قبل 2003 كان لدينا في العراق مظلومية واحدة ..الشيعة هم فقط من يدّعونها ويلهجون بها صباحاً ومساءاً منذ قرون ..وعندما وصلوا للسلطة وحكموا أنفسهم بأنفسهم ..لم يتخلصوا من هذه (العقدة) ..بل تطورت وتنوعت أشكالها لديهم حتى صارت وسيلة من وسائل الدفاع والمحافظة على البقاء في أعلى هرم السلطة ..فبقوا يدعونها حكاماً ومحكومين !!
ثم وبعد عام 2003 مباشرة ظهرت مظلومية أخرى هي (مظلومية العرب السنّة) ..تلك المظلومية التي كان مفادها بأن العرب السنّة هم أهل العراق وهم أهل البلد الأصلاء وهم من أسس الدولة العراقية عام 1921 ويجب أن تبقى السلطة بأيديهم ..(ولهم الحكم …وللشيعة اللطم) …!!!
ثم كانت مظلومية ثالثة قد تكونت وتبلورت في ظروف خاصة هي مظلومية الأكراد ..وهذه المظلومية تستند على أحقية الكورد بحكم أنفسهم بأنفسهم وأنهم دفعوا الدماء والأرواح من أجل نيل حريتهم وأستقلالهم كما حصل لهم في عمليات الأنفال وحلبجة ..ورغم أنهم كوّنوا أقليماً خاصاً بهم إلاّ أنهم بقوا يدّعون المظلومية ويلهجون بها في كل المحافل والمناقل حتى الآن ويطالبون بأكثر من أستحقاقهم وحقوقهم لأنهم – حسب إدعائهم – أكثر مكّون وقع عليه الظلم ….فهم يومياً يتحدثون عن أقصاء وتهميش قد لحق بهم على أيدي الحكومة العراقية السابقة واللاحقة ..!!
وبعد سقوط مدينة الموصل وتداعياتها الخطيرة طرأت (مظلوميات )جديدة على الواقع العراقي ومكوناته الإجتماعية ..(مظلومية الأيزيدين) (مظلومية المسيحيين) (مظلومية التركمان) (مظلومية الشبك) هذه المكونات العراقية التي تعرضت للإبادة وهُجّرت من مناطقها بسبب توغل عناصر تنظيم داعش الأرهابي في مناطقهم وأكتساح مدنهم وقراهم ..أصبحوا اليوم بلامأوى ولاعمل وقد تقطعت بهم السبل ..وهم اليوم يدعون المظلومية ويقيمون الندوات والمؤتمرات في الداخل والخارج لتوثيق وتسيس هذه المظلومية الجديدة أقليمياً ودولياً !!
وهكذا أصبحت جميع مكونات الشعب العراقي اليوم تدّعي(المظلومية) وتعيش عقدتها إلى أبعد الحدود ..فهي والحال هذه لاتستطيع أن تبنى نفسها ولاتقدر على أن تتعايش مع بعضها ولاتقدر أن تذوب مع باقي المكونات العراقية بسبب هذا الشعور (النفسي) العميق ، مما أصبح التنافر والتجاذب والشعور بالحساسيية الزائدة قوياً بين هذه المكونات مما يعيق أي فرصة قريبة للعودة إلى المواطنة والشعور الوطني الواحد ….فأذا حكم الشيعي أصبح السني يشعر بالتهميش والإقصاء (وذهاب الحكم إلى إيران الصفوية) ..وإذا حكم السني أصبح الشيعي يشعر بالمظلومية والتهميش (وعودة التاريخ إلى دولة بني أمية) ..وإذا طالبت الدولة بفرض سلطتها على ثروات البلد وصيانة أراضيه صاح الأكراد بأنهم ظُلموا وعادت بهم دكتاتورية صدام وعلي كيمياوي ومجازر الأنفال ..!!
لاندري متى نتخلص من هذه المظلومية الجدباء النكداء ..التي لاتمسك مطراً ولاتنبت زرعاً ولاتبني لنا وطناً ولاتحفظ لنا شعباً …!!