9 أبريل، 2024 2:33 م
Search
Close this search box.

علاقات النكاح والطلاق عند الشيعة في العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

ترجمة : وليد خالد احمد
كتابة : توماس لايل
المؤلف جاء مع الحملة البريطانية ، من الهند ، وشغل وظيفة معاون حاكم سياسي ، ثم اشتغل معاونا لمدير الطابو في بغداد ، وحاكما في محاكمها المدنية ، وقد نشركتابه ( دخائل العراق ) عام 1923 ، نترجم منه الفصل السابع .

هذا موضوع معقّد وعلينا اولاً تفحّص النصوص الشكلية التي ارساها القرآن التي تشكّل، بطبيعة الحال، اساس كل الإستعمالات المنطقية. فتعدد الزوجات امر معروف تماماً، لكن الظروف التي يجري نظام تعدد الزوجات في ظلّها لم تؤخذ بنظر الإعتبار رغم التأكيد عليها. وتأتي الإباحة في السورة 4 الآية 3:
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا)
ولو ان الكاثوليك ، أي السنّة، يرون ان هذه الآية تبيح اربع نساء، فان ظروف هذا “الوحي” توضّح، مع ذلك، بجلاء انه كان قد جاء فعلاً من اجل الأيتام. يتألف القرآن من امثال هذا ” الوحي” المباغت ذات المظهر الملائم الذي يجعلها وكأن الظروف تقتضيها. في هذه الحالة تحديداً جرت معركة قُتل فيها العديد من المؤمنين. ولكي تُعامل النساء والأطفال معاملة حَسَنة- ولكي تُهدر الحياة هدراً حسناً- نزل هذا الوحي. يرى السُنّة التقيّد باربع نساء لا أكثر، غير ان الشيعة فسّروا المسألة تفسيراً مختلفاً. فاخذوا عبارة ” مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” على انها تعني اباحة اتّخاذ الجواري، خصوصاً عند اُسر شيوخ عشائر العراق، ولا سيّما السادة اصحاب الأراضي الغنية ذوي الثروات المدهشة والطائلة.
يعدّ عامة الناس اخذ اسرة السيد، سليل النبي المباشر، ابنتهم شرفاً عظيماً لهم. لاتقتصر المزايا على هذه الحياة، بل سيجدون صديقاً لهم يوم الجزاء حين تنتهي ايام الرجل الصالح. النتيجة مدهشة. سيلفي الرجل الهَرِم المحطّم المخوّل بوضع عمامة خضراء في حوزته فتيات شابّات بعمر الخمسة عشر عاماً اللاتي لايتم الزواج بهن، اذا كانت حصة الزوجات الأربع مستوفاة، وانما يعشن معه بصفتهن جواري.
القصة الآتية قصة حسنة التوثيق جداً عن سيّد محترم ومقدّس اعرفه شخصياً معرفة ممتازة. انه رجل قصير وبدين، بحدود السبعين من العمر، برميل فارغ، يستطيع وقد استقرّت على انفه نظارات مائلة ولوجهه مسحة من حكمة غامضة ان يتفوّه بالتفاهات على مدى ساعات فيعدّها اتباعه دليلاً على عمق فكره. كان من قادة ثورة 1920 ومسؤولاً مسؤولية غير مباشرة عن مقتل العديد من الضباط البريطانيين، لكنه تمكّن من الهرب في النهاية. ثم استدعته الإدارة البريطانية لاحقاً ليعود إلى البلاد، فعاد بصفته كاتم اسرار فيصل، الأمير الذي فرضته وزارة المستعمرات على الشعب لأسباب سيتم ايضاحها لاحقاً.
كان هذا السيد جالساً ذات يوم في “مضيفه” يحيط به عدد من الشيوخ البارزين والمتملقين، يقص حكاياته المجنونة للجمهور المادح المعتاد، وكانوا في حدود السبعين شخصاً. في منتصف احدى حكاياته، دخل ولد صغير في الرابعة من العمر وتخطّى حتى منتصف “المضيف” واحاط بذراعيه رقبة الرجل الضخم. فدفعه غاضباً وقال:
“من انت؟”
فتأتأ الولد الذي اخذه احد الخدم جانباً “ابنك”.
كان لهذا الرجل الغني المسنّ اربع زوجات طبعاً، وقد اخبرني ثقةٌ ان لديه تسع وثلاثون جارية!
يوضّح النظام بجلاء لا لبس فيه الحميمية المعهودة بيت الأخوة، ابناء الأب نفسه، ولكن من زوجات أو جواري مختلفات، وهذا ينسف وحدة الأسرة بطبيعة الحال. يتقدّم ابناء الزوجات على ابناء الجواري، ولكن اذا كان الأب سيداً، يصبح كل نسله من الذكور سادة بدورهم.
وانما من خلال نظامهم في الزواج ابتعد الشيعة ابتعاداً كبيراً عن نظام الأورثوذوكس السنّي. فهو لايجيز اتخاذ الجواري فحسب، بل ويؤسس نظام “المتعة” أو الزواج المؤقت الذي يُبيح للرجل أو المرأة ان يعيشا معاً بصفتهما زوج وزوجة لمدة محددة. يتم تحديد المدة عند الإتفاق ويُدفع المهر كما في الزواج الإعتيادي. وحين تنتهي المدة لاتكون ثمة التزامات على أي من الطرفين. وقد يجري تجديد الإتفاق أو لايجري بحسب اتفاق الطرفين. ولا يجوز الطلاق في هذه الحالة. واذا وُلد اطفال من هذا “الزواج” فهم من حق الزوج.
ينظر الأورثوذوكس، اقتداءً بقاعدة الخليفة عُمر، إلى هذا النظام باشمئزاز شديد، وهذا احد الأسباب الرئيسة التي تجعل وحدة هاتين الفئتين الكبيرتين امراً مستحيلاً.
يستطيع المرء ان يرى بسهولة ان الشيعة جعلوا الحياة بسيطة قدر الإمكان من وجهة نظر المتعة الحسيّة. وحيث ان الأثرياء فحسب يستطيعون اعالة اربع زوجات بصفة مستمرّة، فقد عوّضوا الفقراء بنظام “المتعة”، فبامكانهم عيش حياة متحررة لاتخضع للقيود بكلفة زهيدة نسبياً.
لاشك ان الحياة الأُسرية اساس التقدّم الإجتماعي، وبالتالي اساس الحكومة المنظَّمة والشعور القومي. يسأل الأوربيون المتنوّرون الناس الذين عاشوا وفق هذين النظامين لمئات السنين عن نوع الحكومة التي يريدونها، على اساس ان لهم الحق بحكم انفسهم كما يريدون. لو انهم تمكنوا اولاً من التحكّم بانفسهم على مستوى الأفراد فحسب، فلن تبدو هذه الطموحات المثالية غير معقولة. كُلّما اُنعِم النظر في هذه العادة كُلّما تبيّن المزيد من الأخطاء القاتلة. فنظام الزواج لايحطّ من قيمة جنس النساء ويُلحق العار بالأمومة فحسب، بل ان تأثيراته ليست اقلّ تسببا في ضعف الرجال الذين يمسكون بمقاليد كل القوة السياسية حالياً ووهنهم، ويهاجم بقوة مخصوصة تلك الشريحة من العظماء والأغنياء التي بيدها زمام السلطة وستظل ممسكة به بموجب الحكم الذاتي. تأمّل وريثاً، يعدّه البعض كما يشاؤون، ليتحكّم بمصير بلاده. لقد تربّى في وسط نساء متملّقات جاهلات داعرات لابدّ ان يكون كل هدفهن في الحياة الحفاظ على جاذبيتهن البدنية لسيدهن ولا يستطعن الإفلات من اسار الغيرة من الصغائر وليست عندهن فكرة أو اهتمام بما وراء اشباع الكسل والخمول والأطعمة الفاخرة. ما من تغيّر بالنسبة له في الرجولة إلاّ في تغزّل نسائه بسيّدهن وتملّقهن له في بيته.
“في سن الشباب لابد ان تكون مجموعة من الفتيات المُستعبَدات الخاضعات خراباً وفساداً. وفي سن الرجولة، حين يختلي في حياته الخاصة، لن يكون وضع الرجل تأثيره في مزادٍ علني بين مجموعة من الحمقاوات المتنافسات المترعات بالغيرة والإفتراءات المتبادلة اقل شراً. اننا لانُترك تماماً للحدس في ما يتعلّق بتأثير الأنثى في الحياة المنزلية عندما تُمارس في ظروف يهيمن عليها عدم الإستنارة ومثيرة للإحباط. هذا ببساطة عنصر يكمن عند أس كل الميزات العظيمة الهامة التي تميّز التقدّم عن الركود .
من الواضح ان قادة المجتمع الكبار هم الذين تربّوا بهذه الطريقة. انهم ذوي القوة الأكبر في البلاد والذين بين ايديهم مقاليد السلطة اذا اصبح “الحكم الذاتي” حقيقة واقعة.
يعتمد الكثير على قدراتها على الواجبات الأُسرية، قدراتها كطبّاخة وصبرها وسعرها. وتحدد مسألة المهر الخيارات طبعاً، ويجب ان تكون اسرتها بمستوى اسرة الزوج في الأقل لأن لمسألة شرف الأصل تأثير عاطفي قوي في نفسية العربي. وبالتادريج يتلاشى الذين يُعدّون غير ملائمين لسبب أو لآخر وينحصر القرار النهائي بين خيارين أو ثلاثة.
يأتي بعدئذ تفحّص ام العريس أو اخته أو خالته أو عمته. تجري دعوتهم إلى بيت البنت، وتكون العروس المُرتقبة على اهبة الإستعداد للقيام بالواجبات، أي انها ستقدّم الحلويات والشاي والقهوة والشربت، وتهيء حركتها في الغرفة الفرص لإستعراض شخصيتها وانتقالاتها الرشيقة وسحرها العام. ترتدي افضل ملابسها، وربما تكون زيّنت نفسها بأساور وخلاخيل استعارتها من اسرتها لهذه المناسبة. واذا نجح هذا التفحّص بالإقناع، تُفتتح المفاوضات النهائية بشأن المهر، وهي مهمة رجال الأُسرتين.
ذكر الرحّالة الكثير مما هو ضد هذا النظام الذي وصفوه بسخرية على انه “شراء المرء زوجة كما يشتري الماشية”. لكني شخصياً لا ارى سوى النزر اليسير من الفرق بين طريقة الإسلام في الزواج واتفاقيات زواج مسيحيي اوربا. فلكليْهما الفكرة نفسها، وهي ان تبدأ العروس حياتها الزوجية بشيء من تأمين الممتلكات الخاصة بها وحدها، ولهذا في الإسلام وفي سواه قيمة كبيرة للزوجة في حال الطلاق. ولا شك ان ثمة الكثير من المساومة بين العرب، لكن هذا سمة قومية يراها المرء في كل صفقاتهم. تكلّف البنت الجميلة ذات الكمال والأصل الأُسري الرفيع عند عشائر الفرات العريس بحدود 120 جنيه استرليني. أما “ارخص” عروس سمعت عنها فقد بيعت بثلاثين روبيّة أي بحدود جنيه استرليني واحد وعشرة سنتات بسعر الصرف الذي كان سائداً يومئذ. كففت نفسي عن السؤال عن شخصيتها أو قابلياتها!
الزواج في الإسلام فرض عين على كل ذكر، وهو مثل أي شيء آخر، مما امر به القرآن. والتوجيهات بشأن المهر واضحة.
تنص السورة 4، الآية 4 على :
“وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا”،
ولئلا يقع شيء من الإكراه كي “يطبن عن شيئ منه” تضيف الآية 19 من السورة نفسها:
“وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ”.
معرفة النبي بجشع اتباعه واضحة تماماً في الآية اللاحقة. فاذا كانت “الفَاحِشَةٍ المُبَيِّنَةٍ” سبباً يُبرر اخذ شيئٍ من المهر، فان بوسع الرجل الذي يكون بحاجة فورية إلى نقد ان يتهم زوجته بفاحشة كتلك فيجبر زوجته على تسليمه إياه وإلاّ نزلت بشرفها إلى الحضيض. ولهذا يضيف النبي:
“وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”
نتناول الآن موضوع الطلاق في الإسلام، وقد ابتعدت الممارسة هنا ايضاً ابتعاداً كبيراً عن نص القرآن الذي يجب تقديمه أولاً. اسباب الطلاق غير معرّفة ولا محدَّدة، ولكن يمكن اجمالها في كلمة واحدة “عدم التوافق”.
ولكن لابد من انجاز بعض الشروط قبل ايقاع الطلاق، في الأقل في زواج تام . ليس ثمة شيئ من قبيل الإنفصال من دون طلاق ، ومع ذلك لابد من انقضاء مدة قبل ان يصبح قرار الطلاق نافذاً، وذلك عندما يعيش الزوجان منفصلين قدر تعلّق الأمر بعلاقة النكاح، ولكنهما يعيشان تحت سقف واحد. ولعل بالإمكان عدّه “طلاق من الفراش”. لابد من اعلان الطلاق مرّتان، وانقضاء مدة ثلاثة اشهر بعد كل اعلان. والصيغة المستعملة هي “اُطلّق” التي تقال امام شهود. ولهاتين المدّتين ثلاثة اسباب. فهما تتيحان أولاً الزمن اللازم لإمكانية افصاح الحمل عن نفسه. وثانياً ان هاتين المدّتين تتيحان الفرصة لتسوية أي خلافات بين الطرفين. وثالثاً، وكنتيجة للسببين الأولين ان هاتين المدتين تؤدّيان دَوْر التحقق من طلاق لا اخلاقي.
توضّح السورة 4، الآية 229 ان “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ “، أي الطلاق غير البائن ، ويعلّق مولوي محمد علي على هذا قائلاً:
“كان الرجل في ايام الجاهلية معتاداً على تطليق زوجته واعادتها ضمن المدة المعلومة، وقد يفعل ذلك الف مرّة. اصلح الإسلام هذه الممارسة بالسماح بطلاقين رجعيين، بحيث تؤدى مدة التربّص في كل من هاتين المرّتين دَوْر مدة انفصال مؤقت، يمكن خلالها استئناف علاقة النكاح”
بنهاية مدة التربّص الثانية على الرجل ان يقرر اخيراً ما اذا كان سيمضي بتطليق زوجته أم لا. فان قرر استعادتها، فقد فعل خيراً، ولن يكون بوسعه طلاقها مرة أخرى إلاّ لفاحشة جسيمة.
وحين تُطلّق المرأة اخيراً، يُحظر على الرجل التمسّك بأي شيئ من مهرها. واذا استذكرنا طبيعة حب العربي للمال اصبح التأثير المفيد لهذا التشريع واضحاً. كما انه مفيد للمرأة ايضاً اذ لن تدخل الدنيا مفلسةً.
كما ان حيازة المهر تزوّد المرأة بسلاح فعال، اذ يمكنها إن ارادت الطلاق ان تتنازل عن جزء منه لزوجها مقابل اجباره على طلاقها .
حين يُعلن الطلاق البائن، اي البينونة للمرة الثالثة، فان استعادة الزوجين الزواج مرة اخرى تصبح مستحيلة إلاّ بشرط متميّز نصت عليه الآية 230:
“فَإِن طَلَّقَهَا (الزوج الأول) فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا (الزوج الثاني) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا (المرأة والزوج الأول) أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ” (أي علاقة النكاح الكيّسة).
وعلى ذلك فان مبادئ الإسلام، فيما تسمح بالطلاق، فانها تحيطه بقيود وشروط لو روعيت لكانت معدّلات الطلاق قليلة نسبياً. اما السماح به فقد يكون سببه ضرورات سياسية اقتضاها ذلك الزمن. فلا شك ان اعواماً طوالاً من الحروب المستمرة قد أدّت إلى الكثير من الإصابات ولم يكن النبي راغباً بالتمسك بالأراضي التي سيطر عليها فعلاً فحسب، وانما كان راغباً بتوسيعها، فكان عليه ان يضع احكاماً تزيد من قوته المقاتلة وان يجعل، في الوقت نفسه، ظروف دينه جذّابة بما فيه الكفاية للعربي ليضمن مجنّدين جُدُداً. ولذلك كان لابد من ازالة أي عقبة امام علاقات النكاح الحرّة.
من الممتع مقارنة البلاد الإسلامية بالبلدان المسيحية في هذا المجال. في ما سبق كانت لدينا موافقة دين البلاد الرسمية على هذه الممارسة. أما في البلدان ذات الديانة المسيحية الرسمية فالطلاق ممنوع فيها منعاً تاماً، ولا يُسمح بالإنفصال إلاّ للزنا. ومع ذلك كان لابد من وجود قضاة اضافيين في المحاكم المسيحية لبلداننا المسيحية لمسح دعاوى الطلاق التي لم يدافع عنها احد!
تختلف الممارسة الفعلية في مابين النهرين اختلافاً كبيراً عن النصوص القرآنية. والعلّة الأساس لذلك هي نظام الزواج المؤقت آنف الذكر، ولكن ايضاً بنسبة كبيرة الجهل.
لايستطيع البالغون من الرجال الإجابة على ابسط الأسئلة المتعلقة بدينهم، فاذا اُنِّبوا، قالوا ببساطة انهم ليسوا متديّنين. كلّهم يعرفون ان القرآن كلمات الله حرفياً وقد كتبها النبي عن جبرائيل، ويعرفون ان الكتاب اباح اشياءً وحظر اشياء. والطلاق من بين المباحات.
تثور النساء احياناًً على قرار الأزواج المفاجئ بالطلاق فتقدم المرأة طلباً إلى الحكومة، فترسل الحكومة الرجل والمرأة إلى الشرع أو المحكمة الشرعية ، فاذا كان حكيم الشرع، أي الرئيس رجلاً نزيهاً فانه يحيط الطرفين علماً، للمرة الأولى، ان ثمة اجراءات معيّنة لابد من مراعاتها.
تبيّن لي جهلهم بالمسائل الدينية عموماً على نحو واضح في تجربة حدثت لي في “مضيف” شيخ احدى القبائل القاطنة بين الأهوار، وكان الشيخ على شيئ من الفضاضة والخشونة. لكن القبيلة كانت كبيرة وكان الشيخ يتمتع بقوة كبيرة. كنا نجلس في “المضيف” في احدى المساءات الشتوية. وكان ثمة عدد كبير نوعاً ما من العرب، وكنا نناقش الفروق في العادات الإجتماعية الخ حين قال لي الشيخ:
“هل لي أن اسألك سؤالاً؟”
(سأحذف كل العبارات التي تتصدر كل جملة بشيئ من الخجل والحيرة من قبيل “جنابكم” و”سعادتكم” واشارات المتحدث إلى نفسه بعبارات من مثل “عبدكم” و”خادمكم”)
انا: “نعم، بالتأكيد”.
الشيخ: “ولن تغضب؟”
انا: “لا”.
الشيخ: “هل انت متزوج؟”
انا: “نعم”.
الشيخ: “لماذا لاتصحبك زوجتك؟”
انا: “لانصحب زوجاتنا معنا في اوقات الحروب”.
الشيخ: “هذه قاعدة حكيمة، لكنها صعبة جداً. ليس من الجيد ان تعيش وحيداً”.
انا: “ربما كذلك، ولكن ماالذي استطيع فعله؟”
الشيخ: “دعني اجد لك زوجة”.
انا: (مُحرج بوضوح) “شكراً جزيلاً لك لكني اخشى ألاّ يكون هذا ممكناً”.
الشيخ: “لاشكر على واجب. استطيع ان اجد لك واحدة، جميلة وشابة وتجيد الطبخ، وسترتاح كثيراً في كل الأمور”.
انا: “اشكر لك لطفك، لكن ديننا لايُبيح لنا الزواج باثنتين”.
الشيخ: “نعم، ربما كان الأمر كذلك، ولكن لازوجة لك الآن”.
انا: “نعم، لديّ، لكنها في انكلترا”.
الشيخ: “اعرف، ولكن ليس لديك زوجة هنا، هذا ما اقصده”.
انا: “لكني سأعود إلى انكلترا ذات يوم”.
الشيخ: “عندئذ ستطلّق زوجتك العربية. ولن تعترض على ذلك، وربما لن تغادرنا إن وجدت لك زوجة”.
لم استطع اقناعه اخيراً بالتخلي عن الفكرة الاّ بالكثير من الصعوبة فقد لاقت فكرته استحساناً كبيراً من الحاضرين الآخرين. كان تحريم الزواج بين مؤمنة و”كافر” حرمة تامة امراً جديداً عليه تماماً، وأكد لي انه ان كان ذلك صحيحاً فيمكن تعديل ذلك، ربما بارسال قبيلة كبيرة إلى العلماء!
كان لضابطين عرفتهما مباشرة تجارب مماثلة. لعلّ هذا الشيخ تخيّل، في مؤخرة عقله، ان تحالف الزواج بين الحاكم وقبيلته سيتمخض عن الكثير من الفوائد التي تعود عليه شخصياً في تفاصيل صغيرة من قبيل تخمين الوارد، لكن المثير في المسألة ان العرض كان جادّاً، اذ كان يراد ابرام زواج صحيح لاتقديم جارية، على الرغم من ان دينه يحرّم ذلك تحريماً باتاً. لن افكّر في ما كانت مرجعية النجف لتقوله في هذه المسألة لو كنت وافقت على ذلك الإقتراح.
حين تتوافر كل التسهيلات الرسمية للعلاقات الجنسية للقبائل المزارعة فمن الطبيعي ألاّ يوجد بغاء إلاّ بين قلّة من الجماعات المتنقّلة التي يُطلق عليها مصطلح الدراويش. ولكن في المدن الإعتيادية مثل بغداد والحلة محلاّت خاصة للبغايا اللواتي ليس لهن مغادرتها إلاّ باذن من الشرطة. أما في المدن المقدّسة حيث يمكن تنفيذ اقسى العقوبات على الزنا حرفياً فلا توجد مثل تلك النسوة. يتخذ البعض احياناً طريقهم إلى النجف تحت ستار الزيارة، لكنهم سرعان ما يُطردون.
تجري المحافظة هنا على علاقات النكاح قدر تعلّق الأمر بالزنا بصيغته المباشرة محافظة شديدة بسبب معاقبة اطرافها عقوبة فوريّة وقاسية. ولكن في المدن المقدّسة، مجموعة من المنحطّين قدر ما تستطيع المخيّلة ان تتخيّله. مجموعة ضئيلة من السكان تستطيع القراءة أوالكتابة، ولذلك لايمكن ان تتألف “استراحتهم” إلاّ من الغيبة والنميمة في المقاهي وارتياد محلات “الكيف” الخاصة حيث تتولى مجموعة من الأولاد الراقصين الترفيه عن الحضور، وهذا رسمياً “حرام”، والسُكر والعربدة الجنسية. والنتيجة الحتمية الإنتشار الوبائي للمثلية الجنسية بل والبهيمية.
كان احد شيوخ القبائل بالغي الأهمية والتأثير، ممن يُشهد لهم بالورع والولاء الأعمى لمرجعية النجف وقدسية المدينة نفسها يناقش معي ذات يوم مستقبل ابنه التعليمي.
اقترحت عليه ارسال ابنه إلى المدرسة التي افتُتِحت في النجف توّاً، ومعنى ذلك ان يقيم عند اقاربه هناك. فردّ قائلاً: “في بعض مدن هذه البلاد 50% من الأولاد فاسدون، أما في النجف ﻓ 150%. اقتل ابني بيديَّ ولا ارسله إلى النجف”.
يؤدي عدم ذكر هذه الحقائق التافهة إلى ترك انطباع مخطوء في عقول الراغبين فعلاً بفهم الحياة الإجتماعية في المدن المقدّسة ونوع التأثير المنبثق منها. واذ نستذكر ان حكّام هذه المدن المقدّسة هم القوة الحقيقية في البلاد كلها والذين اصابوا عقول شيوخ القبائل بالعفن، تُصيب فكرة ما اذا كان لدى هؤلاء أي شيئ يقولونه في مسائل حكومتهم المرء بالذعر حرفياً.
انقاذهم من استبداد الأتراك امر بسيط مقارنة بما اذا تركناهم تحت استبداد “رجالهم المقدّسين” المتمتعين بفرصة كبيرة لنشر مبادئهم المثيرة للإشمئزاز في الزواج المؤقت والجواري مما يؤدي إلى المزيد من الإنحطاط والتردّي.
تسلّط القصة التالية ضوءً غريباً على الحياة البيتية لشيعة الإسلام. تلقى احد الضباط السياسيين المشبعين بافكار الفروسية وقدسية الإنوثة، وكان قد تسنّم عمله حديثاً، التماساً من انثى متحجّبة حجاباً كثيفاً اثاره كثيراً. وكانت المسألة هي ان فاطمة لم يكن لديها من يحميها سوى الله تعالى وهذا الضابط وقد التجأت إليه طلباً للحماية. كانت امرأة متزوجة وقد ولدت لزوجها ما لا يقلّ عن خمسة اطفال، وقد طردها زوجها من بيتها بوحشيّة. وحاولت العودة إلى البيت لا لترى اطفالها فحسب بل لتأخذ شيئاً من امتعة البيت فامسك بها زوجها واوسعها ضرباً مبرّحاً.
تأثر الضابط القدير بذلك كثيراً، ولم يكن يجيد سوى القليل من العربية وقتئذ، لكن ماكان يعرفه كان كافياً ليفهم ان امامه ضحية سيئة الحظ من ضحايا ضرب الزوجات. قرر ان يقدّم مثالاً وان يُري هؤلاء العرب التعساء انه ان كان ثمة امر واحد لاتتقبله الحكومة البريطانية فهو ضرب الزوجة. استُدعي الزوج وسُئل عما اراده بتلك الوحشية. بذل المترجم جهداً كبيراً ليوضّح ان تلك المرأة كانت امرأة سيئة جداً وكانت قد طُلِّقت قبل بضعة اشهر بسبب سوء خلقها وان لدى الزوج مستند لايرقى إليه الشك بالطلاق من المحكمة الشرعية وانه لم يَرَ المرأة منذ القرار حتى تلك اللحظة. لكن صاحبنا لم يكن على استعداد لسماع أي تبرير. كان امامه انسان من احطّ الأنواع، ضارب الزوجة، واصدر حكماً بعقوبة ثلاثة اشهر من الأشغال الشاقة.
لو ان النبي نفسه قام من قبره في سوق المدينة فجأة، ماكان ليُحدث هياجاً وضجة اكبر. لم يكن ثمة شك في ان الجنون قد ضرب حكيمهم. ومثل ذلك كانت احاديث الغيبة في المقاهي. كان الوضع مزرياً. كل حياتهم الإجتماعية نُسِفت في لحظة. ألَم يكن النبي نفسه (وعليه السلام) قد وضع في القرآن ضرب الزوجات الناشزات؟ ولم يبالِ احد بان القضية كلها كانت ملفّقة. وكان السؤال: “متى وكم مرّة ضرب كل منا زوجته، وهل ستقدّم هي ايضاً التماساً، وهل سنمضي نحن ثلاثة اشهر اشغال شاقة؟ وعلاوة على ذلك، كيف سنحافظ على مظاهر الطاعة لدى النساء ان كانت ستحدث امور كهذه؟
اصبح المترجم طبعاً واسع الاثراء عن طريق وعوده باتلاف أي التماس كهذا قبل ان يصل الحكيم. لكن الضابط المسكين وجد نفسه غارقاً في طلبات من زوجات لم تكن لديهن بصيرة رؤية عواقب مقابلة المترجم. عوقب الجميع بالعقوبة نفسها ودبّ الرعب في كل مكان.
لكن الله رحيم، فاصاب الحكيم في هذه الحالة بالملاريا. لكنه مع ذلك اتخذ سبيله إلى الدائرة، وإن كان رأسه ينفجر.
كان منتصف فصل الصيف، وكان النهر يجري امام مدخل دائرته، وظل الباب مفتوحاً عسى تتسلل منه نسمة لطيفة. غرق في كرسيّه، وقال لمترجمه انه لن يرى أي طلب عدا النسوة اللائي يردن مساعدته لتخليصهن من سوء المعاملة. كان طيباً حقاً ومحباً للخير، وكان رأسه ينفتح وينغلق تحت تأثير ضربات بدت وكأنها طلقات رصاص في كل اتجاه.
المرأة المثيرة، من أي عرق بشري كانت هي امتحان في أي وقت، غير انها اذا كانت امرأة عربية تعاني الضيم فانها تصرخ غاضبة، ومن المستحسن جداً ألاّ يكون المرء مصاباً بالصداع في مثل تلك اللحظات. كانت المشتكية امرأة من هذا الصنف. دخلت بصحبة زوجها، رجل ضئيل مسالم جداً وغير ذي قيمة. اخذت تشكو، وفي غضون دقيقة اصبحت اعصاراً هائجاً. تتدفق الكلمات من فمها وصوتها يعلو اكثر فاكثر كل دقيقة حتى بلغت اعلى درجة تستطيع الوصول إليها، ومن تلك اللحظة امتلأت الدائرة بصرخة جشّاء طويلة. امسك الحكيم براسه التي تكاد تنفلق. تمتم وغمغم بضع كلمات للمترجم، “اوقفها، اكراماً لله، اوقفها!” بُذلت جهود استثنائية. صحيح انها توقفت للحظة، لكن ذلك لم يكن إلاّ لكي تستجمع قواها واقناع الحكيم بعدالة قضيتها. كان المسكين في هذه اللحظة بالكاد واعٍ. كانت حرارته تجاوزت اﻠ 104 .وكانت اضواء غريبة تتراقص امام عينيه، وبدا ان جسمه كله كان يحترق بالتغيّر العنيف الذي يجتاحه صاعداً إلى رأسه. توقفت لحظةً. تطلّع إلى الأعلى. تكلّم. “ياللجحيم! ارموها في النهر!” كانت كلماته المسموعة الأولى. طبعاً ظن الزوج انها الجملة الأكثر رعباً. فسأل المترجم وهو يرتجف عما قاله الحاكم. قدّم المترجم ترجمة حرفية. كانت ثمة صرخة “الحمد لله”، ووقف امام عيني الحكيم جمهور مضطرب، كومة من الأجواخ المتصارعة والصراخ ــ اعقبتها موجة صمت ذات مغزى. عظيم كان المرح في المقاهي تلك الليلة. انتهى عهد السيطرة النسوية القصير، واتفق الكون كله على ان النبي كان بكل تأكيد وبكل ثقة رسول الله .
الكتاب :THOMAS LYELL – The Ins And Outs Of Mesopotamia LONDON 1923
توماس لايل – دخائل بلاد مابين النهرين : رؤية بريطانية للاعراف الاجتماعية والطقوس الدينية لشيعة العراق ترجمة : وليد خالد احمد ، الطبعة الاولى ، مكتب الجزيرة للطباعة والنشر، بغداد ، 2019
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب