اذا كانت جملة من قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد أربكت المشهد السياسي الكردي, وخصوصا ما ارتبط منها برواتب موظفي ومتقاعدي اقليم كردستان والانتخابات, فإن حكمها بإسقاط عضوية محمد الحلبوسي من البرلمان, وبالتالي فقدانه منصب الرئيس, قد تسبب بهزات عنيفة في المشهد السياسي السني, بحيث أنه رغم مرور أربعة شهور على تنحية الحلبوسي, ما زال كرسي رئاسة السلطة التشريعية شاغرا, جراء التقاطعات والخلافات الحادة بين قوى وزعامات المكون السني.
فبينما يصر حزب تقدم بزعامة الحلبوسي على الاحتفاظ بالمنصب باعتبار أنه يمتلك الغالبية البرلمانية ضمن المكون السني-43 مقعدا-يرى خصومه من تحالف السيادة وتحالف عزم وتحالف حسم, أن منصب رئاسة البرلمان وفقا للعرف السياسي القائم, هو من حصة المكون السني, من دون التقيد بعنوان سياسي معين, واي اختيار لابد أن يخرج ويتبلور من خلال التوافقات والتفاهمات السياسية في دائرة المكون السني من جانب, وفي الفضاء الوطني من جانب آخر, حيث أن تجارب العقدين الماضيين, أثبتت واكدت حقيقة أن الأرقام الانتخابية ليست هي العنصر الحاسم في تبوء المناصب والمواقع العليا للدولة في العراق, بقدر ما كانت التوافقات والتفاهمات والصفقات والمساومات هي التي تخرج الخلافات والازمات من عنق الزجاجة!.
وإذا افترضنا أن الحلبوسي استطاع من خلال رئاسته للبرلمان منذ عام 2018 أن يكون أحد الشخصيات أو الزعامات السياسية العراقية الكبيرة, وان يشكل حزبا-حزب تقدم-نجح في أن يتصدر المشهد السياسي السني ويزيح منافسيه جانبا في غضون اعوام قلائل. فمن الطبيعي جدا أن يفقد الكثير من التأثير والمحورية والنفوذ حينما يفقد رئاسة البرلمان, وربما يفقدها بالكامل بعد فترة من الزمن, لاسيما إذا الت الرئاسة إلى شخصية سياسية من خارج حزبه. ولعل هذا ما يتوجس منه ويخشاه كثيرا, ويجعله يستقتل من أجل أن لايفقد كل شيء مرة واحدة.
ليس هذا فحسب, بل إن قوة حزب تقدم ترتبط بوجود رئيسه في قمة السلطة، وازاحته منها لابد أن تفضي إلى تشتت وتشرذم الحزب, وربما لاحقا انهياره بالكامل، ولعل مؤشرات ذلك الامر اخذت تلوح في الافق مبكرا، من خلال انسحاب عدد من اعضاء الحزب، وخصوصا من هم في البرلمان، وانخراطهم مع التحالفات والكتل السنية الاخرى، وهذا يعني امكانية فقدان حزب الحلبوسي للاغلبية التي يتسلح بها وهو يخوض معركة الاحتفاظ بكرسي رئاسة البرلمان.
ولعل هناك مسألة مهمة ينبغي الاشارة اليها، وهي ان المكون السني لايمتلك زعامات وقيادات سياسية حقيقية ترتكز لقواعد جماهيرية واسعة، وغالبا ما تقترن الزعامة فيه بالموقع الرسمي في الدولة، من قبيل رئاسة البرلمان او غيره، وما يؤكد ذلك، هو ان كل رؤساء البرلمان السابقين كان لهم حضور قوي ومؤثر حينما كانوا في السلطة، بيد ان ذلك الدور سرعان ما كان ينحسر ويتلاشى بعدما يغادرون المنصب بصرف النظر عن الاسباب والظروف. وأغلب الظن أن الحلبوسي لن يكون استثناءا من هذه القاعدة, رغم تشكيله كيانا حزبيا نجح في تسجيل حضور جيد في الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في الثامن عشر من شهر كانون الأول-ديسمبر الماضي.
ولعل حراك القوى والشخصيات السياسية السنية المنافسة للحلبوسي وحزبه، يؤشر بوضوح إلى أن هناك توجها جادا لانتزاع رئاسة البرلمان منه.
وبحسب بعض التسريبات, فإن الحلبوسي بات يدرك عدم جدوى كل محاولاته ومساعيه في الاحتفاظ بالمنصب لحزبه, لذلك راح يبحث عن مواقع ومناصب تعويضية، يضمن من خلالها بقائه في دائرة الحضور والتأثير ونيل المكاسب.
وفي الوقت الذي تصاعدت فرص النائب سالم العيساوي في تبوأ المنصب بعد اتفاق تحالفات (السيادة وحسم وعزم) على ترشيحه، فان فك عقد رئاسة البرلمان لايعني انهاء الازمة بقدر القفز عليها في هذه المرحلة، للانتقال الى المراحل الاخرى اللاحقة، التي يبدو انها قد تشهد ترضيات وتنازلات ووساطات ربما تكون شكلية، لانها في نهاية الامر من الصعب بمكان ان تعيد حزب الحبلوسي الى صدارة المشهد، ان لم تفضي الى عزله وتحجيمه وتهميشه وتفكيكه.
—————————-
*كاتب وصحافي عراقي