الاسلام حرص على بناء منظومة اخلاقية وثقافية وقوانين وضعية تنظم العمل الاساسي للدولة والتي كان يسعى النبي الاكرم (ص) لبنائها ، مع استبعاد المنظومة الاخلاقية الجاهلية التي لا تنسجم والهدف الانساني للإسلام ، سيما وان كثيرا الذين اعلنوا اسلامهم لم يستوعبوا بعد اهداف الرسالة السماوية ، ولم ينصهروا كليا فيها ،اذ بقيت بعض رواسب الجاهلية في النفوس ، ولم يستطع كثير من هولاء ان يتخلصوا من مخلفات الجاهلية بصورة كلية ، وأولى بوادر محاولة الابتعاد عن المبادئ الاسلامية الاصيلة وزرع بذور الانحراف ظاهرة الكذب على النبي الاكرم (ص) ، ووضع الاحاديث ونسبتها اليه ، وعندما أحس النبي (ص) وشعر بهذه النوايا التخريبية ، جاء الامر الالهي بتنصيب أميناً للرسالة من بعده ، فكانت بيعة الغدير تأكيدا لهذا الموقف ولمنع الانحراف عن المبادئ الاسلامية الاصيلة ، وتأكيداً لهذا الاختيار ، ليحرص على الاسلام بمبادئه الاصيلة ، ويمنع الانحراف ، ويحافظ على وحدة المسلمين بعيدا عن العصبيات القبلية ، ويعامل الناس بالقسط والعدل لا يفرق بينهم على اساس العشيرة او القرابة بل الكل سواسية امامه في الحقوق والواجبات ، ولانه الاقرب لتجسيد المبادئ الاسلامية الاصيلة ، وهو الشخصية المتميزة التي لا تحمل شيئا من رواسب الجاهلية بعد النبي محمد(ص)حيث تربى في بيت النبوة،واشرف على تربيته الرسول الاعظم (ص) من طفولته بل من ولادته الى حين تبليغ الرسول الكريم (ص) بالرسالة السماوية .
أن بيعة الغدير كانت حجر الاساس لبناء الاسلام الاصيل ، ليسير في الاتجاه الصحيح الذي اراده الله تعالى والنبي الاعظم (ص) ، خصوصاً بعد ما احسّ النبي (ص) بالاتجاه الاخر الذي بدأت بوادره في حياته الكريمة ، الاتجاه الذي يريد توظيف الدين لأغراض شخصية ومطامح آنية ، ويقوم على اساس العصبية القبلية ، هذا الاتجاه الذي يريد ان يعيش اسلام الصورة والشكل والمنظر ، ولا يفهم الدين والإيمان على انه نور يشع في القلب ويرسم طريقا للوصول الى الله تعالى ، الاتجاه الاخر هذا الذي يقوم على التزوير والتحريف والكذب على نبي الرحمة وهادي الامة من الشرك والضلال وقتل النفس المحترمة وهو لا يزال على قيد الحياة ، فكيف سيكون الحال عندما ينتقل الى جوار ربه، لذا برزت الضرورة الموضوعية والاختيار الالهي لتثبيت علي وهو الاقرب الى مبادئ الاسلام الاصيلة بعد نبينا الكريم (ص) ، لتثبيته وصيا ووليا على دين الله وهي امانة كبيرة لا يقوى على حملها غير (علي) المؤهل واقعيا وموضوعيا والمسدد من الله تعالى، كي يسير الدين في المنحى السليم والمجرى الصحيح ، خاليا من الشوائب والانحرافات وبعيدا عن التخلف والجهل والخرافة التي البست لباس الدين المقدس خدمة للسلطان ،خصوصا ايام حكم الامويين والعباسيين واستمرت الحال الى حكم السلاطين العثمانيين ، ولا تزال الآثار باقية في كثير من البلدان الاسلامية في الوقت الحاضر ، ولو نفذت وصية الرسول الاعظم (ص) يوم الغدير ، لسار الاسلام في مساره الطبيعي الذي اراده النبي محمد (ص) ، ولتجنب المسلمون كثيرا من المآسي والمشاكل التي لا يزال المسلمون يعانون منها اليوم ، وبابتعاد الولاية عن علي سار الاسلام في اتجاهين ، خاصة بعد ان استلم الامويون السلطة بعد استشهاد الامام علي (ع) ، اذ ترسخ مبدأ الملوكية الوراثية المتلبسة بلباس الدين التي اسس لها الامويون والصورة الثانية أن هذه السلطة صورة عكست للإسلام غير صورته الحقيقية التي اراد الامام علي ترسيخ مبادئها ، ومنذ العصر الاموي حتى اليوم وللإسلام صورتان ، صورة الاسلام السلطاني الذي يدعو الى الخضوع والخنوع والاستسلام للحاكم الظالم وحرمة الثورة عليه ، مع الاهتمام بالرسوم والشكليات والمظاهر الدينية التي تخدم السلطة الظالمة ، هذا الاسلام البعيد عن جوهر الدين الذي وضع اسسه الامويون انتج الفكر المتطرف الذي يدعو الى الذبح والقتل والتحجر ، الاسلام الذي اسس له الامويين ، والذي اهمل اسلام العدالة ومحاربة الظلم والظالمين ، اسلام المقاصد الحقيقية والواقعية ، وكل هذه الصورة المشوهة للإسلام سببها الابتعاد عن منابع الاسلام الحقيقية ، وكل هذا الانتكاس والهبوط والتخلف والتطرف لما كان يحصل لو ان الامة الاسلامية التزمت بوصية نبيها الكريم المستندة الى التوجيه الآلهي لرعاية الدين ، بعيدا عن التشويش والتزويق والتخدير وبعيدا عن الانحراف ، ولاستلمنا اسلام الاصالة والمبادئ الانسانية السامية التي تستوعب الاخر المختلف ، ولا تدعو الى استئصاله ، بل تدعو الى العدل والمساواة والحرية والسلام .