23 ديسمبر، 2024 3:36 ص

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الثالثة ـ الأخيرة ـ (العلاقات مع القوميين والبعثيين)

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الثالثة ـ الأخيرة ـ (العلاقات مع القوميين والبعثيين)

(دراسة توثيقية بعد 60 سنة)
من الثابت.. حتى في المصادر القومية إن توجهات عبد الكريم قاسم في مقتبل عمره كانت قومية.. وهو ما أكده الزعيم الركن محمود الدرة – احد الضباط القوميين.. بالقول: (بان عبد الكريم قاسم اشترك معنا.. وكان ضابطا مثلنا برتبة ملازم.. في أول جمعية للضباط القوميين سنة 1935.. ويضيف الدرة قائلاً: (كانت تلك الجمعية تسير على هدى المبادئ القومية).. وبعد انقلاب بكر صدقي العام 1936 انفرط عقد هذه الجمعية.
ـ بقيً عبد الكريم قاسم بفكر وسلوك قومي متحرر.. حيث سجل في فلسطين العام 1948 معارك متميزة ضد العدو الإسرائيلي.. بسلوكه اقصر الطرق وأشدها خطورة للتحرك من منطقة المجامع.. التي كان يتجحفل فيها فوجه الى منطقة نابلس.. بالرغم من أن القوات الصهيونية كانت على جانبي الطريق.. وفي أية لحظة يكون الاحتكاك بينهما.
ـ ومنذ منتصف الخمسينيات كان عبد الكريم قاسم.. كما يذكر أخوه حامد.. مستمعاً جيداً لإذاعة صوت العرب.. منذ ساعة دخوله الى البيت.. حتى انتهاء إجازته العسكرية.
ويضيف حامد قائلاً: (في احد الأيام صاح عليه والدي بغضب:عبد الكريم تريد تحبسنا.. أغلق الراديو.. لكن عبد الكريم ابتسم بحبٍ لوالدي: وقال: لا تخف إن الله مع الحق.. حيث كانت السلطة..آنذاك.. تحرم الاستماع الى هذه الإذاعة.
ـ أما على صعيد تنفيذ الثورة فقد استثمر الزعيم قاسم كل فرصة للاتصال بالقوى القومية التحررية.. وبشكل خاص القيادة السورية والمصرية.. فعندما كان اللواء التاسع عشر.. الذي كان يقوده.. عند الحدود الأردنية إثناء العدوان الثلاثي العام 1956 اتفق عبد الكريم قاسم مع بعض الضباط الأردنيين على القيام بثورة في آن واحد في العراق والأردن.. وإعلان الوحدة مع سورية.
كما حقق.. أيضاَ.. اتصالا بالقيادة السورية العسكرية وبعبد الحميد السراج مدير الاستخبارات السورية.. آنذاك.. ووزير الداخلية في دولة الوحدة (مصر وسورية) فيما بعد.. واخبرهم الزعيم قاسم بتذمره من الأوضاع السياسية في العراق.. وانه سوف يقوم بحركة ضد الوضع وتخليص البلاد من سياسة وشرور النظام الملكي.. وكان العقيد عبد السلام محمد عارف حاضراً تلك المحادثات.. وثبتها في مذكراته فيما بعد!

عبد الكريم قاسم.. رئيساً لتنظيم الضباط الأحرار:
لم تتغير توجهات قاسم القومية العربية عندما انتخب الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيساً
للجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار في نيسان العام 1957.. فقد أجرى الزعيم عبد الكريم اتصالين مع جمال عبد الناصر.. الأول: بشكل شخصي.. والثاني عن طريق اللجنة العليا لهذا التنظيم.. ففي الأول أرسل عبد الكريم قاسم صديقه رشيد مطلك الى حسين جميل.. (احد قياديي الحزب الوطني الديمقراطي.. آنذاك) في تموز 1957.. للاتصال بالرئيس المصري جمال عبد الناصر والاستفسار منه عن موقفه من الضباط الأحرار العراقيين والثورة المنوي تفجيرها.. وكان جواب عبد الناصر بأنه سوف يقدم للثورة كل عون ومساعدة تحتاج إليها إذا نجحت.. أما إذا فشلت المحاولة فإنه سوف يمنح القائمين بها حق اللجوء السياسي فقط.
أما الاتصال الثاني.. فقد تم عن طريق سكرتير اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار الذي طلب من ممثل حزب الاستقلال (محمد صديق شنشل) الاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر خلال سفره وحضوره اجتماعات المكتب الدائم للخريجين العرب في دمشق.. وفعلاً اتصل شنشل بعبد الناصر في شباط 1958 وكان جوابه: (أن الجمهورية العربية المتحدة تضع جميع إمكانياتها تحت تصرف الثورة العراقية).
ـ كما كانت للزعيم عبد الكريم اتصالات بقادة حزب الاستقلال العراقي (ذو التوجه القومي) عن طريق صديقه رشيد ألمطلك.
ـ كما إن الزعيم عبد الكريم هو الذي كان وراء تعيين الفريق نجيب الربيعي رئيسا لمجلس السيادة.. والشيخ محمد مهدي كبه عضو في هذا المجلس (الاثنان ذو اتجاه قومي أسلامي). وأيد بلا تردد اختيار فؤاد ألركابي.. والشخصيات القومية الأخرى في حكومة الثورة الأولى.

سياسة عبد الكريم قاسم القومية:
أولا: الموقف من الوحدة العربية:
منذ الأيام الأولى للثورة اخذ العقيد الركن عبد السلام محمد عارف يدعو في خطبه وتصريحاته اليومية الى الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة لكسب الضباط الأحرار القوميين والقوى القومية الى جانبه.
في حين كان الزعيم قاسم يؤكد باستمرار إن موضوع الوحدة العربية تقرره الشعوب العربية.. ففي إجابته خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في 26 تموز 1958 على نوع العلاقة التي ستقوم بين العراق والجمهورية العربية المتحدة قال: (إن علاقتنا مع الجمهورية العربية المتحدة سوف تبنى على أساس المصالح المشتركة وعلى أساس منفعة الشعبين.. وأحب أن أؤكد إن هذا الوطن شراكة بين العرب والأكراد).. ويستشف من هذه العبارة الى إن العراق لم يكن حراً تماماً في الانضمام الى الوحدة العربية مع مصر وسورية مادام قسم من الشعب العراقي ينتمون الى قومية أخرى.
وأكد في هذا المؤتمر الصحفي انه (إذا تأمنت مصالح العرب في كل دولة وتحررت.. فهذا معناه التحرر.. وإذا تحررت الشعوب العربية كلها.. فمعناه اتحاد عام لا يقرره شخص.. إنما تقرره شعوب الدول العربية.. التي لها أن تقرر نوع الحكم ووضعه.. فهو إذن يستبعد الوحدة الفورية الاندماجية مع الجمهورية العربية المتحدة.
كان الزعيم قاسم يعتقد إن الوحدة العربية تتحقق تدريجياً.. وذلك عن طريق إزالة الحواجز والعقبات بين الأقطار العربية: كرفع الحواجز الكمركية.. وإلغاء جوازات السفر.. وتحقيق التكامل الاقتصادي.. والتعاون والتنسيق في السياسة الخارجية.. فيمكن بعد ذلك تحقيق الوحدة العربية بين الأقطار العربية المتجاورة.. كوحدة المشرق العربي.. ووحدة المغرب العربي.. على أن تكون هذه الأقطار متحررة.. وتحافظ على كيانها ضمن اتحاد.. وليكن فيدرالياً.. أو شكلاً اخرر يحقق مصلحة الشعوب العربية.
وضمن هذه التوجهات انسحب العراق من الاتحاد العربي الهاشمي الذي تشكل في 14شباط 1958بين العراق والأردن.. الذي تشكل لخدمة مصالح الحكم الملكي في البلدين كخطوة مقابلة لقيام الوحدة بين مصر وسورية (وتشكيل الجمهورية العربية المتحدة).
كما تعاونت الجمهورية العراقية منذ اليوم الأول للثورة تعاوناً متيناً مع الشقيقة الجمهورية العربية المتحدة في خدمة العروبة والتحرر.. وعقد العراق معها اتفاقاً للتعاون العسكري التام وثلاثة اتفاقيات للتكامل الاقتصادي والتجاري والتعاون الفني.. كما عقد معها ميثاق الوحدة الثقافية العربية.

ثانيا: دعم حركات التحرر العربي
1ـ الثورة الجزائرية:
منذ الأيام الأولى لثورة 14 تموز 1958 أعلن عبد الكريم قاسم مساندة العراق المطلقة للثورة الجزائرية.. لذلك رفض عرض الحكومة الفرنسية الاعتراف بالنظام الجمهوري في العراق مقابل إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وكان العراق أول دولة تعترف بحكومة الجزائر المؤقتة.. وقدم العراق لها أكثر من ثلاثة ملايين دولار سنويا بأمر من الزعيم قاسم.. بدءاً من العام 1959.. كما قدمت حكومة ثورة 14 تموز العديد من المساعدات الغذائية والإنسانية والمالية للثورة الجزائرية.. وللاجئين الجزائريين في تونس.. وكل ما طلبه الإخوة الجزائريون من أموال ومساعدات عسكرية.. وزارت العراق الوفود الجزائرية الرفيعة المستوى لغرض تعزيز التعاون بين البلدين.. وقدم العراق في عهد عبد الكريم قاسم مساعدات عسكرية للثورة الجزائرية.. قدرت بأربعة ملايين دولار.
وصرحت الحكومة الجزائرية ممثلة بكريم بلقاسم (نائب رئيس الوزراء للحكومة المؤقتة) قائلاً: (إن مساعدات الجمهورية العراقية مساعدات ملموسة.. وبصورة متواصلة ولم تنقطع.. وكانت تلك المساعدات تحتل الصدارة بين الدول العربية.
ـ في أوائل نيسان العام 1962 زار العراق الرئيس الجزائري احمد بن بيلا.. لتقديم شكر حكومة وشعب الجزائر الى حكومة وشعب العراق.. على الدعم اللا محدود للثورة الجزائرية.. واستقبل استقبالاً شعبياً ورسمياً.. وكان في استقباله الزعيم عبد الكريم قاسم.
وزاد من قوة هذا الدعم فإن الجمهورية العربية المتحدة.. وهي اكبر دولة عربية.. آنذاك.. وتتكون من القطرين (مصر وسوريا).. لم تدفع حصتها من ميزانية الجزائر لمدة طويلة.. وعلى الأقل حتى ايار1960؟.. ولم تقطع علاقاتها الاقتصادية مع فرنسا.. التي قطع العراق علاقاته معها دعماً للثورة الجزائرية.

2ـ القضية الفلسطينية:
كان عبد الكريم قاسم يؤمن بان تحرير فلسطين يكون من قبل أهلها.. وعلى الدول العربية دعمها بكل ما أوتوا من قوة.. لذلك تقرر تشكيل جيش التحرير الفلسطيني في بغداد.. وقدمت له ثورة 14 تموز كل الإمكانيات الفنية واللوجستية والعسكرية والمالية لهذا الجيش.. وقد خصص الزعيم قاسم مبلغ أكثر من مليون وربع المليون دولار سنويا للإنفاق على هذا الجيش (وهو مبلغ هائل بالنسبة لذلك الوقت).
كما تعاون عبد الكريم قاسم مع الهيئة العربية العليا لفلسطين.. وذلك بافتتاح مكتب لها في بغداد.. ودعمها بمبلغ مليون دولار سنويا، و30 ألف دولار لمكتب الهيئة في بغداد.. و30 ألف دولار لإنشاء دار الرعاية الأمومة والطفولة الفلسطيني في بيروت.. كما دعمت حكومة الثورة الفلسطينيين المتواجدين في العراق.. وعاملتهم معاملة العراقيين.. ومنحت مخصصات لأكثر من نصفهم البالغ عددهم عشرة آلاف فلسطيني.. وهيأت السكن اللائق المجاني لهم.. وفسحت المجال لأبنائهم بالدراسة في كل المراحل مجاناً.. ومساعدتهم في التعيين في الدوائر الحكومية العراقية.

3ـ حركات التحرر العربي:
قدم الزعيم عبد الكريم قاسم الدعم اللا محدود الى:
ـ الإمارات العربية الخليجية.. التي كانت تحت السيطرة البريطانية.. فدعم الثوار العمانيون بالمال والسلاح بشكل متواصل.. وإسناد المؤتمر العمالي في عدن.. لأنه كان يمثل اكبر مجموعة بين المناهضة للاستعمار في تلك المنطقة.. وافتتح لأبناء عدن المدارس والكليات المدنية والعسكرية العراقية.. فضلا عن تخصيص برنامج إذاعي بأسم الجنوب العربي.. وكان العراق يدفع حصته المقررة لعمان من الجامعة العربية سلاحاً.. واعتده.. وتجهيزات من الأنواع المناسبة.. وكانت ترسل بالطائرات عن طريق المملكة العربية السعودية.. وفي نيسان العام 1960 قدم العراق الى ثوار عمان ربع مليون روبية مساعدة إضافية.
ـ وعندما أعلن العراق تأييده للثورة اليمنية في 26 أيلول 1962 وحدوث خلاف بين السعودية والأردن من جهة ومصر من جهة حول الثورة اليمنية.. حيث كانت مصر تؤيد الثورة.. فيما السعودية والأردن يؤيدان إمام اليمن والحكم الملكي اليمني السابق.
– كان الموقف العراقي دعم الثورة اليمينية بقوة – ومحذراً من أن تمتد أصابع الأمريكان الى هذه الثورة بفعل التدخل العسكرية المباشر.. كما قدم العراق مساعدات ثقافية للطلبة اليمنيين.
ـ ودعمت الحكومة العراقية برئاسة الزعيم عبد الكريم قاسم المغرب.. الذي لم يكن له قوة جوية وذلك برف طائرات مقاتلة من طراز (فيوري).. فإثناء زيارة الملك المغربي محمد الخامس للعراق في شباط 1960.. إضافة الى الدعم المستمر للملكة المغربية لتستطيع تحقيق استقلالها الناجز.
ـ وبالرغم من العلاقات السيئة مع الأردن.. الذي لم يعترف بالنظام الجمهوري.. وتغطرس إسرائيل ومحاولة اعتدائها على الأردن.. أعلن العراق انه سيدافع عن الأردن ضد أي اعتداء إسرائيلي.. لان العراق مرتبط بالأردن بروابط قومية.. كما هو شريك في الجامعة العربية.. وأي اعتداء على الأردن اعتداء على العراق.
ـ كما دعم العراق الثورة الاريترية بالمال والسلاح.. مثلما دعم ثوار الصومال.. وجيبوتي.. وفتح أبواب الكليات العراقية لهم.
ـ كما قدم العراق مساعدات الى ليبيا لتدريب الجيش الليبي.. وقبول الطلبة الليبيين للدراسة في الجامعات العراقية على نفقة الحكومة العراقية كبقية الطلبة العرب الأشقاء.

التآمر العربي على العراق:
لم يستمر التعاون والتقارب بين العراق والجمهورية العربية المتحدة سوى أشهر معدودة.. حيث بدأت الخلافات والصراعات بين الطرفين.. بالرغم من ذلك لم تتغير وجهة نظر عبد الكريم قاسم في موضوعة الوحدة العربية.. والعلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة.
وأهم الإحداث التي حدثت.. التي أدت للصراع:
ـ اعتقال عبد السلام عارف.. لمحاولته اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في 5 / 11 / 1958.. والحكم عليه بالإعدام.. ولم يطلق سراحه إلا في 24 تشرين الاول1961.. (أي بعد أقل من شهر على انفصال سوريا من الوحدة).
ـ اعتقال رشيد عالي الكيلاني.. فقد عاد الكيلاني للعراق في الأول من أيلول 1958 بعد غياب دام 17 سنة.. وأعيد الاعتبار له.. وقبل عودته قابل الرئيس عبد الناصر في القاهرة.. وصرح بعد المقابلة أنه يشعر بوجوب إقامة الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة.
ـ وفي بغداد قام عبد السلام عارف بزيارة الكيلاني في بيته.. كما أستقبله عبد الكريم قاسم في مقره بوزارة الدفاع مرحباً به بوصفه قائداً لحركة أيار 1941.
ـ في 8 /12 / 1958 اعتقل رشيد عالي الكيلاني ومعه ابن أخيه مبدر الكيلاني.. والمحامي عبد الرحيم الراوي.. ولفيف من أصهار وأقرباء رشيد وأصدقائه باعتبارهم رؤوس مؤامرة ضد الزعيم عبد الكريم قاسم.
أحيل المتآمرون الى محكمة الشعب.. لم يثبت اشتراك رشيد بالمؤامرة.. فيما اعترف مبدر الكيلاني بتفاصيل المؤامرة واشتراكه بها.. فصدر قرار الحكم ببراءة رشيد.. والحكم على مبدر وعبد الرحيم الراوي بالإعدام.. لكن أعيدت محاكمتهم بأمر من قاسم.. علماً إن القوانين العراقية تحرم إعادة محاكمة أي شخص على نفس القضية.. ومن ثم أطلق سراحه.
ـ ساءت العلاقة بين البلدين اثر مؤامرة عبد الوهاب الشواف في 7 آذار 1959 التي استهدفت حكم عبد الكريم قاسم.. فقد قدمت الجمهورية العربية المتحدة للقائمين بالمحاولة الدعم.. ومدتهم بالسلاح والمال وجهاز الإذاعة.. الذي استخدمه المتآمرون في إذاعة بياناتهم كما جندت إذاعة دمشق نفسها لإذاعة بيانات حركة الشواف.. وتأييدها وتغطية أخبارها.
ـ الحدث الأهم: اعتقال ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية بكركوك مع المتهمين بحركة الشواف.. إلا أن المحكمة لم تستطع إثبات التهمة المنسوبة إليه بالوثائق.. فلم يكن عبد السلام عارف هو الوحيد المنافس لقاسم.. بل كذلك كبار الضباط القوميون في تنظيم الضباط الأحرار.. الذين طالبوا في بداية الثورة بتشكيل مجلس لقيادة الثورة.. ورفض قاسم وعارف تشكيله.
إن إعدام رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي يوم 20 أيلول 1959.. انه اليوم الذي وقع عبد الكريم قاسم على إعدامهم.. وقع عبد الكريم قاسم إعدام عبد الكريم قاسم.. فلماذا لم يعدم عبد السلام عارف الذي اعترف بجريمته؟.. ويعدم هؤلاء الذين لم تثبت إدانتهم بشكل واقعي ومادي؟
ـ فيما أطلق قاسم سراح البعثيون الذي صبوا عليه نيران رشاشاتهم وأصابوه وقتلوا سائقه.. في منطقة رأس القرية بشارع الرشيد في 7 تشرين الثاني 1959.. لأنهم في اعتقاده ليسوا منافسين له.. وهم مدنيون ولا يشكلون خطر قيامهم بانقلاب عسكري ضده.
ـ ما إن حصل انفصال في سوريا 28 أيلول العام 1961 عن الجمهورية العربية المتحدة.. فإن أول عملٍ قام الزعيم عبد الكريم قاسم به أنه ركب الطائرة وذهب الى الرطبة لمقابلة ناظم القدسي رئيس جمهورية الانفصال.. للاتفاق معه على مستقبل العراق مع سوريا فيما بعد الانفصال.. وهي السفرة الأولى والأخيرة لقاسم خارج العراق منذ 14تموز 1958 الى سقوط نظامه.
ـ لم تتوقف محاولات القضاء على نظام عبد الكريم قاسم.. ثم كانت محاولة اغتياله من قبل حزب البعث بدعم مصري في تشرين الثاني 1959.. وأخذت محاولات الانقلاب واغتيال قاسم تتصاعد.. حتى إن عبد الكريم قاسم تباهى قبل أسبوع من إسقاط نظامه في 8 شباط 1963إنه نجا من (38) محاولة لاغتياله.. خلال السنوات الأربع والنصف مع عمر حكمه.

تناقضات في سياسة قاسم الداخلية:
كان قاسم متأكد من إن القوميين والبعثيين هم من حاولوا اغتياله في غالبية المحاولات الانقلابية ال 38.. واعتقل كبار الضباط القوميين والبعثيين.. الذين اتهموا بالمشاركة أو يؤيدون أو تعاطفوا مع حركة عبد الوهاب الشواف.
لكن الغريب انه لم يعتمد سياسة واضحة في العراق بين القوى السياسية في البلد.. فعندما أراد إن يحجم قوة الشيوعيين أقال كبار الضباط الشيوعيين.. وأعاد كبار الضباط القوميين والبعثيين الى الجيش.. وسلمهم اخطر الوحدات العسكرية.. التي كانت بيد الشيوعيين!! وهم بالتأكيد لم ينسوا اعتقالهم.. أو إقالتهم.. أو إحالتهم للتقاعد.
ـ فمن أين جاء (عارف عبد الرزاق).. وهو قومي معروف.. ليصبح آمر القاعدة الجوية في الحبانية؟
ـ ومن أين جاء (منذر الونداوي).. الذي قصف وزارة الدفاع؟.. ومن أين جاء (خالد مكي الهاشمي)؟ و(حاتم الياسين.. ووجدي ناجي.. وعدنان خير الله) الذين زحفوا في ذلك اليوم بدباباتهم من أبو غريب الى وزارة الدفاع ؟.. وغيرهم بالعشرات.
ـ إذن كانت سياسة عبد الكريم قاسم متناقضة.. فهو من جهة لديه أفكار واتجاه معين.. لكن كل القوى القوية التي حوله والى جانبه هي قوى معادية له وضاربة.. وهي التي حققت عملية الانقلاب في 8 شباط 1963.. ولم تجر الاستعانة لا بجندي ولا بإعلام ولا بأي شيء خارجي.
ـ دبابات البعثيين أتت من معسكر أبو غريب.. وبعد ذلك أتت قوى أخرى لحقتهم.. وأول من قتل من الانقلابيين كان الملازم وجدي ناجي أخو هلال ناجي وأخو عامر ناجي ولحقت الدبابات الأخرى.
ـ إذن قاسم هو الذي أعطى الفرصة لأعدائه بأن يقوموا بالانقلاب عليه.. بل وفرً لهم سبل النجاح الأكيد لانقلابهم.
ـ سقط قاسم بأدوات حكومته وبسياسته وبتراجعه.. فعبد الكريم قاسم تراجع عن عبد الكريم قاسم.. والأدوات التي ضربت عبد الكريم قاسم جاء بها عبد الكريم قاسم.. أي جاء بها الى السلطة والى مواقع القوة.