22 ديسمبر، 2024 8:18 م

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الأولى العلاقات مع الحزب الوطني الديمقراطي

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الأولى العلاقات مع الحزب الوطني الديمقراطي

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الأولى (العلاقات مع الحزب الوطني الديمقراطي)
(دراسة توثيقية بعد 60 سنة)

ـ تعود علاقة عبد الكريم قاسم بالحزب الوطني التقدمي وكامل الجادرجي الى أيام انقلاب بكر صدقي العام 1936 عندما أصبح الجادرجي وزيراً للاقتصاد في وزارة ذلك الانقلاب.. وشارك في تأسيس جمعية الإصلاح الشعبي.. وكان المقدم الطيار محمد علي جواد قائد القوة الجوية.. ابن عمة عبد الكريم قاسم الشخص الثاني في الانقلاب.. ونتيجة لذلك تأثر قاسم بانقلاب بكر صدقي.
ـ حسين جميل ينقل رسالة قاسم الى جمال عبد الناصر:
قبل توجه حسين جميل في تموز العام 1957الى دمشق لحضور اجتماع المكتب الدائم لمؤتمر الخريجين العرب اتصل به رشيد مطلك* وطلب منه أمرين. أولهما: أن يتصل بعبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني في الجيش السوري.. ثانيهما: أن يتوجه من الشام الى مصر لينقل رسالة من عبد الكريم قاسم الى الرئيس جمال عبد الناصر.. فيما يخص الأمر الأول نقل رسالة عبد الكريم قاسم إلى عبد الحميد السراج التي كان يرى أن ألاّ تخرج القوات السورية من الأردن بناء على طلب حكومتها.. وأنه سوف يؤازر سورية بهذا الموقف.
ـ حصل اللقاء بين حسين جميل وعبد الحميد السراج بتنسيق من فؤاد جلال رئيس المكتب الدائم لمؤتمر الخريجين العرب.. واخبره برسالة عبد الكريم قاسم.. رد السراج إن الرسالة جاءت متأخرة.. لأن القوات السورية كانت قد انسحبت فعلاً بناء على طلب الحكومة الأردنية.
ـ بعد انتهاء اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب اتصل حسين جميل بمحمد فؤاد جلال.. وأبلغه بأنه مكلف بمهمة مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر.. رحب فؤاد جلال بالطلب وأبلغ حسين جميل بأنه مدعو لزيارة مصر بمناسبة أعياد ثورة 23يوليو.. ثم سافر حسين جميل مع محمد فؤاد جلال الى مصر.. والتقى عبد الناصر في منزله بمنشية البكري.. ونقل له رسالة عبد الكريم قاسم أن لـه تنظيـم ضـباط أحرار وهـم يعملون بثورة يستولون فيها على الحكم شبيه بثورة 23يوليو في مصر.
ـ وان الضباط الأحرار في العراق اتخذوا قرارا بأن يقتل عبد الإله ونوري السعيد.. لكن الخلاف في مصير الملك فيصل الثاني هل يقتل أم لا؟ إذ إن بعض الضباط يميلون الى قتل الملك.. أما النقطة الثانية في الرسالة فهي هل من المحتمل أن تتدخل قوات أجنبية لقمع الحركة؟.
ـ كان رد جمال عبد الناصر بشأن مصير الملك فيصل الثاني بأنه كان يرى عدم قتل الملك.. ليس حرصا على حياة الملك.. وإنما على الحركة إذ أن العراق مرتبط مع الأردن بإتحاد فدرالي وهو الاتحاد الهاشمي.. رئيسه ملك العراق ونائب الرئيس ملك الأردن الملك حسين.. فإذا قتل الرئيس يخشى أن يزحف الملك حسين بجيشه القوي الى العراق ويقمع الحركة.. فالأسلم عدم قتل الملك.. وبعد قتل نوري السعيد وعبد الإله سوف تجرى انتخابات نيابية لمجلس النواب وهو الذي يقرر إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.
ـ أما النقطة الثانية فكان رأي الرئيس عبد الناصر فيها إذا قامت الثورة.. واستولت على السلطة فلن يقع تدخل من دول الغرب.. أو حلف بغداد.. أو المملكة الأردنية الهاشمية ضد النظام الجديد.. وأنه يعتقد أن الغرب يهتم بمصالحه بالدرجة الأولى.. وقلما يهتم بالصداقة والأصدقاء.. فإذا تخلصوا من الملك والوصي ونوري السعيد.. فسيحاول البريطانيون وغيرهم تقوية علاقاتهم مع الحكام الجدد لضمان مصالحهم.
ـ وفيما يخص موقف الرئيس المصري من الثورة فقد تعهد بتقديم كل العون والمساعدة التي تحتاج إليها الثورة في حال نجاحها.. أما إذا فشلت فأنه سوف يمنح القائمين بها حق اللجوء السياسي.
ـ عاد حسين جميل إلى بغداد وأخبر رشيد مطلك عّما دار بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر وبدوره أخبر المطلك عبد الكريم قاسم بذلك.. كل هذا حصل من غير أن يقابله ألا بعد ثورة 14تموز العام 1958.
ـ كما اتصل عبد الكريم قاسم عن طريق (رشيد مطلك).. بمحمد حديد عن الحزب الوطني الديمقراطي.. ومحمد مهدي كبة ومحمد صديق شنشل عن حزب الاستقلال في ربيع العام 1958.. وذلك في زنزانة كامل الجادرجي في سجن بغداد حيث كان الجادرجي يقضي محكوميته فيه.
وقد رشح قاسم الجادرجي للاشتراك في وزارة الثورة وزيراً للاقتصاد.. إلا إن الجادرجي اعتذر بشدة مشيراً الى تجربته السابقة الفاشلة مع بكر صدقي.
ـ وذكر ليً (أنا كاتب هذه الدراسة محمد صديق شنشل العام 1975).. وأمام إصرار قيادة الضباط الأحرار بمشاركة هذين الحزبين في الحكم.. وافق الجادرجي بالمشاركة حيث كان يرغب في إن تكون حكومة الثورة الأولى من العسكريين فقط حتى تستتب الأمور).. وهكذا حصل الزعيم قاسم على موافقة هذين الحزبين بالمشاركة في حكومة الثورة.
ـ ويبدو إن عبد الكريم قاسم كان يتخوف من الأمور المالية فطمأنه الحزب الوطني الديمقراطي على ذلك، لذلك جاء ترشيح محمد حديد نائب رئيس هذا الحزب لوزارة المالية.. وبهذا الصدد يشير عبد الكريم قاسم في تصريح له بشأن استقالة محمد حديد من وزارة المالية في 10 نيسان 1960 قائلا : ” إننا نعرف الأستاذ محمد حديد قبل الثورة المظفرة بمدة سنتين.. وقد أجرينا المداولة معه حول وضع الخطة المالية لحكومة الثورة.. قبل قيامها لضمان الوضع الاقتصادي في البلاد”.. من جانبه فان محمد حديد ذكر لـ (سام فول) القنصل الشرقي في السفارة البريطانية ببغداد بعد يومين من قيام الثورة (16تموز 1958).. انه علم بالثورة من المذياع حيث كان في الموصل وانه واجه رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ونائبه عبد السلام عارف لأول مرة يوم 15 تموز أي في اليوم الثاني للثورة ولم يكن يعلم أي نوع من الناس هما.. لكن ذلك لم يمنع من معرفة حديد بالثورة واتصالات قيادتها بحزبه.

قاسم.. وأفكاره الديمقراطية:
كان عبد الكريم قاسم يكرر بأنه من مدرسة الأهالي.. وتلميذاً لكامل الجادرجي في أكثر من مناسبة ولقاء.. و بعد شهر من قيام الثورة قدمت مديرية الاستخبارات العسكرية مقترحين لقائدي الثورة (عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف).. حول تكريم شهداء حرب 1941.. وتكريم شهداء حرب فلسطين1948.. وجرت مناقشات مطولة بين قائدي الثورة.. فعبد السلام عارف موافق على المقترحين.. في حين كان رأي عبد الكريم قاسم أن يشمل التكريم بكر صدقي ومحمد علي جواد..حيث قال بالحرف الواحد: (ولمً لا نكرم شهداء موقعة الموصل في 11 آب 1937 التي ذهب ضحيتها بكر صدقي ومحمد علي جواد..بمؤامرة استعمارية بريطانية استهدفت التخلص منهما.. لماذا لا تكرم عوائلهما ؟ كما تقترحون كريم عوائل غيرهم؟.. ألم يطاردني أنا وعبد الجبار جواد الاستعمار؟ لقد ثأرنا منهم في صبيحة يوم 14 تموز.. أضاف يقول: إذا كان الجنود يستحقون التكريم.. فليس كل القادة لحركة مايس 1941 يستحقونه.. ألم يكن بعضهم من جماعة نوري السعيد؟ وتآمروا على قتل الوطنين؟).
ـ وفي 13 كانون الثاني 1960وبناءعلى طلب من عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء.. قرر مجلس الوزراء منح ورثة بكر صدقي وجواد محمد علي مبلغ 5000 آلاف دينار لكل منهما.. وألزم دائرة التقاعد بضم العجز من الدرجة الأولى الى راتب المرحومين (بكر صدقي ومحمد علي جواد).. وزاد في التكريم باستقبال السيدة باقيس بكر صدقي وعين زوجها في أحد مصانع السمنت.

مواقف.. المؤازرة للثورة:
ـ دعا الجادرجي الى اجتماع خاص يضم ابرز شخصيات الحزب الوطني الديمقراطي وغيرهم خلال الشهرين الأولين بعد الثورة في دار طلعت الشيباني.. حضر الاجتماع نحو 30 شخصية واشاد الجادرجي في بداية الاجتماع بانجازات الثورة منذ انبثاقها.. وشدد على عدم الاستهانة بها والمضي في تأييدها وعدم السعي الى تعجيزها بطرح مطالب لا مجال لتحقيقها.. وان كانت مطالب واجبة ومحقة.
أدرك الجادرجي مستقبل الصراع بين الشيوعيين من جهة والبعثيين والقوميين من جهة ثانية سوف لا يعوق مسيرة الثورة ويجهز على منجزاتها فقط بل سيحطم مستقبل العراق ويضعه في نفق مجهول مظلم..
ـ فحمل الجادرجي نفسه وعلى حسابه الخاص وشدّ الرحال الى مصر لمقابلة عبد الناصر بعد شهور قليلة من اندلاع الثورة وإثناء الاختلاف بين أطراف جبهة الاتحاد الوطني حول الموقف من الجمهورية العربية المتحدة.
ـ شرح الجادرجي ظروف العراق للزعيم عبد الناصر.. وبين له خطورة نتائج الصراعات التي تجري على الساحة العراقية.. وناشده أن يلعب دورا في تهدئة الوضع المتشنج بين الأطراف السياسية في العراق.
ـ كان الجادرجي يأمل من عبد الناصر أن يمارس ضغطا على القوميين في الجيش والأحزاب والقوى القومية المدنية العراقية لتقدير ظروف العراق الخاصة التي تمنعه من قبول فكرة الوحدة الفورية مع مصر.. وان الإجراء العملي هو البحث في تحقيق وتكوين اتحاد فيدرالي يضم الدولتين.
ـ إلا إن نتائج الزيارة المذكورة كانت فاشلة لان عبد الناصر لم يستجب لطروحات الجادرجي ومطالبه.. وواصل تأييده للاتجاه القومي العروبي الذي كان يدعو للوحدة الفورية مع العربية المتحدة بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر وتشديد معارضته لسياسة عبد الكريم قاسم والعمل على إبعاده عن السلطة.. فعاد الجادرجي خائباً من تلك الزيارة.
ـ عند حصول تمرد الشواف في آذار 1959 وقف الحزب الوطني الديمقراطي.. وزعيمه مؤيدين لحكومة قاسم ضد الانقلابيين والقضاء على تمردهم.
ـ إلا انه لم يؤيد الإجراءات العنيفة والكيفية الفردية.. التي طالت بعد ذلك كثيراً من المواطنين الابرياء الذين كان لايشك بموقفهم وظل يدعو لسيادة القانون.
ـ من دلائل الايجابية الأخرى للعلاقة بين الحزب الوطني وحكومة قاسم في تلك الفترة.. هو إن كلمة زعيمه الجادرجي كانت محترمة لدى عبد الكريم قاسم وقيادة الثورة بدليل انه هو الذي رشح هاشم جواد لمنصب وزير الخارجية وتمت الموافقة عليه.

توتر العلاقة بين الاثنين:
ـ توترت العلاقة بين الجادرجي وعبد الكريم قاسم.. الذي كان يحرص على الاتصال بالجادرجي للحضور للاستئناس برأيه.. إلا الجادرجي كان يعتذر عن الحضور.. مما اضطر قاسم أن يطلب من رشيد مطلك أن يأتي بالجادرجي.. ونجح مطلك بذلك وحضر الجادرجي الى وزارة الدفاع.. واجتمع بقاسم وشكا من كثرة التعدي على الحريات العامة.. وزادت الاعتقالات والتوقيفات غير القانونية.. وفقد الحكم صفته الديمقراطية وزاد الظلم الاجتماعي.. بعد ذلك قال قاسم يا أبا رفعت لا تحملني أموراً ليست تحت إشرافي مباشرة.. فهذه واجبات الحاكم العسكري العام.. إلا إن الجادرجي لم يقتنع.. وقال له إن كل شيء يتم بعلمك.

بدايات الخلاف
بمرور الوقت على مسيرة الرابع عشر من تموز بدأ الحزب الوطني يطالب بتحقيق الحريات الديمقراطية للأحزاب والجماهير.. وكان ينتقد التصرفات التي تجري في محاكمة رجال العهد المباد في محكمة الشعب (او ما تسمى بمحكمة المهداوي).. فكان الجادرجي يرى انه من الخطأ تقديم محاكمة رجال وشخصيات العهد الملكي قبل اثارة ملفات وقضايا قمع الحريات وتزوير الانتخابات التي كانت تجري منذ تأسيس الحكم الوطني1921.. وكان ينبغي ان تتقدم ملفات هذه القضايا على المحاكمات التي جرت في بدايات المحكمة.. أو القضايا المتعلقة بصدد المحاولات للاتحاد مع سوريا او تكوين الاتحاد الهاشمي مع الأردن.. كما كان الحزب ينتقد سلوك رئيس المحكمة (العقيد فاضل المهداوي).. التي لم تكن متوافقة مع مايجب ان يكون عليه رئيس محكمة يفترض ان يكون بها عادلة ودقيقة.. وان لا يسمح رئيس الجلسة للجمهور بإثارة جو غير طبيعي خلال المحاكمة يرعب المتهمين في قفص المحكمة.. كما كان يحصل وتظهره مشاهد تعرض بالتلفزيون وتذاع لتسمع بواسطة الراديو من دار الإذاعة العراقية.
ـ بعد مرور العام الأول للثورة بدأت تدريجياً ملامح الانحدار في سلم هذه العلاقة بما كانت تظهره افتتاحيات جريدة الأهالي.. التي كانت تركز على اختفاء مظاهر الحريات الديمقراطية في البلاد.. (وكان يلاحظ ان جريدة الاهالي تتميز بعدم ذكر كلمة الزعيم بل تكتفي بذكر سيادة رئيس الوزراء بخلاف بقية الصحف والقنوات الإعلامية.. وهذه كانت اشارة لفتور العلاقة مابين الحزب الوطني وزعيمه من جهة وبين قاسم من جهة اخرى).
ـ بدأ الجادرجي يلح على وزيري الحزب الوطني الديمقراطي في الحكومة القاسمية (وزير المالية محمد حديد ووزير الزراعة هديب الحاج حمود ) بالاستقالة باعتبار ان امور البلاد لاتسير كما يطمح الديمقراطيون العراقيون عموما والحزب الوطني الديمقراطي على وجه الخصوص.. من حيث انعدام ظهور بوادر التوجه الى ارساء قواعد الحكم الديمقراطي المؤمل.
ـ كما إن عبد الكريم قاسم اخذ يمضي نحو الحكم الفردي.. لذلك فان الحزب الوطني الديمقراطي يجب ان ينسحب ممثلوه من الوزارة حتى لايتحملوا مسؤولية الأوضاع التي كان يراها حسب وجهة نظره بانها سيئة أو غير سليمة.. استجاب هديب الحاج حمود الذي كان وزيرا للزراعة والإصلاح الزراعي لدعوة الجادرجي.

انشقاق محمد حديد:
ـ إما محمد حديد فكان في الوقت الذي يؤيد فيه الجادرجي بحقيقة تأخر عبد الكريم في تنفيذ وعوده بتحقيق الحريات الديمقراطية.. ويرى محمد حديد بأنه ليس من المصلحة الوطنية الابتعاد عن عبد الكريم قاسم.. وإفساح المجال الى العناصر غير الديمقراطية لتكون قريبة منه.. وانه لا داعي لليأس من عبد الكريم قاسم ولابد من التحلي بالصبر واستمرار الضغط عليه لمطالبته بتحقيق الأهداف الديمقراطية التي ينشدها الديمقراطيون.
ـ لهذا قدم محمد حديد استقالته من الحزب والوزارة في وقت واحد.. حتى لا يُفهم بان موقفه من قاسم هو بدافع مصلحي شخصي.. أو طمعاً في البقاء بالوزارة (المالية).
ـ إلا إن علاقته الشخصية مع عبد الكريم قاسم لم تنقطع.. وظل يبدي آراءه الاقتصادية في الحالات التي يطلبها منه عبد الكريم قاسم.. فأسهم مساهمة فعالة في تشريع قانون رقم 80 لسنة 1961 بخصوص استرجاع الأراضي غير المستغلة من قبل شركات النفط المرخصة آنذاك.. كما شارك في إعداد قانون شركة النفط الوطنية لاستثمار النفط في الأراضي المسترجعة الذي وقعه عبد الكريم قاسم ليلة إعدامه في 8 / شباط /1963.
كان ذلك انشقاقا خطيراً أودى بالحزب الوطني الديمقراطي فلم يبق في قوته التي ظهر بها في بداياته التأسيسية.. ولا استطاع (الحزب الوطني التقدمي) الذي أسسه محمد حديد بعد استقالته من الحزب أن يقوم بالمهمة الديمقراطية، فاضطر لتجميد نشاطه بعد نحو سنة ونصف من تأسيسه لهذا الحزب المنشق عن الوطني الديمقراطي.

الموقف من المسألة الكردية
كان كامل الجادرجي يدعوا إلى التآخي بين العرب والكرد وكافة الأقليات القومية.. ويدعو للدفاع عن حقوقها التي تضيعها عادة إدارات سياسية شوفينية تحكمها التعصب وسياسة الإقصاء.. دائما كان يدعو في مقالاته ومجالسه العامة والخاصة إلى حل المشكلة الكوردية عن طريق المفاوضات وإيجاد الحلول السلمية العادلة لها.. وكان رافضا لاستخدام حكومة عبد الكريم قاسم العنف في مواجهة مطالب الشعب الكردي بعد تفجر الأوضاع في كردستان العراق العام 1962.. وتبنى نفس الموقف من حركات حكومة عبد السلام عارف من الكرد ،و كان رافضا بشدة لهذه الحركات.. وقدم بيانا واضحا للحكومة يوضح موقفه من معالجة القضية الكردية ومطالبته لوقف العمليات العسكرية ضد الكرد.

نهاية الحزب الوطني الديمقراطي:
ـ أما الحزب الوطني الديمقراطي الذي ظل ا الجادرجي يترأسه.. وأصبح هو الآخر ضعيفاً بعد حصول ما تقدم وأخذت تدب بين الجماعة التي بقيت مع الجادرجي الخلافات.. وأخذت الاستقالات تتوالى ما اضطر ممن تبقى في قيادة الحزب الى إعلان تجميد نشاطه.
ـ كان الحزب مؤيداً لجميع إجراءات الثورة بصدد مشاريع الإسكان والتعليم والصحة والإصلاح الزراعي كما هو معلوم.. إلا إن المشكلة الأساسية للحزب الوطني الديمقراطي.. هو رغبته في انتهاء الحكم العسكري.. وقيام النظام البرلماني ألتعددي الموعود.. الذي يعده الجادرجي الركيزة الأساسية للنضال الديمقراطي.. وان التحرر من الأجنبي ليس هو الهدف النهائي.. على الرغم من أهميته وضرورته للكفاح الشعبي الذي بذله الشعب العراقي أيام العهد الملكي.. وإنما هو تحقيق الحياة الحرة الكريمة العادلة والدستورية.
__________
* رشيد مطلك : صديق لعبد الكريم قاسم منذ الطفولة.. وهو صاحب بار شريف وحداد في منطقة البتاويين ببغداد.. ويجلس فيه الكثير من المسؤولين وكوادر الأحزاب وغيرهم لأغراض الراحة والشرب.