنفسنا والأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء؛ فبلاغة الدرس تتجدد على مر العهود، حين ينال المؤمن شرف شهادة يقتديها المجاهدون في سبيل الله، أنى كانوا.. مكانا وزمانا.. موت ذو حياة للآخرين، يعيدون قراءة الموعظة الحسنى، التي يحملها.
وتلك هي الشهادة، التي يصغي لها الله وملائكته؛ لأنها خدمت البشرية، فاصلة ما بعدها عما قبلها.. إذ إنهارت أركان الهدى بحق، بعد وفاة الامام علي؛ حين فرطت الدولة الأموية، بكل ما أنجزه الرسول محمد.. صلى الله عليه وآله، سافحة القيم المثلى ومحطمة دعائم دولة الإيمان التي أرساها الخلفاء الراشدون.. رضوان الله عنهم.
فهو.. عليه السلام، إمتداد تطبيقي لما نقله الأمين جبرائيل، مما خص به اللهُ رسولَه، في تعاليم قرآنية بينة، من خلال أداء فائق يلتزم النص المقدس يفسيره بوعي أعمق من الفهم المباشر للفرد البسيط.
لهذا أفادت أمم غير إسلامية، من شخصية علي وأبنائه المعصومين، متخذة من سير حياتهم مناهج عمل لبناء فكرها، الذي غالبا ما يسهم في إنشاء حضارات كبرى، فهل تجيد العقلية المسلمة الان، إعادة قراءة البلاغة المتجلية، في حكم ومواعظ وسلوك الامام علي، وهو يوصي ولده الحسن بعدم إهانة إبن ملجم ولا الإقتصاص منه، بلا نص ودستور، محددا: “إن عشت أرى رأيي فيه، وإن مت فضربة بضربة”.. يعني لم يخضع لغضب القتل ولم يغتاظ من قاتله، بل رعى الله فيه، وهو يعالج الموت غصة فغصة، طالبا العناية بالأسير، ريثما يحقق قضاء الله به.
وبهذا قدم درسا، ترجم فيه.. إجرائيا.. نص الآية القرآنية الكريمة: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب” إذ لم يستند الى إنفعاله الشخصي وألمه مشرفا على الموت، إنما إحتكم الى ما يقضي به كتاب الله.. وهو تحت وجع الضربة.
أليست تلك هي الأخلاق المثالية التي يتفوق بها المرء على آلامه الشخصية، ليقدم درسا عاما للإنسانية جمعاء.. من كان مسلما أو غير مسلم، في مراحل الوجود كافة.. ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
إفادتنا من الدرس، أبلغ من التعازي وأشد وقعا… بالحكمة الإلهية التي إستجاب لها الامام، مطوعا محدودية البشر، للتماهي مع تفوق الملائكة.. خالدا في الدنيا بإستشهاده محلقا في فضاءات الكينونة.. ملء المكان المطلق والزمان الأبدي.. ولد في أركان الكعبة، وإستشهد في المسجد.. سلام عليك أبا الحسنين،… شفيعا في الدنيا والاخرة.