23 ديسمبر، 2024 4:22 ص

ولعل ابرز كتلة متشيعة لعلي كانت من الأنصار بقيادة قيس بن سعد بن عبادة ، ولابد انها كانت عن ابيه ، وان تعثرت لأسباب نبينها لاحقا ان شاء الله في مرحلة ما ، الا انهم هاجروا الى العراق في مرحلة أخرى متشيعين ، واليوم لهم إمارة ( تضم مجموعة قبائل كبيرة تتفرع عنها عشائر ) في العراق هي ( إمارة الاوس ) ، ولها مرجعية دينية كبيرة في النجف الأشرف .
ويتضح من شدة حماستهم وكلماتهم وتعهداتهم على حفظ رسول الله ونشر دينه وان قُتِل أشرافهم وهلكت أموالهم ، بأجر الآخرة ، انهم كانوا على معرفة تامة بالنبوة ، وعلى ثقة عالية بمحمد بن عبد الله . وهذا ما استمر فيهم اخلاصاً ، اذ مر جمع المسلمين بعد احدى المعارك بامرأة من بني دينار أصيب ابوها وأخوها مع رسول الله ، قالت فما فعل رسول الله ؟ ، غير عابئة بما أصابها ، فلما علمت انه بخير قالت كل مصيبة بعدك جلل .
و ( قيس بن سعد بن عبادة ) صاحب رسول الله وابن صاحبه . روى عنه : عبد الله بن مالك الجيشاني ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عمار الهمداني ، وعروة ، والشعبي ، وميمون بن أبي شبيب ، وعريب بن حميد الهمداني ، والوليد بن عبدة وآخرون . وقد حدّث بالكوفة والشام ومصر . وقال الواقدي : كنيته أبو عبد الملك لم يزل مع علي ، فلما قتل علي ، رجع قيس إلى وطنه . كان صاحب لواء النبي في بعض مغازيه . وكان بمصر واليا عليها لعلي . كان رجلا ضخما ، جسيما ، صغير الرأس ، ليست له لحية ، إذا ركب حمارا ، خطت رجلاه الأرض . كان من النبي بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير . وكان صاحب لواء النبي . استعمله النبي على الصدقة . وعن الزهري : كانوا يعدون قيسا من دهاة العرب ، وكان من ذوي الرأي ، وقالوا : دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة : معاوية ، وعمرو ، وقيس ، والمغيرة ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي . وكان قيس وابن بديل مع علي وكان عمرو بن العاص مع معاوية ، وكان المغيرة معتزلا بالطائف حتى حكم الحكمان . كان قيس جواداً ، نحر وحده لجيش المسلمين يطعمه في احدى الغزوات ، حتى نهاه أبو عبيدة دون بيان السبب ، فأكل الجيش عندها ميتة حوت العنبر الذي القاه البحر بأمر ابي عبيدة ! . فلما قدم ، قص على أبيه ، وكيف منعوه آخر شيء من النحر ، فكتب له أربع حوائط أدنى حائط منها يجد خمسين وسقا . فقيل : إن النبي لما بلغه ، قال : أما إنه في بيت جود . وقد فعلها ابوه ( سعد بن عبادة ) من قبله وقد كان سيد الأنصار ، اذ كان ينحر ويمير جيوش رسول الله من ماله كما في ذي قرد . وكانت الراية يوم فتح مكة لسعد وقيس ابنه يوم فتح مكة ، حتى اثار عمر بن الخطاب الفتنة فأعطاها النبي لعلي بن ابي طالب . وقد حاول رواة السلطة لاحقاً على لسان ابي هُريرة جعلها ذاك الْيَوْمَ بيد الزبير وخالد بن الوليد وابي عبيدة . وكان من الأوائل الذين نهضوا مع الامام الحسن حين خذله الناس . كان سعد بن عبادة وابوه وجده وجد جده سادة في الجاهلية والإسلام ، يطعمون الطعام ، وكان فيهم السؤدد ، وكان يجير فيجار ، وكذلك كان ابنه قيس . وكان لسعد ستة أبناء كلهم نصروا رسول الله .

وكذلك ( أبو الهيثم بن التيهان بن مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء الأنصاري الأوسي ) وزعوراء أخو عبد الأشهل ويقال التيهان لقب واسمه مالك وهو مشهور بكنيته وقد وقع في مصنف عبد الرزاق أن اسمه عبد الله قال بن إسحاق فيمن شهد بدرا أبو الهيثم واسمه مالك وأخوه عتيك ابنا التيهان وقال في بيعة العقبة وكان نقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان وقال بن السكن ذكر بن إسحاق أن أبا الهيثم من بلي من بني عمرو بن الحاف بن قضاعة حالف بن عبد الأشهل وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن مظعون وشهد المشاهد كلها وكذا قال موسى بن عقبة عن بن شهاب فيمن شهد بدراً والعقبة وكان أول من بايع . وقد اثبتوا له الشهادة مع علي في صفين ، الا الواقدي الذي عرفنا منه البغض لعلي . وكان في اول ستة من الأنصار اسلموا . وبعض الروايات تذكر انه اول من صافح يد رسول مبايعاً له ليلة العقبة .

و ( جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري ) الذي مات في 78 ه. كان كثير العلم و الفضل، و هو من أهل بيعة الرضوان و أهل السوابق و السبق في الإسلام. و صاحب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) شهد بدرا و ثماني عشرة غزوة معه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و انقطعوا إلى أهل البيت الطاهر (عليهم السلام). و أدرك الإمام محمد الباقر (عليه السلام) و له عنهم، أحاديث و روايات شتّى . وكان أبوه ( عبد الله بن عمرو بن حرام ) من نقباء الأنصار الاثني عشر في بيعة العقبة . وجابر كان من إخلاصه في نصرة الإسلام وتضحيته بنفسه كان قد خلفه ابوه في اخوات له سبع في معركة احد ، فكان ان بادر الى رسول الله في غزوة حمراء الأسد بعد احد بيوم راجياً قبوله في المجاهدين، فاذن له رسول الله . وهو الذي روى ان الصحابة الاثبات كانوا يعرفون المنافقين من بغضهم لعلي بن ابي طالب . وقد كان اخر الصحابة بقاءً ، منقطعاً الى اهل البيت حتى مات ، اذ اقتضت اليات أهل المدينة العمرية المبتدعة التي تمنع من تصديق حديث الأئمة المعصومين الا اذا رووا عن صحابي بقاءه حجة لهم ، حتى انه كان يوجه الناس باتجاه الامام الباقر . وكان ينادي في المدينة ان علياً خير البشر ، ويدعو الأنصار الى تأديب أولادهم على حب علي ، وهو امر كان له دور مهم في حفظ ولاية علي بن ابي طالب في عدة أجيال بسبب عمر جابر الطويل .
ومن الأنصار (أبو أيوب الأنصاري ) خالد ابن يزيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة الأنصاري الخزرجي ، من كبار الصحابة، و من سادات الأنصار. شهد العقبة، و بدرا، و سائر المشاهد، و كان سيدا معظما، محدّثا ثقة جليلا. و هو صاحب منزل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، نزل عنده حين خرج مهاجرا من مكة، فلم يزل عنده حتّى بنى مسجده و مساكنه ثم انتقل إليها. رجع إلى عليّ (عليه السلام)و أنكر على أبي بكر، تقدمه على أمير المؤمنين (عليه السلام)، و شهد مشاهده كلّها. و كان على مقدمته يوم النهروان. و له شعر، و خطب، و مواعظ. مات في‌ القسطنطينة عام 50 ه. و قيل: 51 ه و قيل: 52 ه و دفن هناك. و لا عقب له. قال ابن الأثير: و في اليوم الذي منع فيه عثمان، جاء سعد القرظ، و هو المؤذن إلى عليّ بن أبي طالب، فقال: من يصلّي بالناس؟ فقال: ادع خالد ابن زيد، فدعاه فصلّى بالناس، فهو أول يوم عرف أنّ اسم أبي أيوب الأنصاري، خالد بن زيد .
ومنهم كذلك ( خزيمة – ذو الشهادتين – ابن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان بن عامر بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس ) قتل في صفين عام 37 ه. محدّث شاعر، من كبار الصحابة شهد المشاهد. و جعل النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) شهادته شهادة رجلين. روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنت بصفين فرأيت رجلا أبيض اللحية، معتما متلثما ما يرى منه إلا أطراف لحيته، يقاتل أشدّ قتال، فقلت: يا شيخ تقاتل المسلمين؟ فحسر لثامه، و قال: أنا خزيمة سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يقول: «قاتل مع عليّ جميع من يقاتل». و حين قتل رثته ابنته ضبيعة، و كانت شاعرة من شواعر العرب بقولها:
عين جودي على خزيمة بالدّ* * * مع قتيل الأحزاب يوم الفرات‌
قتلوا ذا الشهادتين عتوّا* * * أدرك اللّه منهم بالترات‌
قتلوه في فتية غير عزل* * * يسرعون الركوب للدعوات‌
نصروا السيد الموفّق ذا العد* * * ل و دانوا بذاك حتّى الممات‌
لعن اللّه معشرا قتلوه* * * و رماهم بالخزي و الآفات‌

وكذلك ( رافع بن خديج بن رافع بن عديّ بن زيد بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري ) المتوفى 74 ه. الصحابي الراوي. أصابه سهم يوم أحد، فبقي النّصل في جسمه إلى أن مات سنة 74 ه. و شهد صفين أيضا، و أكثر المشاهد. روى عنه خلق كثير. كان عرّيف قومه، و له عقب كانوا بالمدينة، و بغداد. و قد عرض نفسه يوم بدر فرده رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لصغر سنه، و أجازه يوم أحد. و كان يخضب بالصفرة و يحفي شاربه. و أمه حليمة بنت عروة بن مسعود .
ومنهم ( رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج ) الأنصاري مات 41 ه. كان أبوه رافع، من أصحاب العقبة. أما هو فشهد حرب صفّين، و مات في خلافة معاوية. دفع إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) راية همدان حين خروجه إلى صفّين. و كان من عرفاء الشيعة. و علمائهم و المعروفين منهم بالتمسك بولاية عليّ (عليه السلام)، و من الذين بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد قتل عثمان. و فضّلوه على المسلمين كلهم كافة . وابوه ( رافع بن مالك ) او المسلمين من الخزرج .
وهذا ( زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن ضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البياضي أبو عبد اللّه ) المتوفى سنة 41 ه صحابي، محدّث شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، و حين أسلم كسر أصنام بني بياضة، هو و فروة بن عمرو. و مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و هو عامله على حضرموت. ولي قتال أهل الردة باليمن، و كان له بلاء حسن في قتال أهل الردة، و يعتبر من فقهاء الصحابة. ثم التحق بأمير المؤمنين (عليه السلام)، و اشترك في وقعة الجمل . يصرح في شعر له يوم الجمل بان ( علي بن ابي طالب ) هو ( الوصي ) :
كيف ترى الأنصار في يوم الكلب* * * إنا أناس لا نبالي من عطب‌
و لا نبالي في الوصيّ من غضب* * * و إنّما الأنصار جد لا لعب‌
هذا عليّ و ابن عبد المطلب* * * ننصره اليوم على من قد كذب‌
من يكسب البغي فبئس ما اكتسب
ومن الأنصار (أبو سعيد الخدري) ( سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة ) الأنصاري الخزرجي مات 61، 64، 65 ه. صحابي، و ابن صحابي، و من الحفاظ المكثرين، العلماء الفضلاء العقلاء. رجع بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و مات في المدينة و أعقب: عبد الرحمن. عبد اللّه. حمزة. روى عنه أبو هارون العبدي، و قال: كنت أرى رأي الخوارج حتّى جلست إلى أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: امر الناس بخمس فعملوا بأربع و تركوا واحدة، فقال له رجل، يا أبا سعيد ما هذه الأربعة؟ التي عملوا بها قال: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، فقلت: فما الواحدة التي تركوها، قال: ولاية علي بن أبي طالب .
ومن الأنصار الخلّص ( سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بخرج بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ) الأنصاري العربي المتوفى 38 ه. محدّث، سكن الكوفة، و شهد بدرا و ما بعدها، و استخلفه عليّ (عليه السلام) على المدينة، حين خرج إلى العراق، و ولاه فارس، و شهد معه صفّين، و مات عام 38، في الكوفة. روى عنه لفيف من التابعين. و له شعر في كتب التأريخ و الأدب. و صلّى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، و جاء أنّ سهلا و أخاه عثمان، كانا على شرطة الخميس، و كان أحد الاثنى عشر الذين أنكروا على أبي بكر. و لما مات جزع (عليه السلام) عليه جزعا شديدا و صلّى عليه، و كبّر سبع تكبيرات، و قال: لو كبّرت عليه سبعين لكان أهلا . وكان من غيرته ومروءته يأتي امرأة لا زوج لها بقباء فيعطيها ما تيسر له ، ثم يعدو على أوثان القوم فيكسرها ليلاً ويأتيها بها لتحتطب ، فآثر له علي ذلك حتى مات معه في صفين .

ومنهم ( النعمان بن العجلان بن النعمان بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي ) وكان شاعراً فصيحاً سيداً في قومه، أتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال‏:‏ كيف تجدك يا نعمان ? قال‏:‏ أجدني أوعك‏.‏ فقال‏:‏ اللهم شفاء عاجلاً إن كن عرض مرض، أو صبراً على بلية إن أطلت، أو خروجاً من الدنيا إلى رحمتك إن قضيت أجله‏.‏ وتزوج النعمان خولة بنت قيس، امرأة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بعد قتله‏.‏ واستعمله علي بن أبي طالب على البحرين .

ينقل ابن إسحاق:( وفرغ الناس لقتلاهم فحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخو بني النجار: أن رسول الله قال: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات؟». فقال رجل من الأنصار: أنا، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق. قال: فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات فأبلغ رسول الله سلامي وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك الأنصار عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ) .
ومن جهاد الأنصار العقائدي ما نقله في البداية والنهاية ( قال موسى بن عقبة بعد اقتصاصه وقعة أحد، وذكره رجوعه عليه السلام إلى المدينة: وقدم رجل من أهل مكة على رسول الله فسأله عن أبي سفيان وأصحابه فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ويقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكة القوم وحدهم، ثم تركتموهم ولم تبتروهم، فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم. فأمر رسول الله – وبهم أشد القرح -بطلب العدو ليسمعوا بذلك وقال: «لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال» فقال عبد الله بن أبي: أنا راكب معك. فقال: «لا». فاستجابوا لله ولرسوله على الذي بهم من البلاء فانطلقوا فقال الله في كتابه: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 172] . قال: وأذن رسول الله لجابر حين ذكر أن أباه أمره بالمقام في المدينة على أخواته. قال: وطلب رسول الله العدو حتى بلغ حمراء الأسد. وهكذا روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير سواء. وقال محمد بن إسحاق في (مغازيه): وكان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذن مؤذن رسول الله في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه ألا يخرجن أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، فكلمه جابر بن عبد الله فأذن له. قال ابن إسحاق: وإنما خرج رسول الله مرهبا للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. قال ابن إسحاق – رحمه الله -: فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من بني عبد الأشهل قال: شهدت أحدا أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله ؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله وكنت أيسر جرحا منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله حتى انتهى إلى حمراء الأسد – وهي من المدينة على ثمانية أميال – فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة ) .
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: وكان مما صنع الله لرسوله أن هذين الحيين من الأنصار الأوس والخزرج، كانا يتصاولان مع رسول الله تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئا فيه غناء عن رسول الله إلا وقالت الخزرج والله لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك . وطالما كانت رايات النبي في أيديهم ، كما كانت في يد سعد بن عبادة في فتح مكة وفِي غزوة وادي القرى ، وفِي يد ولده قيس في فتح مكة ايضاً .
وفِي يوم حنين حين فرّ الناس يقول الحافظ البيهقي: أنبا الحاكم، أنبا الأصم، أنبا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله: أن رسول الله قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى: «يا عباس ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة».فأجابوه: لبيك لبيك، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه عن عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله منهم مائة، فاستعرض الناس فاقتتلوا .
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام، ثنا معمر، عن الزهري، حدثني أنس بن مالك قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن، فطفق النبي يعطي رجالا المائة من الإبل. فقالوا: يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ قال أنس بن مالك: فحدث رسول الله بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة أدم، ولم يدع معهم غيرهم. فلما اجتمعوا قام النبي فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» قال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله : «فإني لأعطي رجالا حديثي عهد بالكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا: يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم النبي : «فستجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض». قال أنس: فلم يصبروا. تفرد به البخاري من هذا الوجه. ثم رواه البخاري ومسلم، من حديث ابن عوف، عن هشام بن زيد، عن جده أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا، فقال: «يا معشر الأنصار». قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك، لبيك نحن بين يديك. فنزل رسول الله فقال: «أنا عبد الله ورسوله» فانهزم المشركون، فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا، فقالوا فدعاهم فأدخلهم في قبته، فقال: «أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله ؟».قالوا: بلى. فقال رسول الله : «لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار». وفي رواية للبخاري من هذا الوجه: قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع رسول الله عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما. التفت عن يمينه فقال: «يا معشر الأنصار؟» قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. ثم التفت عن يساره فقال: «يا معشر الأنصار؟». فقالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: «أنا عبد الله ورسوله». فانهزم المشركون، وأصاب يومئذ مغانم كثيرة، فقسم بين المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا، فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: «يا معشر الأنصار ما حديث بلغني؟» فسكتوا. فقال: «يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم؟». قالوا: بلى. فقال: «لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار». قال هشام: قلت يا أبا حمزة وأنت شاهد ذلك؟ قال: وأين أغيب عنه. ثم رواه البخاري ومسلم أيضا، من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: جمع رسول الله الأنصار فقال: «إن قريش حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟». قالوا: بلى. قال: «لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار». وأخرجاه أيضا من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، عن أنس بنحوه، وفيه فقالوا: والله إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا لتقطر من دمائهم والغنائم تقسم فيهم. فخطبهم وذكر نحو ما تقدم. وقال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد، ثنا ثابت، عن أنس بن مالك، أن رسول الله أعطى أبا سفيان، وعيينة، والأقرع، وسهيل بن عمرو، في آخرين يوم حنين فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم، وهم يذهبون بالمغنم؟ فبلغ ذلك النبي ، فجمعهم في قبة له حتى فاضت فقال: «فيكم أحد من غيركم؟». قالوا: لا إلا ابن أختنا. قال: «ابن أخت القوم منهم». ثم قال: «أقلتم كذا وكذا؟». قالوا: نعم. قال: «أنتم الشعار والناس الدثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى دياركم؟». قالوا: بلى. قال: «الأنصار كرشي وعيبتي، لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعبهم، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» . وطالما باتت وجوه الأنصار وأشرافهم تحرس مقام رسول الله من غيلة قريش واليهود ، لا سيما بعد عودتهم من احد ، وعلى رأسهم سيدهم ( سعد بن عبادة ) . وهو الموقف الذي كشف فيه أبو سفيان وشيبة بن عثمان بن ابي طلحة العبدري فكرهما صراحة والشماتة بالمسلمين ، رغم اظهارهم الإسلام الكاذب يوم فتح مكة .
وحين سمع رسول الله نواح نساء الأنصار على عمه الحمزة قال ( رحم الله الأنصار فان المواساة كما علمت منهم لقديمة ) . وحين سمعت احدى نساء بني دينار من الأنصار إصابة زوجها وأخيها وأبيها مع رسول الله يوم احد لم تسال عن شانهم وإنما سالت عن رسول الله ، وعندما علمت انه بخير قالت ان كل مصيبة بعده جلل .
وقد اختارت الأنصار علياً اول الامر ، ثم انها لم تختر الشيخين ، حتى هجر سيد الأنصار سعد بن عبادة المدينة ورحل الى الشام على الا يبايع أحداً منهما ، فقتلوه غيلة ونسبوا قتله الى سهم من الجن ، ثم كان سيدهم قيس بن سعد بن عبادة حامل راية علي بن ابي طالب يوم صفين ، ثم كانوا سكنة العراق وشيعته ، وهذا هو الوادي الذي سلكوه ، وقد صبروا على الأثرة والقهر القرشي لهم ، حتى ثار حنظلة غسيل الملائكة على جذورهم وبطش وفسق بني أمية ، فاستباحهم البيت الأموي ثلاثة ايّام بما يعرف بوقعة الحرّة .
وقد ذم معاوية الأنصار ، فدعا النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري ، ولم يكن معه من الأنصار غيرهما ، فقال : يا هذان لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان .