23 ديسمبر، 2024 3:47 م

قال اخ ناصح : ايها القارىء لاتذهب بعيدا .. فانك في حضرة حكيم , هل ترغب سماعه ؟ وتذكّر كل ماكنت انت في طلبه , كنت ذلك الشيء !
تذكرت الشاعر الذي يخاطب الامام علي بقوله : خصك الله في مآثر شتى – هي مثل الاعداء للتتناهى ! .. وانا احاول ان استجمع افكاري لأستَّل ما أُريد قوله في مناسبة الجُرح – من سفر عظيم – من جواهر أثر الامام الخالد – مواعظه وخطبه , او مما قيل فيه وكتب عنه -ونحن نعيش آلام جُرحه وفجيعة استشهاده .. ولم استطيع الخروج – بسبب هيبته وعظمته -الاّ بهذه الاسطر الفقيرة .. التي إستللتها من بعض سفوح جبله الاشم .. حين لم يسعفني بصري رؤية قمة هذا الجبل العملاق .. وانا الذائب عشقا فيه .. فاستعنت على ذلك بمداراة عجزي بمقولته : ” لو أحبني جبل لتهافت ” .. ولهذا كانت هذه المقاربة لبعض نفائس نهج بلاغته , الذي عجز الزمان ان يبليها , بل اصبح الزمان والافكار المُستحدثة تزيدها ثمنا وبهاءا .. فكيف لا وهو السابق عصره .. وهو سيد البلغاء , الذي عُدَّ كلامه في الحد الوسط بين كلام المخلوقين وكلام الخالق .. هو ابو الحسن علي بن ابي طالب .. ربيب رسول الله الوحيد .. كانت ولادته في جوف بيت الله ( الكعبة المُشرّفة ) , في 13 رجب سنة 23 ق . هــ / 599 م .. ولقد رحل الى ربه شهيدا في بيت آخر من بيوت الله (عزوجل) , وهو يَؤُّم المسلمين في صلاة الفجر في مسجد الكوفة في الـ 21 رمضان سنة 40 هـ / 661 م !

دخل الامام الكوفة في سنة 36 هـ قادما من البصرة , بعد انتهاء معركة الجمل , وكانت مدة خلافته 4 سنوات واشهر { من 25 ذي الحجة سنة 35 هـ — والى 21 رمضان سنة 40 هـ } .. علي ع هذه القمة الشماء لم يسعَ العرب الى ارتقائها واستسهلوا الهبوط الى قعر اودية نتنة عند خُلُق الاراذل معاوية وعمر بن العاص وغيرهم .. لنتعرف في هذه السطور على بعض سفر هذا العملاق , ونحن نستذكرّه , وليكن في الميادين التي لها مساس في حياتنا في ظروفنا الصعبة جدا – الحالية في العراق – لاننا حكاما ومحكومين في امّس الحاجة للعقل الحكيم لكي نخرج من هذه المأساة باقل الخسائر .

@ ( علي السياسي – التقي ) :

ان التقوى عند الامام هي المحور لا السياسة .. والصلاة عنده الاهم لا الزعامة .. والخشوع عنده الاساسي لا الانتصار ,, وهو اذ يقاتل مناوئيه , فلكي يدينوا لله عزوجل , لا ليتأمّر عليهم , كما كان مناوئوه يفعلون .. وان من لايفهم تقوى الامام يحتار في تفسير الكثير من سلوكه ومواقفه .. حتى قالوا فيه : ان ابن ابي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب (القيادة ) .. وان كثير من الخُطَط والخطوات التي نصحه البعض فيها لاحراز الانتصار .. كانت تصطدم بايمان الامام , واخلاقياته , وتطبيقه لمنهج الاسلام وزهادته ونقاء روحه .. ان ناقديه نظروا الى مواقفه من خلال عين السياسي , وليس من خلال عين المؤمن العادل .. لان البوصلة في قلب السياسي , ربما تتجه نحو النجاح باي ثمن , وباقذر الوسائل ان تطلب الامر ذلك .. ولكن بوصلة المؤمن تتجه نحو الايمان , والالتزام بالقيّمْ !

@ ( علي – ذو الخُلق العالي ) :

كان خلقه القران , كما هو خُلق رسول الله (ص) .. وبلغ من عمق تأثير اخلاق الامام السامية على الناس , انه اشترى عبدا فعلمّه الاسلام واعتقه , ولكن العبد اختار البقاء في صحبة الامام .. حتى اذا مات النجاشي ملك الحبشة , واضطربت الامور بعده , اكتشف الملأ هناك , بان هذا العبد هو ابن للنجاشي , وقد خطفه تجار الرقيق , وهو غلام وباعوه في مكة .. وجاء هؤلاء الملأ من الحبشة , يعرضون عليه ملك الحبشة خلفا لابيه النجاشي , ولكنه رفض , وآثّرَ البقاء في صحبة علي !

@ ( علي – العابد العامل ) :

كان الامام ع , اعبد الناس , ولم تكن عنده العبادة خشية من نار او طمعا في جنة , وانما كانت من يعرف حق ربه ( الهي ما عبدتك اذ عبدتك خوفا من نارك اوطمعا في جنتك , بل وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك ) .. ولقد تعلم علي من رسول الله (ص) : ان السعي في طلب الرزق , كمن ينقطع للعبادة , وان العمل شرف , واتقانه واجب شرعي , وان الجهاد في سبيل الله عزوجل , والعمل لاعمار الارض , افضل ما يتقرب به العبد الصالح الى ربه .. ومما يروى في حرصه على عبادته .. انه وقف يصلي بين الصفين في ليلة الهرير في معركة صفين , والسهام بين يديه وفوق راسه .. وعندما قال له احدهم ألا تؤجلها ؟ قال : ويلك : وعلى مَ نقاتلهم ؟ ولقد كانت جبهته متقرنة – كثففنة البعير- لطول سجوده .

@ ختام اقول : صلوات ربي وسلامه عليك سيدي ابا الحسن واسالك ان تدعوا ربك ايها الوجيه عند الله لكي يفرّج عن اهل العراق هذه المحنة .. ولاباس بذكر هذه الابيات للشاعر صفي الدين الحلي ( ت في القرن الثامن الهجلري ) بحق الامام الشهيد :

جُمعتْ في صفاتك الاضداد … ولهذا عزّت لك الانداد ُ

زاهدُ حاكم ! حليمٌ شجاعٌ ! … فانك ناسك فقير جوادُ

شيَّمٌ ما جُمعنَّ في بشر قط … ولا حاز مثلهن العباد ُ

خُلُقٌ يُخجل النسيم من اللطف … وبأسٌ يذوب منه الجمادُ

جَلَّ معناك ان يحيطه الشعر ُ .. ويحصي صفاتك النقادُ