وقعت الأغلبية الشيعية في العراق بعد 2003 في العديد من المشاكل التي أوشكت جراءها على تفويت فرصة التعامل مع الواقع الجديد بما ينعكس إيجابيا على إثبات وجودها كعامل توازن في خضم تقاطع المصالح العالمية وتوسع الأفكار الأيديولوجية في المنطقة.
أغلب تلك المشاكل تعود للقصور في تفكيك المفاهيم والانسياق بدوافع عاطفية وراء شعارات بعيدة عن واقع الحال الذي تعيشه المنطقة.
يمكن القول أن شيعة العراق لديهم من مقومات الصمود وإثبات الوجود مالم يك متوفرا لغيرهم في بقية دول العالم.
من اهم تلك المقومات هي المرجعية الدينية التي تمتلك السلطة الروحية على ابناء الطائفة وتعتبر المشخص المؤتمن للمصلحة العليا والموجه الموثوق لما يجب أن تكون عليه الأمور.
يضاف إلى ذلك القاعدة الجماهيرية الواسعة التي تدين بالولاء والطاعة لقيادتها الروحية والمتمثلة بالعشائر والنخب الواعية ناهيك عن الموارد الطبيعية والخيرات التي فيما لو أستثمرت بالشكل الصحيح لأصبح الحال خلافا لما هو عليه الان.
لقد عانت الاغلبية من حرمانها من المشاركة في الحكم بناء على نزعات طائفية منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة الأمر الذي ولد انطباعا أثر في مساحات واسعة منها يدور حول إثبات الهوية وضرورة حسم جدلية الصراع بين الإنتماء الوطني الخاضع لمعايير الدولة وكيانها والذي تحدد مساحة حركته الحدود الجغرافية بين الدول وبين الانصهار في بودقة البعد العقائدي العابر للحدود والذي يتخطى الأطر القومية.
الواقع يشير إلى أن شيعة العراق وبرغم ظروف التهميش والاقصاء ومحاولات طمس الهوية وإلغاء الإرث الفكري في العقود الماضية إلا انهم اشد تمسكا بهويتهم الوطنية وإن طالتهم اتهامات لا أساس لها من الصحة حول ولاءهم لبلدهم او تبيعتهم لقرار خارجي، فهم سواء كانوا نخبا او جماهير لم يصدر منهم ما يسيء للحمة الوطنية .
ربما غاب عن ذاكرة الأجيال المتأخرة أن شيعة العراق، كانت وعلى مدى عقود_اما وقودا لحروب عبثية برغم ارادتها او ايد عاملة بصدق لبناء الصروح العمرانية بالبلد ، وأحيانا تكون الفرصة سانحة لبعضهم فتراه مبدعا في مجال تخصصه الأكاديمي متحديا الضروف القاهرة التي يتعرض لها جراء انتماءه المذهبي .
فوجيء ابناء تلك الطائفة أنهم أمام مفترق طرق وعليهم إختيار احد السبيلين والعمل على تعزيز رصيده بغية تأهيله للتحكم في رسم القرار السيادي للبلد.
بطبيعة الحال ان صراع من هذا النوع يستدعي تمترس كل طرف خلف المتبنيات العقائدية التي يؤمن بها مما يعني ان تلك المماحكات تجري ضمن النسيج الاجتماعي الواحد الذي تجمعه العديد من المشتركات.
لو كان الامر يقتصر على السجال الفكري الذي يبحث ويناقش ضمن اروقته الخاصة ومن قبل اهل الإختصاص سواء في عالم السياسية او المنتديات الفكرية لكان مصدرا للإثراء الثقافي ويعكس حالة نموذجية عن التعددية واحتواء وتفهم الآخر، لكن الأمر آخذ بمديات أوسع خصوصا عندما يصل الحال لإرغام الناس على القبول بالامر الواقع بالقوة واستخدام العنف والتصفية الجسدية.
لقد غاب عن أذهان مناصري فكرة الانتماء العقائدي ان الدول والمؤسسات التي تتبنى هذا الرأي هي بالأصل ملتزمة بما يمليه عليها العرف الدولي وقوانينه النافذة، لذا نجد مناصري البعد العقائدي غالبا ما يضعون أنفسهم في مواقف محرجة نتيجة تغير توجهات مراكز هذا البعد حسب ما تقتضيه مصالح الدول والمؤسسات الداعمة فتراهم يغردون خارج السرب بصورة تعكس التخبط والعشوائية في السلوك البعيد عن الضرورة الوطنية وبنفس الوقت عدم تأثيرهم في المعادلة الدولية التي ترى في الصراع الأيديولوجي الذي يعتمد التباين العقائدي في المنطقة لدرجة جعلهم أدوات معرقلة لحركة الإصلاح والتنمية في بلدانهم والأدهى من ذلك ان السنوات التي مرت لم تكن كافية لتعلم الدرس أو مراجعة شاملة للمواقف لحفظ ماء الوجه على اقل تقدير.