إذا كان الفن يحفز الجانب المتعلق بالأحاسيس والتفكير لدى الكبار، فإنه لدى الأطفال ينتقل بسرعة إلى المنطقة الأمامية من المخ.
تعريض الأطفال للفن في سن مبكرة مهم من أجل نموهم، أو هذا على الأقل ما يدعيه بروفيسور هولندي اسمه أيريك شخاردر من جامعة أمستردام، إذ يعتقد أن نظر الأطفال الصغار والرضع إلى الفن والرسوم والمسرحيات ولوحات الرقص يساعدهم على مد الروابط بين مختلف أجزاء المخ، حتى وإن كانوا لا يعون تماما ما يحدث أمامهم، وأن هذا الربط هو ما يقوم به الإنسان منذ ولادته إلى آخر حياته، وهو تدريب مستمر لا يجب أن يتوقف، وتوقفه يعني دخول الدماغ في مرحلة خطرة.
ويرى صاحب النظرية الشهيرة التي يروج لها منذ فترة على وسائل الإعلام وفي الندوات، أن مخ الطفل يحتاج إلى محفزات خارجية لتحريكه وتنشيطه، وأن الفن خير من يفعل ذلك نظرا لطابعه الإبداعي. وأجرى البروفيسور اختبارات على مجموعة من الأشخاص تبين له من خلالها أن الفن أقدر من جميع المحفزات الأخرى على تحريك الدماغ وتنشيطه، متفوقا في ذلك على الرياضة والأنشطة الفكرية والذهنية الأخرى، والسبب في ذلك يرجع إلى طابع الفن الشمولي واحتوائه على مجموعة عناصر أساسية متداخلة وهي: الهدوء والتركيز، الأفكار، النزعة الاجتماعية والفردية على حد سواء، التي تلتقي جميعها مع العامل النفسي.
ويعتقد البروفيسور أن الخمسة وعشرين عاما الأولى من حياة كل إنسان هي الفترة التي يتكون فيها الدماغ وتتشابك روابطه، وهي لذلك مهمة من أجل إيجاد العلاقات الأساسية التي من شأنها أن تضمن حياة غنية ومبدعة. وبينت بحوث أجراها على أطفال رضع أثناء نظرهم إلى لوحات تشكيلية أنهم يشعرون بـ“استفزاز” حسي من جراء اللوحات، الأمر الذي يجعل أدمغتهم تنشط بسرعة، وبالأخص الجزء المتعلق بالخيال.
وينصح البروفيسور باصطحاب الرضع ممن تجاوزت أعمارهم أربعة أشهر إلى المتاحف والغاليريهات، وعدم تركهم في البيت أثناء القيام بجولة يعتقد الجميع أنها حكرا على الكبار، وكما هو معروف فإن الرضع يبدؤون في عمر أربعة أشهر بتمييز الألوان والأشكال.
لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للكثيرين الذين يتابعون أنشطة البروفيسور ونظريته حول الفن، هو اعتقاده بأن تعريض الأطفال في سن مبكرة للفن بأنواعه، يساعد على إيجاد نقاط التقاء وروابط متشابكة داخل الدماغ تحمي الطفل من التعرض لأمراض الكبر كالزهايمر، والأمراض النفسية، ويقول بروفيسور شخاردر إن المخ المركب هو الأكثر قدرة على حماية نفسه من الأمراض في سن الشيخوخة.
وإذا كان الفن يحفز الجانب المتعلق بالأحاسيس والتفكير لدى الكبار، فإنه لدى الأطفال ينتقل بسرعة إلى المنطقة الأمامية من المخ، حسب البروفيسور، وهي منطقة التعلم واكتساب المعارف، وهو لهذا السبب أداة جيدة لإيصال المعلومة وتنمية القدرات. وتهدف الأبحاث التي يقوم بها هذا البروفيسور وغيره من الخبراء في مجال علاقة الإنسان بالفن إلى قلب الصورة الشائعة التي مفادها أن الفن رفاهة وتميز وكماليات، والتدليل على أنه ضروري وأداة تعلم واكتساب معارف ضرورية للإنسان منذ طفولته، إضافة إلى طابعه الوقائي من الأمراض.
ويعتقد البعض أن دافع هذه البحوث سياسي بالدرجة الأولى، وأن الهدف منها هو إقناع الحكومات التي تتقشف في مجال الفن والإبداع بأهمية التخلي عن سياساتها التقشفية انطلاقا من قناعة مغلوطة بأن الفن أقل أهمية من الصحة والتعليم، وربما لهذا السبب تحديدا سعت هذه البحوث إلى إيجاد علاقة تلازمية بين الفن وهذين القطاعين المهمين في سياسة الحكومات.
وسواء كانت هذه البحوث ذات هدف سياسي أو لا إلا أن الخبراء والباحثين الذين يقفون وراءها مقتنعون بحاجة الإنسان إلى الفن، ليس كعامل رفاهية وتسلية، وإنما كأداة معرفة وتثقيف وواق صحي من الأمراض.
نقلا عن العرب