22 ديسمبر، 2024 4:59 ص

عقلية الحزب الشيوعي: تبرير لكبح التغيير

عقلية الحزب الشيوعي: تبرير لكبح التغيير

الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان في فترة من الفترات رمزاً للنضال من أجل حقوق الفئات المستضعفة، يواجه اليوم تحديات كبيرة على مستوى الفكر والممارسة. في السبعينات، بعد دخوله في تحالف مع نظام البعث بقيادة صدام حسين تحت شعار “الوحدة الوطنية”، أظهر الحزب تخبطاً في مواقفه عندما صمت تماماً ولم يندد بجرائم صدام حسين، ولم ينطق ببنت شفة حيال قمع انتفاضة الزوار الشيعة في الانتفاضة الشعبانية، الذين جاءوا مشياً على الأقدام لزيارة مرقد الإمام الحسين. لم يتخذ الحزب أي موقف يحترم دماء شهداء تلك الانتفاضة، مما يثير تساؤلات حول مصداقيته ومدى التزامه بالمبادئ الإنسانية التي يدعي تمثيلها. فإذا كان الحزب غير مكترث لدماء شعبه، فما قيمته إذن؟

صمت الحزب لم يكن موقفاً عابراً، بل كان نتيجة لمصالحه مع صدام، التي تطلبت أن يخرس أمام جرائم النظام. وكما خرِس في تلك اللحظة، فقد خرِس أيضاً في مناسبات لاحقة، كما سنرى.

في قضية أخرى، لم يكن موقف الحزب من مجازر “بشتاشان” الأولى والثانية التي تعرض لها أعضاؤه على يد جماعة جلال طالباني مختلفاً. بدلاً من اتخاذ موقف صارم أو مراجعة علاقاته السياسية، اختار الحزب الصمت واستمر في تحالفاته السياسية. المجزرة الأولى التي وقعت في عام 1983 تلتها مجزرة ثانية، حيث تعرض أعضاء الحزب الشيوعي لهجمات وحشية أدت إلى مقتل وأسر العديد منهم. ورغم هذه الجرائم، لم يندد الحزب بها بشكل علني أو يتخذ موقفاً حازماً.

بعد سقوط صدام حسين، حين تولى جلال طالباني منصب رئيس الجمهورية، التقى الحزب الشيوعي به واستمر في علاقته معه، متجاهلاً بذلك دوره في تلك المجازر. إن هذا اللقاء يعكس انتهازية الحزب، حيث كان يفضل الحفاظ على مصالحه السياسية بدلاً من تحقيق العدالة أو التمسك بالمبادئ التي يدعي الالتزام بها.

ورغم التظاهرات المستمرة التي يدعمها أو يقودها الحزب الشيوعي، فإن هذه التحركات لم تنجح في تغيير عقليته القديمة. هذه التظاهرات، رغم أهميتها في التعبير عن الغضب الشعبي والرغبة في التغيير، لم تفض إلى تحول حقيقي في فكر الحزب أو دفعه لإعادة النظر في نهجه. فقد أصبح واضحاً أن النظام الذي يعتمده الحزب قد تعفن وأكل كل ثماره، ولم يعد قادراً على إنتاج شيء جديد. إن بقاء الحزب على نفس النهج سيؤدي إلى المزيد من التراجع وفقدان الدعم الشعبي، إذ إن الظروف الحالية تتطلب أكثر من مجرد شعارات قديمة لا تتناسب مع التحديات المعاصرة.

وعلى الرغم من أن اسم الحزب يحمل في طياته صفة “الشيوعية”، إلا أن ممارساته على الأرض تكشف عن انفصال واضح بين الاسم والموصوف. الحزب الذي يحمل راية الشيوعية لم يكن في الواقع شيوعياً بحق؛ فزمن الحكم الشيوعي الحديدي، الذي يدعي الحزب الانتماء إليه، قد ولى إلى غير رجعة. والأمر الذي يدعو للاستغراب هو كيف يمكن لحزب يدعي الشيوعية أن يتحالف مع أنظمة قمعية ويصمت على جرائم ضد الإنسانية؟ وهنا يصدق المثل المصري الشهير: “اسمع كلامك أصدقك، أشوف عمايلك أستغرب”.

الحقيقة المؤلمة هي أن الحزب الشيوعي العراقي لم يكن يوماً شيوعياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشيوعية الحقيقية تعني الوقوف إلى جانب الشعب والدفاع عن حقوقه، وليس الانغماس في تحالفات انتهازية تتناقض مع المبادئ الأساسية. إن الحزب بحاجة ماسة إلى إعادة تقييم جذري، ليس فقط لأفكاره ومواقفه، بل أيضاً لهويته وأهدافه.

نصيحتي للحزب هي أن يعيد التفكير في مسيرته بشكل جدي، ويضع مصالح الشعب العراقي بكل أطيافه في مقدمة أولوياته. إن قوة الحزب لا تكمن في الشعارات فقط، بل في قدرته على التواصل مع المجتمع بكافة مكوناته والعمل من أجل تحقيق العدالة والحرية للجميع.

كيف يطمح الحزب الشيوعي إلى تحسين أحوال الشعب إذا لم يكن مستعداً لمراجعة نمطية تفكيره وتغيير نفسه؟ الحزب يفتقر إلى التفكير الإنساني الضروري لكسب الشارع العراقي وعليه أن يكون جاداً في فهم ديموغرافية الشعب العراقي بمختلف أطيافه. لا يمكن لحزب أن يتخذ موقفاً من دين ما، خاصة وهو جزء من النسيج الاجتماعي ذاته. إذا كان الحزب يريد أن يمثل احتياجات وتطلعات الشعب ويقدم خدماته، فعليه أن يضمن أن نظامه الداخلي وأهدافه تعكس تمثيلاً حقيقياً لمختلف الأطياف وليس مجرد نفاق حزبي. من غير المقبول أن يظل الحزب في موقف يشبه الطائفة الدينية التي تكفر من لا ينتمي إليها. كيف يمكن لهذا الحزب أن يكون جزءاً من بناء وطن حر وسعيد إذا لم يكن قادراً على التفاعل بصدق مع شعبه؟