19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

أبعادُ الثورة ومآلاتُها
يحق للتاريخ أن يسجل بفخر مآثر نضالات الشعب العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عهد الملك فيصل الأول ولحد اليوم..بيد أننا أمام مأثرة نضالية شديدة التفرد نادرة المزايا، أعادت للعراق اعتباره بين الأمم، ورفعته من قعر الجب الى موكب النور ليشق طريقاً واعداً بالنصرمفعماً بالأمل بعد أن لوثه الغزاة الأمريكيون المحتلون وعملاؤهم، وبعد أن تكالبت عليه الدول وأذنابها لتعيث به فساداً ونهباً وإذلالاً لشعبه ليصبح مثلاً للتخلف والتلوث والانحطاط..
كانت ثورة تشرين منذ انطلاقتها واستمراريتها قد حملت مزايا تاريخية تليق بعراقة العراق! فهي انتفاضة سلمية أشعل شرارتها جموع من الشباب المهمشين والعاطلين المسحوقين، وقد رأوا أن لا خروج من النفق إلا بثورة سلمية أداتها ومادتها شباب لم تخدره الآيديولوجيات، ولا خيار أمامهم سوى سلوك طريق الانتفاضه للتخلص من حكومات الاسلام السياسي المتفعن والموغل بالفساد والانتفاع والسرقة والعمالة والتخلف العصبوي بكل ألوانه ولاسيّما الطائفي..
لقد راهنت طغم الإسلام السياسي المتسلط على أفشالها ومصادرة وتزيف الإراد بالترغيب والترهيب معتقدة بامكانية احتوائها بشتى الأساليب لكن شجاعة وإصرار الثوّار أفشلت كل الرهانات وعبرت عن وعي ونضوج وإصرار على عدم القبول بتغيير الوجوه أو بالحلول الترقيعية، ما أفرز حالة ثورة مستمرة، وها هي الثورة تدخل اليوم السابع والستين وهي أكثر تبلوراً وقد قدمت المئين من الشهداء تجاوز الخمسمائه وآلاف من الجرحى، بفعل جرائم القتل بالذخيرة الحية والغازات الخانقة ذات العبوات المعدنية القاتلة والمجازر في ساحات بغداد لاسيما مجزرة السنك، ومجازر الناصرية والنجف وكربلاء والبصرة..ناهيك عن الأساليب الجبانة من اغتيل وخطف للشبيبة الوطنية الغيورة..
فلم يتوانَ الثوار ولم يتراجعوا عن مطالبهم المشروعة قيد أنملة في إزاحة النظام المنحط برمته وبكل أركانه لتأسيس لجنة تحضيرية لحكم انتقالي ينبثق من إرادة الثوار وفي ساحة التحرير قوامه العناصر النظيفة المشهود بكفاءتها ونزاهتها من التكنوقراط، والاعداد لدستور جديد يتجاوز كل العثرات والعورات في الدستور المهلهل الحالي، وتأسيس لقضاء كفؤ ونزيه وجريء يحاسب الفاسدين واللصوص والمجرمين القتله لينزل بهم القصاص العادل وليسترد جميع الأموال المنهوبة التي هي أموال الشعب، وبناء وترصين جيش عراقي وقوات أمنية قادرة على حماية المسيرة الظافرة من الأعداء المتربصين في الداخل والخارج.. وتكوين مجالس رقابة شعبية ممن يختارهم الشعب ..
إن مساهمة النقابات العمالية وعموم التنظيمات المهنية والمؤسسات الثقافية وهيئات المجتمع المدني سيسهم بالضرورة في توسيع دائرة الثورة وإعطائها زخما ونسغا قوياً مؤثرا يزيد من فعاليتها..مما يؤسف له هو المساهمة الهامشية لاتحادات الكتاب والأدباء والفنانيين والصحفيين التي بدت مثار دهشة وتساؤل لضعفها!! بينما عمل الشبيبة والفنيون المتطوعون الكثير، يشهد على ذلك شارع الرشيد والمطعم التركي وساحة التحرير وأنجزوا الكثير خلال أسابيع.. حيث العمل الخلّاق الذي أظهر الإبداع والجمال بما لم تقم به حكومات الإسلام السياسي طيلة ستة عشر عاما!!
أما الرهان على حكومة طوارىء وجعلها مرحلة تسبق الحكم الانتقالي فهو رهان لا طائل من ورائه، فالطوارىء هو خيار أمني وضروري لكل مسيرة الثورة لحمايتها وصيانتها وما هو بخيار سياسي.
إن ثورة فجرها الشبيبة الواعية انطوت على قيم سلمية وأخلاقية عالية ورؤى ثقافية وحضارية إضافة لأبعادها السياسية، قوامها وحملتها الشبيبة من الجنسين وتحمل مقومات ديمومتها لم ولن تنهزم لأنها لم تكن ذات مديات حزبية ضيقة قصيرة الأمد بل ذات فكر ديناميكي لا أديولوجية جامدة! كما أنها تصدت بوعي عال لكل محاولات الاندساس والمعارك الجانبية ، فطريقها واضح جليّ..
والنصر آت قريب..