18 ديسمبر، 2024 6:20 م

علم الفلاحة عند ابن العوام الاشبيلي

علم الفلاحة عند ابن العوام الاشبيلي

” لمن يريد أن يتخذ هذا الفن صنعة، يصل بها إلى معاشه ويستعين بها على قوته وقوت عياله، هذا واستوفيت القول فيه بحسب الغرض المقصود وكفيتك الاستمداد بآراء أهل الغباوة من أهل البراري”1

يتعرض قطاع الفلاحة عندنا إلى تهديدات حقيقية بسبب المخاطر الناجمة عن توقيع اتفاقيات شراكة وتبادل حر مع الدول الاستعمارية مثل اتفاقية الأليكا وتخلي الدولة عن دورها العادي في تنمية القطاع وعصرنته.

في هذا السياق يمكن التأكيد على علاقة التجذر بين الفلاح والأرض في المخيال الشعبي للذاكرة الوطنية وعلى المهام الإستراتيجية التي قامت بها أنماط الإنتاج الزراعية في تحقيق الأمن الغذائي وفي تصديها الوقائي من للمجاعات أثناء الكوارث والأزمات البيئية ويمكن الإشارة إلى المساهمة الفكرية التي قدمتها بلادنا إلى الحضارة الإنسانية منذ القرطاجنيين مع ماغون في تأسيس علم الفلاحة إلى ابن العوام الاشبيلي.

عاش عالم الفلاحة الأندلسي أبو زكريا يحي ابن العوام في القرن 12 ميلادي الموافق للقرن السادس هجري في اشبيلية قبل سقوطها في يد ملك القشتاليين فراندو الثالث سنة1248 بعد حصار دام ثلاثة أشهر، وإذا كان تاريخ ولادة الاشبيلي غير معروفة بالتدقيق فإنه قد توفي بالتحديد سنة 580 حسب المؤرخ الزركلي وكان قد تتلمذ على يد ابن البصال الطليطلي وابن الحجاج الاشبيلي والطنغري الغرناطي ولقد اطلع على المصادر الإغريقية واللاتينية والمشرقية في كل ما كتبه العرب والمسلمين في اختصاصه.

لقد تم نفض الغبار عن كتاب الفلاحة عام 1802 بعد ترجمة النص العربي من طرف الراهب الاسباني خوسي أنطونيو بانكيري وأصدرته الأكاديمية الملكية الاسبانية للتاريخ وعرضته المكتبة الوطنية بمدريد.

يتكون كتاب الفلاحة من بابين: الأول يضم 16 فصلا حول الفلاحة بصفة عامة والنباتات وزراعة الأرض بصفة خاصة، في حين يحتوي السفر الثاني على 14 فصلا حول تربية الحيوانات والاستفادة منها ، ويشير في التقديم إلى منزلة الفلاحة في الحياة الإنسانية وفوائدها الكثيرة ويدعم رأيه بالمأثور من الدين والحكمة.

يتناول الكتاب بالدرس والتحليل مواضيع والحراثة وطرق تسميد الأرض وأنواع السماد والغراسة وأنواع التربية والمياه والري والعوامل المؤثرة في الزراعة والنبات والأشجار المزروعات الفصلية والتركيب والنباتات التزينية التي تزرع في الحدائق والبساتين والعناية بالحيوان وتربية الماشية والمناخ والمحيط.

لقد راهن ابن العوام على عدة اعتبارات أساسية:

– تخليص موضوع الفلاحة من ميدان الطب والتداوي بالأعشاب وسعى إلى تأسيس علم خاص بها.

– لم يرض بالاكتفاء بالجانب المعرفي والبقاء في مستوى النظر بل وضع المعرفة موضع التطبيق.

– وصف التجارب الخاصة وعلاقته المباشرة بالأرض وعمله الميداني بالزراعة وتربية الحيوانات.

لقد قدم ابن العوام تفسيرا وافيا عن كيفية تنظيم زراعة النباتات في المكان وفق الطول والأهمية واخضرار أوراق الأشجار وزمن قطف الثمار وحساسيتها تجاه قوة الرياح عند هطول الأمطار وحدوث العواصف.

لقد استجاب عرضه في هذا الكتاب للتنظيم التقليدي للحدائق والبساتين وفق مربعات ومستطيلات وحرص على أن تكون الزوايا حادة وأعطى أهمية كبيرة للتنظيم المنهجي والتدرج الوظيفي لاستعمال خنادق الري.

كما يحلل الكتاب تنوع التربة الموجودة ويفرق بين التربة السوداء والتربة الحمراء وبين التربة الحجرية والتربة الطينية والتربة الرملية ويبحث في الطرق التي تساعد على تقوية النوعية والزيادة في الخصوبة وتحدث عن طرق إعداد الأرض وحرثها وتقليبها وتهويتها قبل زرعها وأشكال التسميد والتنقية والحصاد.

لقد خصص الاشبيلي بعض الفصول من كتاب الفلاحة لفن التقليم والقص والأمراض التي تصيب النباتات والأشجار وقدم فيها الطرق المساعدة على المحافظة على الغلال والفنون التي تسمح بتلوينها وتعطيرها واعتنى كذلك بالنباتات التي يتم استعمالها في الصباغة والحياكة والنسيج وترطيب الجلود وصنع الأحذية. لقد مثل كتاب علم الفلاحة عند ابن العوام الاشبيلي الخطوات الواثقة والحاسمة نحو قيام الهندسة الزراعية التي تغذت من كتب الأول في مجال النبات والتربة والحيوان والملاحظات التجريبية للرحالة عن الحدائق.

كما يتنزل هذا العلم ضمن استفادة العرب والمسلمين من انتشارهم في حوض البحر الأبيض المتوسط ومخالطتهم لعدد كبير من الشعوب والمجتمعات المغايرة لهم في إفريقيا وآسيا وتأسيسهم علم الصيدلة وعلم العقاقير pharmacologie وعلم النبات botaniqueوبحثهم عن المعادن والأسمدة الكيميائية.

لقد تأثر ابن العوام بكل علماء النبات والفلاحة والأرض الذين اشتهروا عند الإغريق والرومان والفرس وخاصة ترجمة نيكولا الدمشقي في القرن الأول الميلادي لكتاب أرسطو المعنون مقالة في النباتات traité des plantes والذي تضمن معالجة لفيزيولوجيا النباتات وأيضا كتاب تيوفراست المعنون: أسباب النباتات les causes des plantes الذي عاش بين 371 و288 قبل الميلاد وكتاب ديوسكوريد المادة الطبية la matière médicale الذي عاش في القرن الأول ميلادي والمؤلف الموسوعي الذي ترجمه العرب من السريالية ويعود للإغريق في نهاية القرن الثامن والمعنون agriculture nabatéenne الزراعة النبطية ، ولقد ذكر ابن العوام 585 نوعا بالاعتماد على القصص التي رواها الرحالة أثناء زيارتهم لبلاد فارس والهند وخاصة ابن بطوطة والخوارزمي والبيروني ومعرفتهم بالعالم النباتي. كما ميز الاشبيلي بين الفلاحة والزراعة وطب النباتات واهتم بخمسة وخمسين نوعا من الأشجار المثمرة وركز بالخصوص على أشجار الزيتون والعنب والرمان والنخيل وما توفره من التمور مفيدة للصحة. لقد ترجم الكتاب إلى الأسبانية سنة 1801وتم نقله إلى الفرنسية سنة 1864 وننتظر تحقيقه في العربية2. فمتى نتعلم التمسك بالأرض ونمنح قيمة مضافة للفلاحة ونأخذ العبرة من ضياع الأندلس وخسارة اشبيليا؟

المصدر:

1-Le livre de l’agriculture d’ibn-al-awam, traduit de l’arabe par J-J clement- Mullet, librairie A. France Albert L, herold, Successeur, Paris, 1864.

2-. L’agronomie arabo -andalouse, in, revue le point, avril -mai, 2019,p26.