” كيف لطبيبٍ يداوي الناس وهو عليلُ “, ولعلنا نقوم بتحديث تلك المقولة بالقول :< كيف لمريضٍ يداوي نظراءه من مرضىً آخرين , مصابين بذات الداء>
إذ لا دواعٍ تستدعي الإشارة بأنّ ايّ وساطةٍ بين دولتين او جهتين متضادتين بين بعضهما , فأنها ظاهرة صحيّة في الزمن الكوروني ! , وصحيّة هذه الظاهرة المضحكة انها لا تمتلك ايّاً من آلات وادوات المعالجة ” بدءاً من المشرط والمقصّات ولا حتى القطن ووسائل التعقيم والمطهرات الأخرى ” .
إنّما وكما معروفٌ ومحفوظٌ عن ظهر قلبٍ ايضا , فهنالك اضطرار لإعادة القول بأنّ ايّ جهةٍ تتوسط بين طرفين مختلفين وفي خلافٍ حادّ , فيتوجّب ان تغدو الجهة التي تقوم بمثل هذه الوساطة , ان تكون جهةً محايدة ولا تميل الى احد الطرفين , فهل العراق بلدٌ محايد كي يتوسّط بين الرياض وطهران ! وهل يمتلك مؤهلات ومتطلبات هذه الوساطة .! , إنّه أمرٌ قد يستدعي القهقهة اكثر من سواها , وهل هناك مَن لا يعلم أنّ مراكز القوى وقيادات الأحزاب التي تتحكم بالعراق , بأنّهم ايرانيون اكثر من الإيرانيين .
ايضاً لا ينبغي ابداء تفاؤلاتٍ افتراضيةٍ مسبقة حول اللقاء او الإجتماع المرتقب بين السعوديين والأيرانيين في بغداد , وهو الأجتماع الثاني وربما يعقبه ثالث . وقد وعدَ الجانب الأيراني للطرف السعودي بأنّ طهران ستمارس نفوذها او تأثيرها على الحوثيين لوقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة المفخخة , ردّاً على مطلب السعوديين في الأجتماع الأول , لكنّ ذلك لا يشكل سوى مرونة دبلوماسية – نسبية من طهران , بغية ترطيب اجواء اجتماعات فينّا التي يجري فيها بحث الملف النووي والعقوبات الأمريكية , والتي ستطول حسب المجريات والمعطيات , فأقصى ما يمكن افتراضه في وقتٍ لاحق , هو ان يوقف الحوثيين هجماتهم على السعودية بشكلٍ مؤقت غير معلومٍ كم سيطول , لكن ان تتلاشى الأسلحة الحوثية من المشهد الجيوبوليتيك فهو اقرب الى الخيال وربما الى الأحلام .
وبالعودة الى الوسيط ” بغداد ” فإنّ بعضاً من الملاحظات او المؤشرات لا زالت تبحث لها عن مقعدٍ او مكانٍ في القاعة التي ستحتضن المفاوضات من قبل ان يبدأ الإجتماع المرتقب بين تلك الدولتين , ومن دون القول بأنّ الطرف العراقي لا يمتلك ايّ تأثيرٍ على الرياض او طهران , فمن غير المعلوم اذا ما كان الجانب العراقي سيحضر اجتماع الوفدين او ممنوعٌ حضوره , كما لماذا لم يجر اعلان اسم او عنوان الطرف العراقي الوسيط , كما جرى الإعلان عن رئيس الأستخبارات السعودية ومفوضين عن مجلس الأمن القومي الأيراني في هذه الأجتماعات .
لعلّه من السابق لأوانه القول أنّ معلوماتٍ ما او بعضاً منها سوف تتسرّب عن تفاصيل المفاوضات المقبلة , سواءً كان التسريب متعمّدا او سواه ! من احد الأطراف المشاركة في الإجتماعات , لكنّ مثل هذه التسريبات ” للإعلام ” المفترضة والممكنة , فهي لا تقدّم ولا تؤخّر فيما يجري من مجرياتٍ ثقيلة الوزن بين المملكة وايران , ومجمل كلّ ذلك لا يتجاوز التكتيك او بعضاً منه .! فكلا السعوديين والإيرانيين يعرفان ويدركان ماذا في جعبة كلّ منهما .! , وكان من المفترض موضوعياً ان تجري هذه الأجتماعات المشتركة ” والوساطة ” في ومن قِبل دولةٍ اخرى محايدة وغير مصابة بحمّى الصراع الدائر في هذه المنطقة وتعقيداتها .!
رغم انّ الحكومة العراقية مسرورة وجادّة في وساطتها هذه , لكنها غير مضمونة البقاء في الأنتخابات المقبلة , ولعلّ الأهم من ذلك انها مطوّقة ومحاصرة بفوهات اسلحة الفصائل المسلحة ومن معظم الزوايا .!