23 ديسمبر، 2024 6:19 ص

عقول تتظافر وأخرى تتناثر!!

عقول تتظافر وأخرى تتناثر!!

الواقع العربي يحتشد بالغرائب السلوكية الخسرانية , التي تتسبب بهدر فائق للثروات العربية بأنواعها , ومنها الثروات العقلية.فالعقول العربية تُصنّع في بلدانها وتُستثمر في بلدان غيرها , ويبدو أن الدول الغربية ذات ذكاء إستثماري عندما إنطلقت بإنشاء الجامعات في الدول العربية في بدايات القرن العشرين , لأنها كانت تدرك بأن المجتمع العربي غير قادر على إستيعاب عقوله وستكون من حصتها , وقد صدقت رؤيتها , فمعظم العقول العربية النابهة تتفاعل في الدول الغربية وتساهم في صناعة الحضارة التي تنسب إليها وهي المصنعة بعقول الآخرين.
فالأجيال العربية تعوّدت على هذه الحالة وكأن المتميز عليه أن يهاجر , فالروح السائدة بأن المجتمع العربي يطرد عقوله لأنه بيئة غير حاضنة وإنما ضاغنة , بمعنى أنها تعادي عقولها وتقاتلها.
ومن الأمثلة على هذه السلوكيات الفتاكة , أن دولة كالعراق أنجبت عقولا ذات قيمة حضارية متميزة , لكنها أخرجتها من محيطها العراقي وألقت بها في غياهب الإغتراب والهجران , وتنافرت معها وتقاطعت وتعادت , حتى صارت الجامعات العراقية من أكثر الجامعات المصدرة للعقول , بل أن العراق قتل عشرات الآلاف من العقول في حرب الثمان سنوات , حيث تم الإجهاز على أرقى العقول وأكثرها معرفة وقدرة على الإبداع والعطاء الحضاري الأصيل.
ولا تزال المجتمعات العربية تقاتل عقولها مما أوصلها إلى هذا الحال , الذي يتحكم بمصيرها الأغبياء والبقلاء من ذوي العاهات النفسية والفكرية والسلوكية , والذين تم تصنيعهم في مختبرات إمتهان الشعوب ومصادرة ثرواتها ومصيرها وتأريخها ومحق هويتها , بواسطة أبنائها المدجنين المعفرين بالخطايا والآثام والتواصلات العدوانية على الحضارة والإنسان.
ففقدان المجتمع العربي لعقوله والإستهانة بها من أهم الأسباب التي أودت بالحياة العربية المعاصرة , وألقت بها في غياهب الضلال والبهتان , وما دام العقل العربي مُحارب ومُهان , فأن المصير لن يكون بأحسن وأرقى مما كان وما هو كائن وعنّان.
وهناك بعض المجتمعات العربية التي تحاول أن تعز عقولها , وتأتي في مقدمتها مصر التي حافظت على نخبة رموزها العقلية في مجالات الحياة المتنوعة , وأسهمت في تواصل الأجيال بقدرات عربية متميزة , ولهذا تفاعلت مع الواقع العالمي المعاصر بقدرات عقلية أفضل من الآخرين.
وعليه فأن العودة العربية إلى إحترام العقل وتعزيز قيامه بدوره , والتعبير عن طاقاته في مكانه الذي ولد فيه من أهم المرتكزات , التي تستوجب العمل الصادق الدؤوب من قبل جميع الدول للنهوض بالواقع والوصول إلى مدارات الحياة المعاصرة.