18 ديسمبر، 2024 7:15 م

عقيدة المسلمين في حب الانبياء والأئمة والصالحين

عقيدة المسلمين في حب الانبياء والأئمة والصالحين

للمسلمين بعمومهم عقائد متفق عليها وصارت من المعلومات من الدين بالضرورة ، و أولها واهمها-دون توسع- توحيد الله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، فيتحرزون ويتحوطون من كل مايؤدي الى الاشراك او يومي اليه او يشتبه به ،
لذا فانك ترى فريقا منهم بالغ في ذلك تحسسا من الأمر حتى صار يتوجس من اي دعوة للحب المغالي حتى لرسول الله عليه الصلاة والسلام ان كان يرفعه الى الاقتراب من مرتبة حب الله والمس بعقيدة توحيده ، فيبرز اعتراض اهل التصوف والتشيع والتوسل وامثالها بان هذه عقيدة جافة و طريقة “وهابية”، و ما الى ذلك من تسميات ، الا انها عند اصحابها “عقيدة السلف والتوحيد والتنزيه” ،
فيعترض جانب من الميسرين المتساهلين ان هذا التشدد سينقص من مكانة النبي ويؤدي الى مساواته بعباد الله الآخرين في اشكالية جدلية بين انه فوق مرتبة البشر وهذا مالم ينزل به سلطانا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ وبين انه بشر ومن عباد الله دون شك ولكنه يوحى اليه ، وهذه مرتبته فعلا بنص القرآن ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ﴾، ولكن طاعته من طاعة الله ومحبته من محبة الله وليست مساوية او مكافئة. ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾والنهي عن مخالفته ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ يقول الشيخ محمد رشيد رضا: “ودلت هذه الآية على عصمة الرسول عن جميع الذنوب، فلو صدر الذنب من الرسول لجازت مشاققته، لكن مشاقته صلى الله عليه وسلم محرمة بهذه الآية فوجب أن لا يصدر الذنب عنه، ودلت أيضا على أنه يجب الاقتداء بالرسول في أفعاله،،،” انتهى كلامه رحمه الله.
اذن هي المحبة والمكانة التي امر بها الله والتي تجر التأدب في حضرته حيا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾وميتا والتزام الصلاة عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ “وذِكر صلاة الملائكة مع صلاة الله ليكون مثالا من صلاة أشرف المخلوقات على الرسول لتقريب درجة صلاة المؤمنين التي يؤمرون بها عقب ذلك، والتأكيد للاهتمام” كما قال ابن عاشور رحمه الله.
فلم تكن عقيدة امة المسلمين كعقيدة الامم السالفة من المنكرين المكذبين الضالين ولا من المغالين المقتصرين على الاعتراف بانبيائهم دون انبياء الله الآخرين أو من الذين يتخذونهم آلهة من دون الله او شركاء له في ملكه ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾
ويرشدنا القرآن العظيم لذلك بشكل جلي ، فعندما قالوا للنبي نريد منك كذا وكيت ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَٰبًا نَّقْرَؤُهُۥ ۗ﴾ قال له الله تعالى
﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا﴾
لكن الأمة الوسط مأمورة ان تعترف بكل الانبياء ومهدية ان تتبع اوامر الله الجلية في كتابه وعلى لسان رسوله ، و لن تتساهل في ذلك ارضاء للمبتدعين و لن تتشدد مجاراة للتكفيريين ،{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
فالمسلمون يحبون ولايعبدون ، يحزنون ولايلطمون ولايغالون ، يبغضون وينكرون مواقفا خطأ حصلت في القرون الاولى ولايشتمون ،لان “خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه” فكيف ينقد المفضول الفاضل الا ان يتأدب في نقده ويترحم على من اخطأ منهم طالما لم “يشاقق الرسول” ويشذ “عن سبيل المؤمنين” ف ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ يقول الشيخ السعدي : “كررها الله تعالى مرتين في السورة, لقطع التعلق بالمخلوقين, وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان, لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال, لا بالانتساب المجرد للرجال” وكذلك لايغني لومهم او الانتقاص منهم ان كانوا على خطأ ، يقول الشيخ طنطاوي : المعنى “فعليكم أن تسلكوا طريق الايمان والعمل الصالح وأن تتركوا الاتكال على فضائل الآباء والأجداد فإن كل نفس يوم القيامة ستسأل عن أعمالها دون أعمال غيرها، كما بين ذلك قوله تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).”انتهى كلامه رحمه الله.
فالمسلمون الحق لايتعبدون الصالحين بل يعبدون الله الذي خلق الصالحين.وانما الصالحون والعلماء والاولياء لهم التوقير والاجلال ، قال صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”. رواه الترمذي وغيره. فخف على نفسك ايها المتبع المسكين ولاتخف على اولياء الله وال بيت نبيه ﴿ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
والمسلمون الموحدون لايستعينون الا بالله ولايستغيثون الا بالله ولاحتى برسول الله ، فالرزاق الله فلا يقصدون الحسين ليرزقهم ،والمعطي الله فلا يزورون عبد القادر ليعطيهم اولادا ، والحامي الله فلايشدون الرحال لجلال الدين ليحميهم
وعدم الزيارة لاتعني البغض وعدم التوسل لايعني الانتقاص ، لكن حب الله الذي خلق الكل ملأ القلوب ، والايمان بالله الذي خلق اولئك واماتهم وسيميت الآخرين وياتي بغيرهم .فان كانت للاتعاظ والاعتبار والسلام على السابقين فلا باس ، قال السيوطي:
“فأما إن قصد الصلاة عندها [اضرحة الاولياء]، أو الدعاء لنفسه في حوائجه متبركا بها راجيًا للإجابة عندها، فهذا عين المحادَّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه وشرعه، وابتداع دين لم يأذنْ به الله ولا رسوله، ولا أئمة المسلمين” (الأمر بالاتباع) ص 63 .انتهى
فكيف يستعين ميت بميت ، وكيف يستغيث ضعيف بضعيف .
والذين آمنوا اشد حبا لله ، فالمسلمون يحبون الله ويحبون من دونه من الصالحين ولكنهم لايتخذونهم اندادا لله ولايحبونهم كحب الله. ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ﴾
ويحبون الصحب ولايقدسونهم وكذلك اهل البيت الاطهار والعلماء ولايسبون احدا ويتجاوزون عن مخطئي الرعيل الاول حملة الرسالة لمقامهم عند رسول الله بل لمقامهم عند الله عز وجل ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍۢ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾
وحساب مخطئهم على الله فمهما فعلنا فلن نبلغ مكانتهم او نكون اندادا لنقيمهم او ننقدهم “عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَسُبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدَكم أَنْفَقَ مثل أُحُد، ذهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفَه».
فالمسلمون يحبون و لايعبدون ال البيت ولا الصحابة و لا الانبياء ، فلا عاطفة تجر الى المغالاة ،ولا عصبية تقود الى المعاداة.
وصل اللهم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته حملة الرسالة المنتجبين وعلى تابعيهم الفاتحين الغر الميامين ، ومن سار على نهجهم وتبعهم الى يوم الدين ، وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين .