في هذه الايام من رمضان المبارك نعيش ذكرى اليمة هي جرح واستشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي تعجز كل الكلمات عن الاقتراب من شخصيته التي تجسدت فيها كل قيم الانسانية .. ومنها حبه للفقراء والايتام وتزخر كتب السير بحكايات وقصص عن مواقف خالدة واقوال بلاغية نحتاج جميعا ان نعود اليها لتمثل معانيها السامية .. واكاد اجزم بان قناعة الملايين من العراقيين وبعد تجارب السنوات العجاف منذ الاحتلال الى اليوم ترسخت باتجاه رفض احزاب اسلاموية تاجرت بحب الامام علي عليه السلام .. وان بعض السياسيين وبكل صلف ووقاحة وبرغم رائحة فسادهم النتنة وسماعهم لهتافات المواطنين ضدهم ما زالوا يتظاهرون بالتقوى والدين !!
في هذا الموضوع لن اتحدث عن مأثر امير المؤمنين ابو الحسنين عليه السلام بل ونشعر ومن باب الولاء والوفاء للامام تسليط الاضواء على معاناة اليتامى والمساكين ومنهم طه الفتى الذي لم يتجاوز عمره الثانية عشرة عاما والذي غابت عن ملامح وجهه سمات السعادة وهو كغيره من ملايين الاطفال نسوا حنى ماذا تعني كلمة العيد !!.. وفي منبر ” الزمان ” ومن خلاله نحاول ان ننتصر بالكلمة وندافع عن ابسط حقوق المواطنين ونامل بهذا رضا الله ورسوله واهل بيته واصحابه الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين .
قصة موضوعنا تبدأ عندما اقتربت من طه وكانت الساعة تشير الى السادسة الا ربع فجرا .. فقد هزني بشدة منظر الفتى الصغير وهو في هذا الصباح الباكر يتوسط مجموعة شباب ورجل خمسيني معهم في سيارة الركاب ” الكيا ” المركونة امام دار حديث لم يكتمل بناؤه .. كان طه يحاول ،بوجهه الاسمر البريء المتشقق كما يبدو من اثر الشمس ، ان يخلع ( التيشرت ) البني النظيف وبنطاله ليلبس ملابس العمل . سألته برغم ان كل شيء يدلل على انه ضمن مجموعة عمال البناء ، ما الذي تفعله هنا في هذه الساعة فمثلك الان يغط غالبيتهم في النوم ؟و هل استلمت نتيجة الامتحانات من المدرسة ؟ وفي اي صف انت ؟ واسئلة اخرى حاولت ان لا احرجه فيها ؟
نظر الى الرجل الخمسيني وكان كما يبدو يطلب موافقته بالتحدث معي ثم قال بلهجته البسيطة ( حجي شعليك من هذه الاسئلة الماتكول خبز .. فنحن الايتام لاننام ولم اسجل في مدرسة ولا اعرف القراءة والكتابة .. ) حبست دموعي امامه فقد عرفت لاحقا ان والده استشهد باحداث طائفية وهو ما زال في بطن امه لم ير النور .. وهو من عائلة فقيرة في منطقة ” ابو غريب “اعتادت تشغيل ابنائها لتوفير لقمة العيش لهم !!.. في تلك اللحظة تمنيت لو ان في يدي حجارة الارض كلها لارجم بها السياسيين الفاسدين فهم ابو رغال عصرهم ممن اثروا وجمعوا مالهم الحرام على حساب الفقراء والايتام من العراقيين الصابرين .. هؤلاء السياسيون الفاسدون سرقوا حق الملايين بالعيش الكريم !
فاطفالنا غادر الفرح نفوسهم فمن الطبيعي جدا لمثلهم في هذه الايام ان يتجول مع عائلته بالاسواق لشراء ملابس العيد في حين انهم وياللوجع الانساني يبحث في اماكن طمر النفايات عن ما يسد رمقه ورمق اهله ومنهم من يتسول في الطرقات وتقاطع الشوارع سواء لحسابه او حساب مافيات متخصصة باستغلال الاطفال واخر يكدح في اعمال البناء وسواها .. بالمقابل فان عدد غير قليل من سياسيينا مع عوائلهم يسرحون ويمرحون ويعيشون عيشة السلاطين والامراء والملايين جياع فتبا لهم !وما احوجنا اليوم لنتمثل شجاعة الامام علي عليه السلام ونسترجع صوت ابو ذر الغفاري وهو يصرخ بوجه الظالمين بالاية الكريمة ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .. )