29 ديسمبر، 2024 5:52 ص

علم العروض : دائرة المشتبه … لماذا الاشتباه ؟

علم العروض : دائرة المشتبه … لماذا الاشتباه ؟

تفعيلات بحورها المستعملة والمهملة
ذكرنا في الحلقة السابقة أنّ البحور المركبة المستعملة تسعة ، ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف) ، وبقت لدينا ستة تحتويها ( دائرة المشتبه ) ،والتي تحتوي أيضاً ثلاثة بحور مهملة ، إذ يتشكل كلّ بحر من دائرة المشتبه من تفعيلتين مختلفتين ،إحداهما ضعف الأخرى،مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت ، وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز ، ولا تأتي بعض البحور منها إلا مجزوءة ، قبل الدخول في عمق الموضوع،لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة.

الدائرة الخامسة – المشتبه : لماذا سُميت بالمشتبه ؟
الجواب : لاشتباه أجزائها ، أما أين يقع الاشتباه ؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه ، إذا لم تكن داراسا ً لها ، أو باحثاً فيها .

1 – الاشتباه يقع بين:

(مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد ، أي فيها وتد مجموع ، وسببان خفيفان ( مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه ).
– (علن //ه) وتد مجموع ، و ( مسْ /ه) و( تفْ /ه) سببان خفيفان .

وبين ( مسْ تفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد ، أي فيها سببان خفيفان ، ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه ).
– (تفـْعَ /ه/ ) وتد مفروق ، و(مسْ/ه ) و (لنْ /ه) سببان خفيفان.

2 – والاشتباه يقع أيضا:
بين ( فاعلاتن ) مجموعة الوتد.

وبين (فاعَ لا تن) مفروقة الوتد.

كيف ؟!

(فاعلاتن ) الاولى ، تتشكل من (فا /ه) و (تنْ /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (علا //ه) وهو وتد مجموع.
وبين (فاعَ لاتن) الثانية ، التي تتشكل من (لا /ه) و (تن /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (فاعَ /ه/ ) ، وهو وتد مفروق.

تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها ، لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات ، بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها) ، كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و (مسْتفْعَ لنْ) ، وكذلك بين (فاعلاتنْ) و (فاعَ لاتن).

ولعلمك عزيزي :
1 – إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه) .
2 – وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن ) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه ) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ /ه /ه /ه/ ) (1) .
إذاً التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي :
مسْتفْعلنْ – مسْتفْعَ لنْ – مفاعيْلنْ – مفـْعولاتُ – فاعلاتنْ – فاعَ لاتن.

وأساس تكوين الدائرة :
سببان خفيفان فوتد مجموع، فمثلها مرة ثانية ، فسببان خفيفان فوتد مفروق .(2)
/ه /ه //ه / ه /ه //ه /ه /ه / ه /
خفيف1 ، خفيف 2 ، مجموع 1 ، خفيف 3 ،خفيف 4 ، مجموع 2 ، خفيف5 ، خفيف 6 ، مفروق1

دقق معي رجاء على رمزي الحرف المتحرك (/) ، والساكن (ه) من مقطع لدائرة المشتبه أعلاه:
ا – – إذا بدأت بالسببين الخفيفين الأول والثاني ( /ه /ه) ثم يأتي بعدهما الوتد المجموع ( //ه) ، صارت التفعيلة ( /ه/ه//ه …مسْتفْعلنْ ).
ب – إذا بدأت بالإنشاد من السبب الخفيف 2 ( /ه) ، سيأتيك بعده الوتد المجموع 1 ( //ه) ، سبب خفيف رقم 3 ، فالتفعيلة صارت ( /ه //ه /ه غاعلاتن) .
ج – وإذا شرعت بالغناء من الوتد المجموع رقم 1سيأتيك يببان خفيفان رقم 3 ورقم 4 ، فالتفعيلة تكون ( //ه /ه /ه مفاعيلن).
د – وإذا بدأت غناءك بالسبب الخيف 5 ، غالسبب الخفيف 6 ، ثم يأتيك الوتد المفروق ، فشكلت التفعيلة ( /ه /ه /ه/ مفعولاتُ).

هـ – وإذا شرعت بالوتد المفروق رقم 1 ، ثم درت على السببين الخفيفين الأول والثاني ، شكلت التفعيلة ( فاع لاتن /ه/ /ه /ه ) …

وهكذا دواليت تتشكل التفعيلات ، ومن التفعيلات البحور ، ومن البحور الغناء والشدو والطرب والحفظ ، ولا يجوز لك أن تبدأ بالساكن في أي دائرة ، لأن العرب لا يبدأون كلامهم بالساكن ، والسلام.

كيف تشكّل التفعيلات البحور؟ :.

تفعيلات كل من:
أولاً – السريع والمنسرح والمقتضب واحدة (مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ) ، وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات.

أ – السريع: وزن البحر السريع بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ***مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ
شاهد البيت السريع التام :

يُوزِعْنَ فِي حَافَاتِهِ بِالأَبْوَالِ***فِي مَنْزِلٍ مُسْتَوْحَشٍ رَثِّ الحَالِ

وهذا البيت شاذ؛ لأن العرب لم تستعمله تاما صحيحا، بل استعملته مكشوف أو مكسوف العروض مطويها، وموقوف الضرب مطويه (مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُلا).

ب – المنسرح: وزن البحر المنسرح بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ

الشاهد عليه :
إِنَّ ابْنَ زَيْدٍ لا زَاْلَ مُسْتَعْمِلا ***لِلْخَيْرِ يُفْشِيْ فِيْ مِصْرِهِ الْعُرُفَاْ
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُمُسْتَعِلُنْ
تفعيلة الضرب ( آخر تفعيلات البيت ) ، حصل فيها زحاف الطي ، أي حذف الساكن الرابع ، فأصفحت التفعيلة مطوية (مُسْتَعِلُنْ) ، وبقيت تفعيلات البيت سالمة ، والطي جائز هنا ، لا يعدُّ عيباً في الشعر .

 

ج – المقتضب: وزن البحر المقتضب بحسب الدائرة العروضية:

مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ***مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
بيت المقتضب التام:
يَا مَنْ حَالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الْوَفَا***كَمْ لاقَيْتَ لَوْ يُنْصِفُونَا فِي الهَوَى

استعملته العرب مجزوءا، مطوي العروض والضرب.

 

ثانياً – الخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة (مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ – الخفيف: وزن البحر الخفيف بحسب الدائرة العروضية:

فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ***فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ

شاهد البيت الخفيف التام:

حَلَّ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنَا فَبَادُوا*** لِي وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةٌ بِالسِّخَالِ

ب – المجتث: وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:

مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ***مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ
شاهد البيت المجتث التام:

صَدَّتْ وَحَالَتْ سُلَيْمَى يَا خَلِيلِي*** عَنْ عَهْدِنَا لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا
استعملته العرب مجزوءا.

ج – المتئد ويسمى أيضاً بالغريب ، وهو مهمل ، وحسب دائرته العروضية :

فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ ****فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ
كقول بعض المولدين:

مَا لِسَلْمَى فِي الْبَرَايَا مِنْ مُشْبِهٍ*** لا ولا الْبَدْرُ المُنِيرُ المُسْتَكْمَلُ

 

ثالثاً – المضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها (مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ) .

أ – المضارع : وزن البحر المضارع بحسب الدائرة العروضية:

مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ***مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
شاهد البيت المضارع التام :

أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي قَلَتْ وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِمَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي

استعملته العرب مجزوءا، وهو بحر نادر، أورد شاهده الخليل.

ب – المنسرد ويسمى بالقريب ، وزن بحره كما جاء في دائرة المشتبه :
مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ ****مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ
و شاهد المنسرد، كقول بعض المولدين:

لَقَدْ نَادَيْتُ أَقْوَامًا حِينَ جَابُوا***وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرٍ لَوْ أَجَابُوا

ج – المطرد أوالمشاكل ، وزنه كما جاء في دائرة المشتبه :

فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ **** فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ

كقول بعض المولدين:

كُنْ مُجِيرِي مِنَ الأَشْجَانِ والكَرْبِ***مَنْ مُزيلِي مِنَ الإِبْعَادِ بالقُرْبِ

فذلكة الأقوال : مجموع البحور في دائرة المشتبه تسعة ، ستة منها مستعملة، وثلاثة مهملة ، والمهملة هي المتئد و والمنسرد والمطرد .
و سبب التسمية: وسُمِّيَت هذه الدائرة بهذا الاسم لاشتباه تفاعيلها؛ إذ تشتبه – كما أسلفنا – تفعيلة : (مُسْتَفْعِلُنْ) بـ (مُسْتَفْعِ لُنْ) ، و(فَاْعِلاتُنْ) بـ (فَاْعِ لاتُنْ)، على الرغم من اختلاف عدد الأسباب والأوتاد فيها ، وتفاعيلها سباعية هي :
مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ، فَاعِلاتُنْ، فَاعِ لاتُنْ، مَفَاعِيْلُنْ، مَفْعُولاتُ.

وإلى اللقاء في حلقات مقبلات ، وكلُّ قريبٍ آت ..!!!!