23 ديسمبر، 2024 3:52 ص

اكثر موهبة يتقنها المسؤولون في بلادي هي الانقلاب على أفكارهم بمعدل 180درجة حسبما تقتضيه ظروف المرحلة …فمن المناداة بأفكار متطرفة وتبني خطابات طائفية الى الدعوة الى نبذ التطرف والتعايش السلمي ، ومن التشدد الاسلامي لبعض الاحزاب الى المناداة بأفكار ديمقراطية ومدنية ، ومن الدعوة الى الاصلاح والتغيير الى التمسك بالقوانين التي تضمن بقائهم في السلطة …هؤلاء المسؤولين الذين رفعهم الشعب على أكتافه ليضعهم على مقاعد السلطة وجدوا أنفسهم فجأة في مكان هو اعلى من اكتاف الشعب التي تسلقوها فبدأوا ينظرون اليه بتعال واستخفاف وصار البقاء في الاعلى مطلبهم ومبتغاهم بينما ظل الشعب يشرأب بانظاره اليهم املا في تنفيذ وعودهم له …انهم يجيدون السير على خطى الموضة فيقلدون الصرعات الجديدة لكسب التأييد الشعبي رغم ان ارضاء الشعب هو- آخر همهم – لكن اصواته تهمهم !!
حين خرج ممثل السيد السيستاني مثلا في احدى خطب الجمعة ليعلن عن رغبة المرجعية بترصين اسس التعايش السلمي في المجتمع ، خرج علينا اكثر من مسؤول –اشتهر بعضهم بخطاباتهم الطائفية – ليعلنوا عن ضرورة التعايش السلمي ونبذ التطرف بل دعا مجلس الوزراء في جلسة طارئة الى سن قانون لتجريم التحريض الطائفي والعنصري وخطاب الكراهية …وحين صار التركيز على اهالي المناطق المحررة عالميا وتناول الاعلام قصصهم وتحولت قضية النساء الايزيديات الى حدث شهير ، بات اغلب المسؤولين يطلقون على اهالي تلك المناطق اسم (اهلنا ) ويتشدقون بمعاناتهم متناسين الاسباب التي حولت مناطقهم الى خراب وابنائها الى نازحين …أما حين دعا رئيس الوزراء في بداية تسلمه المنصب الى الاصلاح وكشف ملفات الفساد فقد انبرى اغلب المسؤولين الى نشر الغسيل القذر لبعضهم البعض وباتوا يطرقون على وتر تغيير الوجوه المستهلكة بوجوه (تكنوقراط) ..وكانت آخر تلك الصرعات هي الانشقاق من الكتل الكبيرة وتكوين كتل جديدة ، فماان اقدمت عليها احدى الكتل حتى لحق بها البقية في ظاهرة تشظي غريبة ومبتكرة تهدف كما يقال الى استحداث الافكار والوجوه والطاقات لانتاج خليط افضل يليق بالمرحلة المقبلة !! وحتى هذه اللحظة مازال تقليد الموضة والصرعات الانتخابية والسياسية جاريا و(مفيش حد احسن من حد) ، لكن الحقيقة الوحيدة التي تعلن عن نفسها وسط هذه الموجة من التقليد الاعمى هي ان هؤلاء المسؤولين مستعدون لسلوك كل السبل ليواصلوا التربع على اكتاف الشعب والبقاء في الاعلى لأن النزول الى مستواه قد يفقدهم مناصبهم ، وهكذا وامام اول اختبار يكشفون عن نواياهم فيمررون القوانين التي تحافظ على مكاسبهم ويبعدون عن طريقهم كل حجر عثرة يمكن ان يعيق تسيدهم المشهد العراقي ..
المطلوب من الشعب هذه المرة ألا يمرر اكاذيبهم وأن يكف عن تأييد مايصدر عنهم من صرعات فليس فيها حلولا لمشاكله بل لمشاكلهم فقط ولمخاوفهم من فقدان المناصب ، فهل على الشعب أن يساندهم ليواصلوا التربع على أكتافه ؟!