كثيرة هي قصص الشهداء التي تدمي القلوب، ولكن قصة الشهيد القائد العم علي كامل الشبلاوي؛ اجزم أنها لم تحدث مسبقا، ومنذ أسبوع من شهادته وأنا في حيرة من أمري، كيف ساكتب عنه، من أين أبدأ، وأين سأنتهي..!
الشهيد الشيخ العقيد علي كامل عليوي؛ معاون آمر فوج السبطين في اللواء 59/عمليات بغداد، منذ انطلاق الفتوى المقدسة وهو يغامر بحياته في اصعب المناطق واخطرها، فضلا عن دوره العشائري الكبير في حل النزاعات بين مختلف عشائر الفرات الأوسط، وكل من يعرفه من أبناء الفرات يعي جيدا ما أتحدث عنه عن هيبة وشجاعة وفراسة هذا القائد الفذ ، وينقل لنا المجاهدين المرافقين له في ساحات القتال أنه اعتاد على ان يكون في مقدمة الركب عند اي مواجهة مع العدو او مداهمة وتفتيش لمكان ما، وفي كل عملية دائما مايرفض اصطحاب الشباب المعيلين الوحيدين لعوائلهم أو الشباب الذين هم في مقتبل العمر، اضافة لذلك كان جميع ضباط وجنود الفوج يشعرون بالأمان والاطمئنان حينما يكون قريبا منهم.
بدأت قصة استشهاده قبل يوم من الحادثة الأليمة، حيث جاءه تهديد بالقتل من منطقة الحلابسة في قاطع اللاين في محافظة الانبار، والتي كانت تحت سيطرة فوج السبطين، وبعد وصول التهديد أعد عدته ولكنه لم يبلغ المقربين منه بالتهديد لكي لايثبط معنوياتهم ،ولكنه ابلغهم بأخذ الحيطة والحذر ونظم صفوفهم، والغريب في الامر ان بعض المقربين منه في الفوج امرهم بالنزول الى محافظاتهم لاسباب خاصة تتعلق بحياتهم الشخصية ولكنه لم يبلغهم بالسبب حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل قبيل ساعات قليلة جدا من استشهاده، حيث اخبرهم هاتفيا، وهؤلاء يعرفهم جيدا انهم لن يتركوه وحيدا مهما بلغت ذروة المواجهة ولاعتبارات خاصة تتعلق بحياتهم امرهم بالنزول واستعد لقدره بكل بسالة.
وفي الصباح الباكر وبعد صلاة الفجر أقدم أربعة انتحاريين مرتدين أحزمة ناسفة ومعدين بكامل الاسلحة ولما اقتربوا من مقر الفوج هرب جميع من كان مع شهيدنا القائد ولاذوا في اعلى سطح المقر وبعضهم اختبأ في مكان قريب فشاهدوا ماجرى ورووه لنا بأدمعهم مع اعترافهم بالتقصير وخوفهم من الانتحاريين، فقالوا : عندما اقترب الانتحاريين الأربعة من غرفة الشهيد علي كامل لم يهرب معنا وأصر على مواجهتهم بمفرده، فحصلت مناورات بينهم حتى تمكن من قتل أحدهم فاصابه في حزامه الناسف فانفجر عليه فتقطعت اشلائه، ثم تمكن من اصابة الانتحاري الثاني في رأسه فاحتضن الاخير صاحبه الانتحاري الثالث ووقع عليه فانفجر حزام احدهم بطريقة غير واضحة فقتل الاثنان معا، هذا كله حصل بعد مواجهات طويلة في هذه اللحظات وكما يقول الجنود والضباط الذين كانوا يراقبون؛ انه كان ينادي طيلة المواجهات بندائين ( أشهد أن لا إله إلا الله، لبيك ياحسين)، حتى بقي أمام الشهيد القائد انتحاريا واحدا ولكن حدث مالم يتوقعه ؛ حيث نفذت ذخيرته وهو في وضع حرج والارهابي الانتحاري بدأ يقترب من غرفته وهو لايملك شيء من العدة لمقاومته، حتى أن وصل الانتحاري قريبا جدا من باب غرفته، فتخوف ان يداهمه داخل الغرفة لما شاهده من بسالة منقطعة النظير حينما واجههم لوحده وقتل أقرانه الثلاث، فبدأ الانتحاري باطلاق عبارات الاستفزاز فاتهمه بصوت عال بالجبن والخوف من المواجهة وهو في داخل غرفته، وهنا قالت الغيرة العراقية كلمتها، فخرج شهيدنا الغالي من غرفته كالأسد مناديا ” لبيك ياحسين ” وأسرع نحوه فاحتضنه فاسقطه على الارض، ولكن القدر والتاريخ كانت لهما الكلمة هنا، فوصلت يد الانتحاري الى حزامه الناسف ففجره حتى لم يبقى من جسمه العفن الا الرأس، اما الشهيد الكبير فتقطعت جميع اشلائه متأسيا بإمامه الحسين (عليه السلام)، وهنا لم تنته حكاية شهادته الخالدة؛ فما إن وصلت جنازته الى المغتسل في كربلاء، حتى جاء احد الجنود المرافقين له في اليوم السابق حاملا معه علما عراقيا وقال ان هذا العلم سلمنا اياه الشهيد يوم امس وطلب منا أن نضعه فوق نغشه بعد استشهاده..!
انظروا الى هذا الاقبال الكبير نحو الموت، هكذا هم من يحملون قضية، ضحى بنفسه من أجل حياة العشرات ممن هربوا ، مع علمنا اليقين بأن عملية اغتياله كان مدبرا لها من اقرب المقربين له في الفوج من ابناء منطقة الحلابسة، وهذا ماثبت فعليا بعد ان تشكلت لجنة تحقيقية بأمر القائد العام للقوات المسلحة، فتم الوصول الى الجناة والمخططين من ابناء المنطقة ممن كانوا جنودا معه في الفوج وتم اعتقالهم جميعا، وسيذوقوا العذاب والخزي والعار في الدنيا والاخرة، اما شهيدنا الكبير فقد رحل شهيدا صائما مرفوع الراس، تاركا لنا إرثا جهاديا خالدا، وسيبقى ذكره سرمديا في ذاكرة الآلاف من محبيه وعارفي فضله ومكانته.