عقيدة “المخَلَٓص” محور الصراع المقدس في الشرق الأوسط

عقيدة “المخَلَٓص” محور الصراع المقدس في الشرق الأوسط

منذ قيام ما يسمى بدول اسرائيل 1948 عانت القضية الفلسطينية، عبر عقود طويلة من الصراع العربي الاسرائيلي، من مشكلة “عدم التكافؤ”.
عدم التكافؤ كان واضحا دوما في مجالات التسليح، التكنولوجيا، الاستخبارات، الدعم الدولي والنفوذ السياسي والمالي والماكنة الاعلامية الهائلة التي يسيطر عليها الصهاينة عالميا، كل ذلك كان صحيحا من المنظور العملي، لكنه لم يكن يوما جوهر “عدم التكافؤ” الحقيقي الذي عانت منه القضية الفلسطينية عبر كل ازمنة الصراع.
إن جوهر عدم التكافؤ يكمن في عقيدة الصراع، تلك العقيدة التي بنيت عليها الحركة الصهيونية وحملت عليها آلاف البشر من اليهود المهاجرين إلى أرض الميعاد.
لقد قامت الصهيونية على عقيدة مركبة من جزئين يتفقان في الطريق ويختلفان في الغاية، فهما معا يحملان مشروع إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين.
الجزء الأول كان الرواية اليهودية التي تبشر بالمخلِّص “المشيح” أو “المسيِّا” الذي يظهر بعد قيام دولة اليهود وبناء الهيكل على الأرض التي منحها الله لابراهيم ونسله كما يدعون.
اما الجزء الثاني فهو الرواية الانجيلية البروتستانتية التي تبنتها الكنائس الانجلوامريكية التي تؤمن بالقيام الثاني للمسيح على الأرض بعد قيام دولة اليهود حيث ولد، حينها سيدخل اليهود تحت دينه ويقتل من كفر، ولعل هذه العقيدة “الانجيلية البروتستانتية” هي أساس الحركة الصهيونية كما يشير الكثير من الباحثين، وليست اليهودية هي أصلها كما يشاع.
بالمحصلة اتفق الجزآن على السير في طريق واحد وهو “قيام الدولة اليهودية” مع اختلافهما في هوية “المخلص” خلافا مؤجلا ما دامت الدولة لما تحقق كل اركانها “من النيل إلى الفرات ارضك يا ابراهيم”.
هذه العقيدة الراسخة التي لم تتزعزع طيلة الصراع العربي الاسرائيلي، قابلتها الوان من التوجهات والايديلوجيات التي تبناها الجانب العربي، منها الوطنية او القومية فضلا عن الحركات الماركسية التحررية إلى جانب الإسلامية القائمة على ارث العداء التاريخي، كل تلك الأفكار اتخذت مختلف الاشكال من المواجهة الشعبية والعسكرية النظامية وغير النظامية اضافة إلى الثورات والانتفاضات، لكنها جميعا لم تكن على مستوى التكافؤ من حيث العقيدة فضلا عن الجوانب المادية الاخرى.
إن عقيدة المخلص لا تكافئها الا عقيدة المخلص، لذا شهدنا عبر كل تلك العقود فشل وانحسار كل اشكال المقاومة حتى على المستوى النفسي للامة العربية والاسلامية الا عن عقيدة واحدة صمدت في هذا الصراع، وهي عقيدة “المهدي”، المهدي الذي ليس على النسخة السنية المفرغة من الهوية والمضمون او التحفيز والانتظار ناهيك عن التمهيد كما يفعل الصهاينة المسيحيون واليهود معا.
إنما هي عقيدة “المهدي” على النسخة الشيعية التي تنبض بالحياة مع كل جيل وتشعل روح المقاومة بل تتعداها إلى مرحلة التمهيد والاستعداد بل و”اقامة الدولة” …
هذه العقيدة التي تعتبر الضد النوعي لعقيدة الصهاينة، إن لم تكن هي هي بنسختها الإسلامية.
هنا تكمن نقطة التكافؤ وجوهر القضية ومحور الصراع المقدس في الشرق الأوسط بين الأديان الثلاثة التي تنتظر “المخلص” الذي يحكم العالم.
بغير تلك العقيدة لن ينجح أي مشروع لمواجهة الكيان الصهيوني المجرم، كما لم يكن هذا الكيان لينجح في وجوده دون تلك العقيدة.
حتى السياسيين الذين لم يؤمنوا بهذه العقيدة لم يستغنوا عن توظيفها لتحقيق طموحاتهم ومصالحهم، ومن كلا الطرفين وفي كلا الطرفين.
لقد يأست عبر العقود روح الوطنية في حق العودة ورضيت بالهم (حل الدولتين) وما رضي بها، وماتت القومية في مشروع التحرير، وانحسرت أو تلاشت الإسلامية في شعار أولى القبلتين، بل بدأ الدين الجديد “الابراهيمية” بنسخته الترامبية يتسلق على منابر المسلمين.
حتى جاء زلزال السابع من أكتوبر ليعلن انتهاء كل اشكال المقاومة على مستوى الشعوب العربية والامة الإسلامية الا الشيعية منها، ورغم أن حماس ذات هوية سنية إلا أنها لم تكن لتفعل ما فعلت لولا الدعم الشيعي بل ان غزة تركت إن لم نقل حوربت من حكومات العرب وخذلت من شعوبهم.
لم تكن ايران قادرة على بناء محور مقاوم دون عقيدة “المهدي” وحتى بعد انكسار المحور الايراني، ستبقى عقيدة “المهدي” خلاقة لاشكال المقاومة ولعلها ستزداد قوة كلما تخلصت من المستثمرين فيها سياسياً، وهذا ما ينتظر العراق الذي كان وسيكون مركز هذه العقيدة.
العراق “بابل” التي تحذر منها التوراة، العراق “الكوفة” التي تبشر بها الروايات عاصمة للمهدي، ليس ذلك اوهاما تاريخية أو روايات من قصص المنابر، إنما هو عقيدة تتحكم بعقلية صناع القرار في تل ابيب وتاثيرهم على البيت الأبيض والغرب.
اسرائيل وصلت أقصى درجات الوضوح في تطرفها وهيمنة اليمين الديني الذي لا يخجل من إعلان عقيدته أمام العالم.
لن يقابلها الا من لا يخشى إعلان عقيدته … والكل ينتظر “المخلص” …
ملك بابل أو مهدي الكوفة مقابل مشيح أو مسيا اليهود أو مسيح البروتستانت، هذا هو محور الصراع المقدس على ارضنا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات