تحرص الولايات المتحدة على التكتم والسرية في نشاطاتها الاستراتيجية في منطقة المشرق العربي وسواه من نقاط العالم الساخنة. فقد عمدت معظم الادارات الامريكية الى تغطية تحالفاتها مع ايران بالهجوم عليها لفظاً ومواصلة دعمها عملياً. ولم تقصر ايران من جانبها في اداء دورها في ممارسة هذه التغطية، فتهاجم امريكا لفظاً وعملاً دون ان تمس اياً من مصالحها الحقيقية.
وقد فوجئ اغلب المتتبعين بجولة اعلامية جديدة بين الطرفين، فقد اعلنت امريكا انها وضعت ايران على قائمة البلدان التي تصدر الارهاب. لكن النظارة الذين يقيمون ليل نهار في ملعب كرة القدم السياسية هذه لم يفاجأوا بأي من هذه التطورات الاعلامية الجديدة التي يفترض بها ان تكون مفاجئة للجميع ولا فاجأهم رد الكرة من الفريق الايراني في هذه الرياضة البديعة، اذ اعلن ناطق بلسان طهران ان حكومته تحذر امريكا من اي مغامرة جديدة في المنطقة، وان اي عمل امريكي سوف يؤدي الى تعريض المصالح الامريكية في محيطها الاقليمي الى ضرباتنا المؤذية. وكأنما كان البيان نوعاً من النصح والخشية على هذه المصالح العزيزة على قلوب اللاعبين.
وقد افصح بالمقابل الناطق الامريكي ان ما قصدته حكومته هو التخوف من اعمال كاميكازية/ انتحارية تشنها ايران على القطعات العسكرية الرابضة في الخليج العربي والبحر المتوسط.. تأكيداً للاهمية العجيبة التي تمنحها امريكا للقوى الايرانية القادرة على الضرب في كل مكان عربي والعاجزة في آن عن ضرب اي من المصالح الامريكية الواقعة الى الجنوب والجنوب الشرقي من ايران.
فوراء هذا الستار الكثيف من الدخان الذين ينثره كل من امريكا وايران عن علاقاتهما الحقيقية حقائق لا تخفى على المتتبعين.. فكلاهما يخفي ما يناقض هذه التصريحات التي يذيعانها في الملأ.
ولعل السبب الحقيقي في تفجير الحملات الاعلانية الجديدة عن تصدير ايران الارهاب وانزعاج امريكا من هذه الاعمال الارهابية تسرب انباء خطيرة عن اشتراك الطرفين في تخطيط الارهاب الدولي وتنظيمه وفي استخدام امريكا نشاط ايران الارهابي بخاصة لزيادة الاضطراب في المنطقة العربية، وحث ما يسمى بالقوى المعتدلة والمترددة على اتباع السياسة الامريكية ومواصلة الضغط على منظمة البلدان المصدرة للنفط واستكمال مخططات الاذلال والخنوع..
فمهما كانت اغراض الحملات الاعلامية التي تشنها امريكا والقوى الغربية للتغطية على نشاطها الواسع في المنطقة العربية وترتيباتها الجديدة لاعادة تكوين حضورها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي بما يناسب العقدين القادمين، فان ما ينشر عن نشاط ايران الارهابي وتعاونها الوطيد مع المصالح الامريكية وما اضطرت بعض وسائل الاعلام الامريكية الى نشره عن هذا النشاط الايراني الارهابي ــ بالرغم من التعاون الاقتصادي والعسكري بين ايران وامريكا ــ انما يتجمع على امر واحد وهو اعتراف القوى الكبرى بوجود هذا الارهاب وبتدخل ايران في شؤون الآخرين خلافاً لجميع القوانين الدولية المعروفة.
والارهاب ضرب من الاخافة، وهو يتجه بخاصة الى تخويف بعض القوى المترددة في المشرق العربي لتقديم تنازلات واحداث تسويات وتحقيق الانضباط الذي يساير الهجمة الامريكية الجديدة ضد وجود الامة العربية، لكن هذا موطن الضعف نفسه في هذه الهجمة الامريكية سواء جاءت عن طريق ايران واسرائيل وبقية الوسطاء او عن طريق القوى الامريكية.. وخير جواب على ذلك كله ان يدرك العربي الذي يقصد اخافته ما يملك من قوى التحدي والصمود وما يمكن ان يفتح على نفسه من ابواب الخسران المستمر اذا ما تراجع امام اي من صور الابتزاز والارهاب هذه.. وفي امثولة الصمود العراقي الذي كان خير جواب.