22 ديسمبر، 2024 7:52 م

عقول وسبعين ألف نخلة.. ما بين الإستثمار والإستحمار

عقول وسبعين ألف نخلة.. ما بين الإستثمار والإستحمار

لا يخفى على المتتبع للشأن العراقي والإقليمي, ملاحظة الفارق الكبير والبون الشاسع, من التخلف العمراني والتعليمي والإقتصادي, الذي يعانيه العراق, قياسا بدول الجوار، فالطفرات الكبيرة والواسعة, التي حققتها تلك البلدان, في نموها الإقتصادي, جاء نتيجة لإستثمار العقول, وتسخيرها بالشكل الصحيح، أما في بلاد السواد.. صاحب أول حضارة في العالم, ومعلم البشرية أصول القوانين والكتابة, كان منحى المسير سلبيا نتيجة لإستحمار العقول.
الطاقات الموجودة في البلاد, لا يمكن إختزالها بالطبقة السياسية الحاكمة, فالمواطن البسيط قد يتصور, أن إنحدار البلد نحو الهاوية, كان نتيجة لعدم وجود طاقات وعقول, قادرة على إعادة العراق إلى مصاف الدول الناهضة، والحقائق تقول عكس ذلك.
سنذكر بعض الأمثلة, للإستثمار الإيجابي للعقول, وتسخيرها للنهوض بالواقع الخدمي والعمراني والأقتصادي.. فالعتبتين الحسينية والعباسية ونتيجة لوجود قيادات, وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب, فحققت مالم تستطع الدولة تحقيقه خلال خمسة عشر عاما.. مجمعات سكنية ،مستشفيات وجامعات بأعلى المستويات, مزارع وحقول لتربية المواشي والدواجن, معامل للمنتوجات الغذائية، وزراعة أكثر من سبعين الف نخلة من أجود أنواع التمور, وفي صحراء كربلاء بالإعتماد على أنظمة ري متطورة, ومن أبار إرتوازية، والرقعة في توسع لتشمل جميع المحافظات الوسطى والجنوبية.. منجزات تحققت على أيدي رجال دين, وضعوا وأستثمروا العقول والطاقات الموجودة في البلاد.
القريب من هذا النموذج, والمتتبع بالأرقام ستتولد لديه قناعة كبيرة, بأن هذه الإنجازات نجحت, لسببين أساسين, أولهما إبتعادهم كمؤسسة عن الروتين الوظيفي والإداري, الذي تعاني منه مؤسسات الحكومة, وما يرافقه من تهم فساد.
ثانيهما إستثمار العقول.. وبالتأكيد أن كل هذه المشاريع لم تكلف الدولة فلسا واحدا ,بل وعلى العكس رفعت عن كاهلها, تشغيل ألاف الشباب, العاطلين عن العمل, الذين وجدوا ضالتهم, في كنف قيادة, إحتوتهم وأستثمرت طاقاتهم.
على النقيض من ذلك, حكومة بكل إمكانيتها إستحمرت العقول ولازالت.. فركنتها في رف النسيان, وتعمل جاهدة, على مدى عقدين من الزمن, للعب بمقدرات الشعب, وحتى الطاقات التي تحاول النهوض, بما هو ممكن وموجود, وتحاول وضع بصمة في مجال عملها, تحارب ويضيق عليها بشتى الطرق، فالجيوش الإلكترونية جاهزة, لكل عقل ناجح ولكل رجل نزيه, لتسقيطه بشتى الطرق حتى وأن أضطرت للطعن بمقدساته, ولنا في وزارة الشباب أنموذج للنجاح ومن خلفها رجل دين.
لم تحاول الحكومات المتعاقبة الإستفادة من التجارب الناجحة في العتبات المقدسة بإستثمار العقول وتسخيرها لبناء البلاد, بل على العكس من ذلك جلبت لنا عقول حمير.. فوضعتها في مواضع القرار والتحكم بمقدرات البلاد، وزارات مثل الكهرباء والتربية والصناعة والزراعة, والتي هي في تماس مباشر, مع حياة المواطن اليومية, تحكم وتدار بعقول أقل ما يقال عنها, أنها عقول خاوية.. لا تعرف غير كيفية السرقة, وتحاول جاهدة إذلال المواطن وإيصاله إلى نقطة اللاعودة في إعادة الثقة بالعملية السياسية ومخرجاتها.
سبعون الف نخلة هل هي كفيلة بإنقاذ العراق من مأزقه الكبير؟
بالتأكيد لا.. لكنها نموذج نحتاج لنفكر فيه كثيرا, فإكرام العقول وتسخيرها في المرحلة المقبلة, هو السبيل الوحيد لضمان, بقاء هذه الطبقة السياسية في المشهد السياسي, فالإنتصارات التي تحققت, والتي يتعكز عليها البعض, جاءت من كربلاء المقدسة وبحر نجفها ورجال دينها .
الناجح يحارب والفاشل يكافئ.. مفردة يتم التعامل بها في دهاليز السياسة العراقية، الخوف على الكرسي وضياعه, هو الهم الأكبر لغالبية ساستنا, وعقوبة الإنتخابات ودرس المقاطعة لم تكن بعيدة عنا.
المتعظ من يتخذ من السبعين الف نخلة شعارا له, ليحظى ببركة ثمارها في الموسم القادم.