18 ديسمبر، 2024 7:51 م

علي الفوّاز على خط الرواية ..

علي الفوّاز على خط الرواية ..

” مسرات سود ” وشبح الذاكرة !
فعلاّ ، وجدتُ في قول الروائي الفرنسي الذي احب ” أندريه سياي مورياك ” ، ما يصح على الرواية الاولى للناقد والشاعر “علي الفواز” حيث ذكر ” ليست الرواية مجرد مجموعة من الوقائع والصور، فالحياة الخفية لإحدى شخصياتها تتغذى من الروائي نفسه بقدر ما تتغذى من الواقع الذي نلحظ ” .. فبعد ان قرأت رواية الفوّاز ( مسرات سود ) وجدتُ انها تعتمد حكاية مسرات ومغامرات وتخيلات جمعت بين الواقع والخيال وبين رؤية الكاتب العاطفية وقد تكون الذاتية ، في محاولة لربط احداثها بشكل وثيق بالمتلقي الذي يفتش غالباً عن رواية تكللها مغامرات ناجحة ، وقد لمستُ انها تنمي بداخل القارئ الحس الجمالي بالذات الإنسانية، وهي لا تشرح أفكارا معينة ، وإنما تزرع بداخل هذا القارئ، حالات من الحماس والترقب وتقلب المشاعر والتفاعل مع احداث روائية ، مفعمة بلغة جميلة ، وسرد اجمل ، وعمق في العرض ، والسرد ..
نعم ، قد تبدو احداث الرواية انها تُخالف المعقول في معقوليته ، لكن الكاتب يخرجنا من هذه الرؤية ، ففي ما يشبه المقدمة يقول تحت عنوان ( اوهام ) عن بطل الرواية ( ماذا يعني ان يفقد مخزون ذكرياته مرة واحدة ؟ وهل كانت وجوه الذاكرة التي يعرفها حقيقة ام هي بعّض من الخداع ؟) ثم يختتم سطوره ( أحاول الآن ان اتذكر ، وان اكتب مسراتي التي أتوهمها ، لكي أشعر بأني بلا شبهات ، وأني لم اكن سياسيا ولا خائنا ، ولا حتى معطوبا مثل يدي الثالثة ) و( اليد الثالثة ) هي ثيمة العمل الرئيس في الرواية ، ورمز وتشبيه لشيء لا يجهله قارئ الرواية ، فلجميع الرجال يد ثالثة !!
من خلال سطور المؤلف ، نفهم ان الرواية تسعى الى زيادة قاعدة الفهم ، ونقلت اراء ونظرات البعض حول واقع مجتمع لم يكن لينظر اليه بنفس النظرة ، فالواقع معروف للجميع و لكن نسب تقبله و التكيف معه تختلف من شخص لآخر، والبعض عندما يجد في الخيال الحياة التي يريدها يزداد سخطاً على الواقع و هروباً منه .. ان الرواية تبدو للقارئ العادي ، غير مجسدة للواقع ، لاسيما للذي لم يعش ظروف المرحلة التي عايشها بطل الرواية ، غير انها تنتقل بنا الى ما هو أسمى ، وهو عالم نسج من الخيال المدعم برؤى ، صنو الحقيقة ، وهذا من صلب ابداع الكاتب ، الذي انتقل بنا من حال مجتمع الى حال عقل ومن سلوك الفتوة ونزعاتها ، الى الكبت غير المسيطر عليه!
ربما يلحظ البعض ان الرواية ، كأنها تستوي على ما يستوي عليه الواقع الغرائبي الخاص بالخيال ، وهي الوقائع التي تقع فيها صفة مالا يُصدق ، ومالا يقبله العقل أو صفة اللامعقول ، وهنا اقول أن المتخيل له صلة بالعقل والمعرفة ، فلا عقلاني وحده ولا متخيل وحده قادر دون الاخر أن ينتج معرفة او عمل ابداعي ، لان المعرفة تكتسب بالفهم، لكي تتجسد الحقيقة في الواقع . وأن السارد المتخيل نوعان أحدهما مرتبط بالمضمون و الاخر بالمتعة والجمال ، وقد نجح الفواز بالاثنين ، فالإبداع هو شرط الكتابة، وشرط الإبداع هو الخيال ، إذ لا يمكن كتابة أي نص إبداعي بمعزل عن الخيال الذي يتيح لنا الفرصة لترجمة المشاعر التي تعترينا، ويمنحنا حرية المعرفة والفكر والإبداع، ويجعل من كتابتنا فعل غير محايد..
وهنا لابد من القول ، ان الرواية العربية شهدت عدة تطورات مست شكلها ومضمونها، وتحررت من أنماط السرد التقليدي، و أصبح الروائي لا ينقل الواقع نقلا حرفيا خارجيا ، بحيث يكون نسخة مطابقة للواقع ، بل اعتمد على عنصر الخيال او التوهم ، الذي يُفتت ليحوله الى رموز يأثث بها عالمه الروائي .. فالتخيل مستودع للصور الخيالية يوظفها الروائي ليكسب اسلوبه جمالا فنيا ، ويجسد الرؤى والمشاعر المعنوية عموما.
في نهاية سطوري ، اؤكد ان من يقول عن رواية ( مسرات سود ) انها رواية ، ذاتية المضمون ، او انها سرد روائي متخيل يهدف الى الترفيه اللحظي ، فهو واهم ، لأنه بالتأكيد لم يقرأ ويتعمق في قراءته لها ولم ينظر إليها بنظرة جديدة ، ففي محيطها الكثير من العمق ، والمعنى الظاهر والغاطس بآن واحد ، وتلك هي ميزتها وتأثيرها … لكني اقول ، بصراحة ، ان نهايتها صدمتني لدرجة انني ظننت ان احدا اجبر كاتبها ، علي ترك القلم و الورقة فجأة وسط السردية الرائعة ، او ان الكاتب ، اراد لنا الاستزادة من الشوق الى “مسرات سود” اخرى فيها من اللذائذ والمغامرات المهمة الاخرى … ويد ثالثة غير معطوبة !
اصدقائي الروائيين احذركم من ( الروائي علي الفواز )