نستذكر كل عام في مثل هذه الايام مأساة وملحمة وقعت في القرن الاول من الهجرة الا وهي الاغتيال السياسي للامام علي بن ابي طالب عليه السلام .. وهذا الرجل جوهرة انسانية فريدة ما اختلف عليه حتى اعداؤه.. وهو جوهرة الاسلام ونبع الايمان ، وترجمان القرآن ، لقد امتلك الامام صفات جمة يصعب ان تجتمع في رجل واحد ، ووصل به الكمال الى ان يرتقي مصاف الانبياء .. وان كان هو سيد الاوصياء.
فمن الصعوبة بمكان ان يجمع المرء بين الدين والدنيا ، فمن انصرف عن الدنيا الى الاخرة نراه قد اتخذ من العبادة منهجا ابان الليل حتى مطلع الفجر .. حتى يتجنب الناس ويتوحد مع عبادته خالصه لله. ومن ينصرف الى امور دنياه نجده لاهياً بها يبني قصورا وينشيء حدائق ويكتنز الذهب والفضة ويبحث عن الجاه والزعامة ، وكلا هذين يفقدان شيئا مما وهبه الله لنا نحن البشر ، الا عليا عليه السلام ، فقد تمسك بالعروة الوثقى دون ان يفرط بدنياه ، وعمل على وفق النظرية التي وضعها للمسلمين وهي (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا.. واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) .. وهكذا وضع الاثنين “الدين والدنيا” في كفتي ميزان لم يكن يرغب ان تميل احدهما على الاخرى.
حسناً فعلت وزارة حقوق الانسان عندما اعادت طباعة كتاب الشهيد عزيز السيد جاسم (علي سلطة الحق) حيث تناول الرجل عدالة الامام علي عليه السلام بشكل مهني وموضوعي .. كذلك وضع منهجا لكتابة استطاع من خلاله عرض السيرة العطرة لحياة الامام ، والاشكالات التي رافقت تولي السلطة بعد وفاة النبي عليه افضل الصلاة والسلام ، فقد حاول الشهيد عزيز السيد جاسم تسليط الضوء على عدل على ابن ابي طالب (ع) فيرى ان عليا ومنذ ان ولد في البيت العتيق كان على موعد مع اشاعة الحق بين الناس .. ووجد ان قيمة اية نظرية واية فكرة عن العدل ، قائمة في التطبيق الاجتماعي لها.
فالعدل ذو دلالة اجتماعية من وجهة نظر الاصلاح الانساني ، لذلك فان الاطار النظري والمحتوى الاجتماعي لعدل الامام علي (ع) ممتزجان وموحدان لا افتراق بينهما ،مثلما يحصل في كثير من النظريات المماثلة التي وضعها المصلحون والمفكرون ورواد المنهج الاجتماعي .. وقد اعتمد الامام علي (ع) الجوهر الاقتصادي لسياسة العدل .
يقول عزيز السيد جاسم ان بيت مال المسلمين يعد مجمع الثروة الاجتماعية للدولة الاسلامية ، ومصدر تنظيمها وتوزيعها ، فهو ماثل في تكريس المال في خدمة المسلمين عموما . وهكذا اعتمد علي عليه السلام سياسة مالية اكدت على ضرورة اقتداء العمال والولاء بنظريته في العدل ، وقد حرص على اشاعة نهجه العادل في السياسة المالية .. كيف لا وقد كتب الى زياد بن ابيه احد عماله يقول .. “واني اقسم قسما صادقا لئن بلغني انك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيراً او كبيراً لا شدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر ، ضئيل الامر ، والسلام” .
بهذا الصرامة حافظ أمير المؤمنين على أموال المسلمين .
واذا اتينا على عدالة الامام علي عليه السلام من خلال البنية السياسية ومضمون الحكم ، ورغم قصر الفترة الزمنية لخلافتة فانه رصد الملامح الاساسية لمخططه السياسي الاسلامي الهادف الى تأسيس حكم العدل ، والذي كان محتاجاً بالضرورة التاريخية – حسب راي الكاتب – الى زمن طويل من السلم والبناء كيما تتبلور معالمه الرئيسة . وهكذا كانت رؤية علي بن ابي طالب (ع) قد اقامت العلاقة بين الراعي والرعية على اساس جدلي عميق متبادل الفعل والتأثير ، فالراعي هو اصلا جزء من النسيج الاجتماعي للناس ، وان كان بالنتيجة يبتعد عن ذلك الاصل .
وعندما نمر على عناوين مثل: صفات الوالي العادل ، والصلة الحية المباشرة بالجماهير ، وافة السلطة ، وبطانة الوالي ، والرؤية العادلة للسلطة على انها رعاية لا تسلط ، وكيف ان سفك الدم يؤدي الى زوال نعمة الوالي ، وكذلك كيف ان العدل المر يبدأ من النفس اولا ، وضرورة ان يمارس العدل مع الاقرباء حتى وان بدا ذلك قاسيا .
وان لا تهاون فالعدل يتطلب الشدة مع الولاة ومع القضاة ، لان “قضاء العدل” هو نتيجة طبيعية لعدل القضاة .. لقد احسن الشهيد عزيز السيد جاسم في اختيار موضوعه وكتابه ، وكان شجاعا الى درجة لم يأبه لنيل السلطة منه ، واراهم قباحة فعلهم في مرآة عدالة علي عليه السلام .. وهذا كان من الممنوعات والمحذورات.
سلام الله عليك يا امام المتقين يوم ولدت في الكعبة المشرفة ، ويوم تشرفت كونك اول الناس اسلاما ، ويوم كنت عوناً لرسول الله حين بلغ رسالته وحاميا له من جلاوزة قريش وجهالها .. ويوم اصبحت اماما وخليفة للمسلمين ، والسلام عليك يوم تلقيت ضرية الشقي بن الشقي عبد الشيطان بن ملجم ، ويوم استشهدت ، ويوم تبعث حيا.