18 ديسمبر، 2024 7:57 م

عليانهم يخنقون البصرة أيها السادة!

عليانهم يخنقون البصرة أيها السادة!

يبدو ان مختلف القيادات التي تتحكم في القرار اتفقت على ضبط “تمرد” البصريين وإصرارهم العنيد، ليس للمطالبة بحقوقهم في الواقع، وإنما لإجبار الحكومة على القيام بواجباتها والإلتزام بمسؤولياتها الدستورية في تيسير حياة مواطنيها وتسييرها بالتي احسن وتذليل معاناتهم المعيشية من مأكل ومشرب وصحة وتعليم وما الى ذلك من المقومات الأساسية التي تعتبر من بديهيات واجب أية دولة.

المتابع لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وهي في مجملها عيون وآذان وألسن القيادات الحاكمة من مختلف الأطياف السياسية، يلاحظ تصاعد وتيرة الحديث عن المندسين والمتآمرين من أهل البصرة أو الغرباء الذين قدموا من خارجها لتنفيذ أجندات إقليمية لا تضمر للعراق الا كل شر. كل ذلك ليس الا محض كذب وافتراء وحجج معتادة تلجأ اليها الحكومات لقمع شعوبها، والعراق ليس الرائد الوحيد الذي يكذب أهله، جرى ذلك في كل بلدان الربيع العربي.

كذلك يرى المتابع تراجع التغطية الإعلامية للإحتجاحات الشعبية وابراز الفعاليات الإجتماعية التي تدعو الناس الى النأي بأنفسهم عن المظاهرات وإعلان ما يسمى تنسيقية التظاهر بتجميد الخروج الى الشارع للتظاهر وذلك لسحب البساط من تحت العناصر المخلة بالنظام وفضحهم، ثم التصريحات التي تقول ان الوضع آخذ في التحسن وان الماء الصالح للشرب وصل الى اغلب مناطق المحافظة وان هناك انخفاضا كبيرا في حالات التسمم كما صرح رئيس لجنة الطاقة في مجلس المحافظة يوم الثلاثاء الفائت ليبادر رئيس مفوضية حقوق الإنسان في اليوم التالي الى تكذيبه ويعلن ارتفاع حالات التسمم الى ستين الف حالة، كل ذلك نوع من الإلتفاف حول إرادة جماهير البصرة ومحاولة لإثبات التهمة على الشارع وتبرئة الدولة، وليس الحكومة فقط لأن الحكومة في النهاية ليست هي كل السلطة، وهو ما جرى في جلسة البرلمان المضحكة التي خصصت لمعالجة مشكلة البصرة، أقول مضحكة لأن البرلمان لا زال بلا سرج ولا رسن ولا عنان فكيف تشاركه في سباق الهجانه؟.

لقد استعرض رئيس الحكومة ووزراؤه وضع البصرة وأفاضوا في الحديث عن برامجهم وتقدم مراحل العمل فيها وجهود كوادرهم وخبرائهم بطريقة تنم عن ان البصريين ليسوا سوى مدعين حتى سارع محافظها الى التعليق باستغراب : “الحديث اللي سمعت اني اليوم كمحافظ، أقول البصرة ما بيها شي”.

الا ان الأخطر في الموضوع كله هو توسع حملات اعتقال النشطاء وما يسمونهم المندسين والمتآمرين والحديث عن الإعترافات الخطيرة ومن ثم تحويل البصرة الى ثكنة عسكرية من جيش وشرطة وقوات طوارئ وحشد شعبي وأخيرا ما يسمى قوات التعبئة التابعة للحشد الشعبي وقوات التعبئة الإحتياطية التابعة لقوات التعبئة في الحشد الشعبي، وأرجو ان لا يحدث التباس عند قراءة هذه العناوين لأنها فعلا كذلك كما سنرى في التصريحات الرسمية. المهم يبدو ان قوات التعبئة وقوات التعبئة الإحتياطية ليست الا النسخة العراقية، طبق الأصل، من قوات الباسيج الإيرانية سيئة الصيت، ذراع الحرس الثوري المتخصص في التعامل مع المظاهرات وقمعها.

قال القيادي في هيأة الحشد الشعبي ابو الاء الولائي، اليوم الجمعة: “قوات التعبئة تشكيلات مدنية شُكلت قبل ثلاث سنوات في جميع المحافظات العراقية، وليس في محافظة البصرة فقط وان قمع التظاهرات والناشطين ليس من اهداف قوات التعبئة”، وقال أيضاً: “كنا نسخرها في التظاهرات، والاعمال التطوعية والشعبية، وتنظيف الشوارع وتقديم الدعم اللوجستي لجبهات القتال، والزيارات والمناسبات الدينية والمؤتمرات”.

من جانب اخر قال الولائي: “الهدف من الاستعانة بهذه التشكيلات في محافظة البصرة هو تقديم الخدمات الانسانية والمساهمة في تلبية مطالب اهالي المحافظة”

ثم انه بعد ذلك تبرأ من بيان مكتب هيأة الحشد الشعبي في البصرة الخاص بتشكيل قوات “التعبئة الاحتياطية” جراء الاحداث الاخيرة في المحافظة، واستغلال مخربين ومدعومين من جهات خارجية لمطالب المتظاهرين، وقيامهم بتهديد امن الاهالي وحرق الممتلكات العامة ومحاولة المساس بالحشد الشعبي، قوامها عشرة الوية في مختلف مناطق البصرة كوجبة اولية، لمساندة الحشد والقوات الامنية في حفظ الامن والممتلكات العامة، وتقديم العون لاهالي مناطقهم”. شيء أشبه هذه المرة بقوات الصحوة ولكن ضد البصرة وليس ضد داعش.