ســؤال مــؤرق :
هـل فـعـلا عـقد الستينات من القرن الماضي؛ يُـعَـد من الزمن الجميل ؛ كما يردده العديد من النوستالجـييـن ؛ أم يعـتبر من الزمن الرديء؟
سؤال يندرج في سياق عِـبء التاريخ ؛ والتاريخ بالنسبة لنيتشه يمكن أن يهـدد الحاضر. فلا بأس من وجهة نظري؛ إن كان يهدد فعلى الأقـل يكشف عطاء الوهـم الذي كان يلبسه المرء طوال قيـد حيـاته ؛ وتم توظيفه بإتقان في صنع حياتنا وثقافتنا ؛ ليتـحقق للفاعـل مسـخ إرادتنا وتصـوراتنا عن الماضي وإن كان قريبا إلى حـد مـا؛ وبالتالي فعـقـد الستينيات ربما – جـميل – من زاوية الطرب والغـناء والاحتفالات الدينية والوطنية ؛ وأجواء دورالسينما ؛ ونمـط عـيش الأسـر المغربية ؛ في بساطتها ورغـد عَـيْـشها؛ من جانب التكافـل الاجتماعي ؛ والـتآزر والـتزاور والتـجـاور والتجمع الأسـري والعائلي بمناسبة أو دونها … ولكن من الزاوية الثقافية والأدبية تحديدا ؛ فمن خلال ما بصم في مجلات وقتئذ ؛ نستشف ونلامس الزمن الرديء؛ دون التركيز على ظـواهـر الاعتقالات والتعـذيب والمحاكـمات الباطلة والجائرة في حق من لا انتماء لـه ؛ إذ ظاهرة القمع السياسي؛ لا يمكن حصرها في السلطة الحاكمة بل بمعية جهات وأحزاب؛ والوضع المغـربي انكشفت فـيه مشاهـد الصراع ؛ من خلال كتابات توثق للمرحلة وظهور بعض المذكـرات وإن كان بعـضها ذاتي؛ فمن خـلال التحليل العقلاني والمنطقي؛ يتم القبض على بعض من الموضوعـية وتثبيت الحـدث/ الأحـداث في سياقها الطبيعي؛ ناهينا عن تمظهرحـوارات جريئـة هـنا وهـناك ؛ ونـسوق مـثالا يعـد أرضـية تتناســل منها جمـلة من الـخـيوط التي تبدو مـتشابكـة: وقبل إعطاء التفاصيل لابد من وضع الأمور في سياقها التاريخي، فبعد الاستقلال ظهرت في الساحة ثلاث قوى متصارعة : الأولى، القصر وحلفاؤه من الذين يعرقلون تحرير وتحَـرر البلاد من أمثال كـديرة وعـبد الكريم الخطيب والمحجوبي احرضان وقدماء المتعاونين مع الاستعمار.
القـوة الثانية، تتكون من القيادة التقليدية لحزب الاستقلال، بـقيادة بلافـريج في البداية، ثم عـلال الفاسي انطلاقا من أواخـر 1958، هدفها الحفاظ عـلى حكـومته تحت ظل الملك. أما القوة الثالثة، فتتشكل من المقاومة وجيش الـتحرير والعمال بقيادة الفـقيه البصري والمحجوب بن الصديق والمهدي بنبركة. لما تأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، شعر القصر بالقلق، وبدأ الحسن الثاني ينسق مع حزب الاستقلال لضرب الاتحاد الوطني وإضعافه. فأصدر حزب الاستقلال جريدة “الأيام” التي كان يديرها السيد حسن التسولي، وكان هـدفها إسقاط حكومة عبد الله ابراهيم والإيقاع بالمقاومين وأطر الاتحاد الوطني، وكـلـما نشرت اسم شخص يأتي البوليس لاعتقاله. والمعروف آنذاك أن الأستاذ عــلال الفـاسـي والحـسن الثاني، حررا لائحة سوداء بأسماء المقاومين والأطر الحزبية بلغ عـددهم 400 شخـص، هـذا ما جعـلنا في حالة الدفاع عـن النفـس
(1) فإثــارة هـذه ؛ لخـلق منطلق بأن عـقـد الستينيات من القـرن الماضي؛ لـم يكـن كما نتـوهـم ؛أو كما يحـلو للأغلبية استرساله؛ بأنـه [ الزمن الجميل] ؟ لأن الوقـائع تعكس عـكـس ذلك؛ فـالاعـتقال والقمع السياسي في طبيعة ممارسته خـلق نشازا في الحـياة المجتمعـية ؛ حتى أن ظهـور ملتمس الرقابة التي تم رفعه لأول مرة في تاريخ المغـرب ، لـم يأت من فراغ بـل هـو ناتـج عـن الأوضاع السيئة لحالة المغـرب؛ وخـاصة منها: الاقتصادية التي كانت عـلى حافة الانهيار، مـما عمت البطالة والفـقر المدقـع والتشرد والبؤس وازدياد دُور الصَّفيح والفضاءات الهامشية والمهَـمشة في الكثير من المُـدن والقـرى ! إذ هـذا الوضع ؛ حوَّل حُـلم الشـعْـب الذي كافـح وناضل من أجـل بـلد مستقل ؛ بـلد يعـيش الرخاء والحـرية، إلى كابوس قض مضجع الأغـلبية العظمـى. وبالتالي فالوضع الثقافـي بدوره سيتأثـر بـهذا الوضـع ؛ وفي جـوانيته لا يخلو من القمع والمناورات الـتي هي نتاج الهـيمـنة الحـزبـية ؛ لأن ما يظهر في الـمشهـد إلا أدباء وشعـراء منـتمـين لـحـزب الاسـتقـلال وبعـض من الشورى والاستـقلال؛ رغـم تقليـم فعـاليته وقـوته التي كان عـليها آنذاك؟ والسـؤال المقــلق ألم يكن هـناك مثقـفـين وأدباء متعاطفين أو مـتحـزبين في الحزب الشيوعي المغربي – حزب التحرر و الاشتراكية حزب الحركة الشـعـبية أو حـزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية )الفـديـك( أو ألـمْ يَـكـن هـنالك بعض المثقفين الذين كانوا منظوين تحت لواء حزب الاصلاح الوطني ويحملون ادبياته ؛ رغم اندمجه مع حزب الاستقلال ؛ ألم يكن هناك أدباء متعصبين للحزب الوحدة المغربية وفضلوا عدم الانخراط في الادماج ؛ لأن تـواجد مثقفي ذاك العـقد من الزمان ؛ والذين كانوا يبدعون ويناقـشون؛ تبرزه لنا مجلة – دعـوة الحق- التي هـي لسان وزارة عموم الأوقــاف والشؤون الإسلامية .
إنــــــزال تقـني :
جُـلُّ الأدباء قاموا بعملية الانزال وتراموا على صفحاتها ؛ وخـاصة أدباء حـزب الاستقلال ؛ كأنها المجلة الوحيدة في المشهد الثقافي / الإعـلامي ؟ مما كان هنالك توازن بين الدراسات الاسلامية ؛ ومجال الفكر والشؤون الثقافية؛ من خلال مناقشات ومعارك أدبية متعددة على صفحاتها، ونشر عدد من الكتاب مؤلفاتهم في حلقات متتابعة، وهناك عشرات الكتب في الخزانة المغربية نشرت كمقالات وأبحاث في مجلة دعوة الحـق . لـكن تلك الهيمنة ليست بريئة ؛ لأن اتحاد كتابهم كانت لديه مجلة [ آفـاق ] إذ ما كـتـَبه رئيس الاتحاد آنذاك – الحـبابي – في مجلة (دعـوة الحق) أضعاف مضاعفة ما في مجلة ( آفـاق ) لأن هنالك آلاف من المحَطات في مسار الصنم ؛ لـم تناقش؛ وهي جًـديرة بأن تخَـصص لها بحـوث ودراسات أكاديمية ؛ منها تواجد أدباء في مجلة ( دعوة الحق) بكـثافة وغـزارة ؛ هل كانوا يعَـوضون على منتوجهـم؟ ربما أم هنالك امتيازات سرية تقدم من لدن عموم وزارة الأوقاف التي كان وزيرهـا ( أحمد بركاش) بواسطة مدير المجلة آنذاك ( المكي بادو) ورئيس تحريرها ( ع القادر الصحراوي) ربما ؛ لأن خطاب مقدمة العدد الأول توحي بالقـول: إن الكاتب أو الشاعـر يجب أن تتوفـر له دوافع أخـرى؛ غير الدافع الذي ينبع من أعماقه ؛ يَـجب أن يـتوفـر له التشجيع المادي والمعنوي معا؛ يجب أن يجـد صدى لفنه وفـكره (2) وهـذا الطرح أستبعده ؛ ولاسيما أن المجلة تشير علنا أنها ترسل مجانا للمكتبات العامة؛ والنوادي والهيئات الوطنية والـثقافية والاجتماعية؛ وذلـك بناء على طلب خاص. ولكن ما يتضح أن
الخطاب السلفي هـو الدافع والجامع لتواجدهـم فيها ؛ بحكم أنه المتحكم في مَـسار الحياة المجتمعـية ؛ وبرهـنة الطرح : لما طلبت مني جمعيتكم أن أحاضركم في موضوع السلفية رجعت بمذكرتي إلى أيام دراستي الثانوية، وقد كانت آنذاك الحركة السلفية عندنا في مرحلة الكفاح وبث الروح التجديدية والتحريرية بكل معاني التحرر، وكنا نحن تلاميذ الأقسام العالية من ثانوية مولاي إدريس ونخبة من طلبة القرويين من حاملي لواء الدعوة للإصلاح التي يتزعمها أساتذتنا….. فكان ذلك من أقوى عوامل لتوحيد الاتجاه الفكري الثقافي عند شباب ذلك العصر (3) وهـذا مـا يفسر تواجد الراحل عـزيزالحبابي بين ثنايا المجلة ؛ وتباعا كان يكتب ويـلمح حـَول الشخصانية ؛ التي تولدت كتابا ”الشخصانية الإسلامية” 1964 وظل يوضح مرام الشخصانية ؛ وهـؤلاء السلفيون يعتبر عـند البعض ؛ كتاب حركيين ؛ ولاسيما أن الكاتب الحَـركي هو ذلك الكاتب المبدع، الذي يتسم بفكر متقد؛ لا يصدر مواقفه ولا أراءه ، إلا عن تجربة دقيقة حساسة ؛ وحضور ذاكرة مستنيرة و ارادة قوية و نقد نزيه … في مجال تحليلاته لأي مادة أو موضوع نظرية كيفـما كان نـوعه ؛ وحسب اهتماماته ،دونما تـعـصُّـب لأي فكرة عنصرية و ألا يكـون مـتحيزا لأية نزعة حزبية . ولكن هـذا يخالف ما نلمسه من زاوية المرحلة؛ والتي هي امتداد لما نحن فيه الآن؛ بصيغة عصرنا ؛ باعتبار أن التاريخ يعـيد نفسه ؛ طبـعا بنسب متفاوتة وبأوضاع مغايرة، إذ هؤلاء الحركيين؛ كانوا يرفضون – النقد- ويهاجمونه بشدة ؟
نــــقــد الــنــقد:
صرخة هادئة من دواخل صفحات المجلة ؛ تكـشف لنا بالقول بأن: النقد ؛ هل هـو شيء يهابه الناس ؟ لم أسمع من قبل؛ وربما من بعد: أن النقد أمر يهابه المثقفون؛ والواقع أنها كانت خطة محكمة ضد النقد الأدبي على صفحات هذه الجريدة الغراء؛ والممثلة للحركة الثقافية في هذا البلد ؛ كنت أنتظر من السيد رئيس التحرير أن يتخذ موقفا من دعوة الأستاذ بن جلون ؛ ومساندة رأيه الدكتور المحاسني؛ ووقع ما كنت أتوقعه من رئيس التحرير حين عرض على الأستاذ غلاب تقييم العدد الأخير من السنة الثامنة….. ( 4) فهاته الصرخة ؛ تكشف الوجه الثاني لتمظهر اللوبيات ؛ مقابل هـذا بأن المجلة كانت تحمل نزعة حزبية مضمرة ؛ من خلال أفرادها والفاعلين فيها؛ والجماعة الرافضة للنقد ولنقد النقد ؛ ولولا هذا لما تدخلت المجلة بقلم حريري ولكنه قاتل : فالنقد وان كان عملا دقيقا لا ينهض به إلا من تكاملت له الأسباب؛ وتوفرت لديه الوسائل؛ وأوتى ملكة فنية تؤهله للقيام بدراسة النص …..والمجلة إذ تكلف ناقدا لوزن العدد الماضي لا يكون من عرضها أن تثير بين كتابها وأدبائها حربا عوانا تحتد من سليط القول أونريدها معارك ضارية سلبية؛ تبعث الأحقاد الدفينة؛ والسخائم الملفوفة؛ ولكنها تسعى بهذه الطريقة النزيهة في النقد والتقويم إلى استدامة الحركة الفكرية والأدبية في بلادنا ….. ونحن لا نفتأ نرحب بالنقد الباني والمنافسة الهادفة ؛ وتسعى جـاهدين لاستخلاص الحقيقة المتوخاة؛ كما نرجو من حملة الأقلام في هذة البلاد ورجال الفكر فيها؛ أن لا يضيق عطائهم في مضمار الأخذ والرد ؛ والمطارحة والحوار؛ بل نريد أن يمتد أفقهم ويرحب صدرهم؛ لتحمل ألوان النقد الذي يخلو – طبعا من التلويح والتجريح أوالشعور بالصلف والاستعلاء(5) فاللبيب سيفهم ما بين السطور؛ ولكن بعد هذا الرد؛ لم يـعد – لمحمد شعرة – وجود في صفحات المجلة ؛ هـل حوصر أم انسحب بهدوء؟ بحكم
اللوبيات لا أشُك بأنه حوصر؛ وهذة أقل الخصال التي تـُمارس ومورست تجاه العديد من الأدباء والمثقفين ؛ بـعيدتأسيس الصنم ؛لأن نفس الوضعية تمت بعدما خط هـذاالقول العنيف؛ والذي يرمز لمافي المشهد بصيغة ما يمكن أن يقع : وقد يظهر في المغرب رأسماليون يتخذون من الصحافة وسيلة للإثراء؛ نظرا لهذه الأسباب كلها لم يبق لنا إلا سلاح واحد هو التمسك بحقنا في استعمال النقد؛ نقد الشعر؛ ونقد النثر: الكتب الفلسفية والقصة والمسرحية والترجمة؛ إننا نشك في اصالة بعض المترجمين في المغرب ؛ كما أنني أعرف رجال الترجمة وأعرف أنهم لا يفعلون شيئا؛ ولهذا فنحن مقبلون أيضا على إنتاج لانرتاح له إلا إذا مر في الميزان؛ ومع هذا فلا ينبغي أن نأخذ في أذهاننا تلك الصورة القاتمة عن النقد؛ وإنما نهدف لشيء واحد هو حمل أدبائنا على الإلحاح على الأصالة الأدبية حتى لا يختلط الأدب بالأعمال…..(6) ففي ظل هذه الردود التي كثير منها هاجم دعاة عدم الاهتمام بالنقد أو تقبله ؛ كيف للأديب أن يفكر ويحلل ويدبر دونما عبور صادق من القاعدة الشعبية ؛ باعتباره بؤرة تفكير المجتمع، حيث يكون انوجاده حتميا لاستحضار جملة من القيم والأهداف ؛ لتحقيق تفعيل حقيقي لمنظوم ثقافي واجتماعي أحسن من ذي قبل ؛ لكن الخناق والمناورات التي ينتجها المثقفين فيما بينهم ؛ وتأويل أشكال عطاءات بعضهم ؛ وتمريرها أنها تبدو مجانبة للواقع ؛ أو تهدد السلم الاجتماعي والأمن الثقافي؛ فالأمر لايخلو من انتكاسة حقيقية ؛ مادام دور الأديب أوالمثقف؛ انخراطه في قضايا مجتمعة بعين ناقدة ؛ وبالتالي: إن تساؤلنا عن جمود الكتابة النقدية؛ وتعقد نفسية النقاد والمنقود لهم؛ لعله أكثر أهمية وإلحاحا لآن تخلف النقد عندنا له أثره – ولاشك – في تخلف الحياة الأدبية بصورة عامة؛ وما تعانيه من تعثرات في مختلف الميادين؟ (7) فـهـذا التخلف في الحياة الأدبية ؛ ساهم فيه الأدباء بشكل مباشر؛ نتيجة عـدة عوامل أبرزها الأنا والنرجسية؛ وحُـب السيطرة والزعامة؛ كما وقع في المجال الشعري بين : محمد الحلوي / ع الكريم التواتي/ علي الصقلي/ محمد السرغيني/ ع القادر القادري/ دون أن نغفل صراعا أو خصاما وليس نقدا بمنظوره العلمي بين : محمد برادة/ محمد زنيبر (8) وأخطر صراع (النقد) تجاوزا ؛ ذاك الـذي دار بين محمد عزيز الحبابي ومحمد بن تاويت ( التطواني) وهذا الأخير كان يشكل ثلاثيا رهيبا يجمع :ع الكريم غلاب/ ع المجيد بن جلون/ لأسباب حزبية / طلابية( مصر) وهذا تلميح لما يحمله الصنم في جوفه من لوبيات ! وبناء عليه ؛ فسبب ذاك الصراع يستخلص في التعقيب:… لـقـد وقـعـت بالفعل لصوصية ثقافية مخزية، وتوصلت «آفاق» بمقال مركز يتهم فيه «مؤلفان»، أحَـدهـما مشهور بالجهْـل والتدجيل والسطو، فكان لزاما أن يفضح ليمحص ناسنا أمره ويحتاطوا ممن تسول له نفسه أن يستغل الثقافة للكسب الحـرام، وأما «المؤلف» الثاني فمغـربي محترم، قدير في ميدانه، وأستاذ بكلية الآداب، ومعـزوز لدى أسرة «آفاق» لأنه من أفرادها الأوائل. فكان من الواجب أن تتضح الأمور بالنسبة للأول، ويتمحص الزور فتصان كرامة الثاني من عبث العابثين «خصوصا وقد قيل ما قيل ..»وعوضا عن أن يبعث بالرد إلى «آفاق»، اختار أنْ يرافـِع أمام محكمة «دعوة الحق» وأنْ يهاجم من كانوا شهُـوده الأوفياء. إنه حُـر في اجتهاده، كما أن أسرة آفاق كانت حرة في اجتهادها «الشمس لا تخشى» ولكن المريخ، كَكـُل رفاقه في السموات العلى، كذلك لا يخـْشى.. فالانتقام والاحـتساب لؤم، وليس من بين أسرة آفاق ….التي هي كالشمس «مسكنها في السماء» كما جاء في رد الأخ ابن تاويت وهو يتحـدث عن نفسه الزكية …(9) فمثل هـذا الصراع الذاتي والنفسي؛ هـل سينتج مثقفا حركـيا ؛ يخدم الفعل الثقافي والإبداعي في المغرب ؛ وهنالك دعامات للأيادي المساهمة في
الصراع ؛ بحكم محاولة إزاحة المرحوم – الحبابي- من رئاسة الاتحاد ؟ وكما أشَـرنا بأن – المجـلة – تمارس مناورتها بأشكال غـريبة جـدا ؛ فهل مصادفة تم تبويب – تعقيب : م ع الحبابي ؛ وبعْـده مباشرة رد لمحمد بن تاويت؛ في موضوع آخـريكـشف ضمنيا ضحالة تفكير الحـبابي حَـول – شكسبير- علما أن الموضوع ألقي في أسبوع شكسبير الذي نضمته جامعة م الخامس مـعية اتحاد كتاب المغرب العربي ؛ وذلك في إطار الذكرى 400 لميلاده ! إذ يقول: قرأت في العدد الصادر من مجلة – دعوة الحق – العامرة بحثا للدكتور محمد عزيز الحبابي؛ عن شكسبير بعنوان ( شمولية شكسبير) فاسترعى نظري منه؛ هـذا العنوان الذي لا ينسجم تماما مع ما ورد في صلب البحـث…. يقـول الباحث «منذ عدة قرون خلت، قبل عصر شكسبير، حاولت بريطانيا تأسيس علاقات تجارية ودبلوماسية مع المغرب»وإني بالرغم من اتصالي بهذه العلاقات والبحث فيها منذ سنة 1951، حيث نشرت في مجلة «رسالة المغرب» بحْـثا عـن الزابـيث والمنصور، لم أستطع التوصل إلى هـذه الحقيقة التاريخية التي سجلها الباحث، في كون العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع المغرب كانت من قبل شكسبير بعـدة قرون خلت… فهل لباحثنا الكريم أن يدلنا على المصدر الذي اعتمد عليه في هـذا؟ ثم يقول ……. ولهـذا نرى أن هـذه الحقائق التاريخية تنقصها الواقعية؛ كما ينقصها النظام في عـرضها والوئام بينها وبيـن عنوانها (10) فهاته الهجمة ؛ وما قـبلها والتي تعـري جزء من صنم اتحاد كتاب المغرب ؛ حـسب تصوره تكـشف عـن طبيعة الأديب والمثقف المغربي؛ الذي يريد أن يكون سلـطة ؛ من خلال سلطة النقـد الذي يحاكي السلطة السياسية ، التي هي الفاعل الحقيقي في المشهد؛ لأن خطابه متجـسد في صيغة الجمع ؛ نظرا للصراع الواقع بين الاستقلاليين ومحمد عزيز الحبابي ؛ حول الهيمنة والسيطرة ؛ ولكن المثير أنه دائما نجـد ردود أفعال انفعالية بشكل حاد ؛ نتيجة صدورها من لاشعور؛ الـذي يساهم في انفلات ضوابط العقـل أو لـتـتـمظهـرفي آخـر المطاف كمنعكـسات غـريزية.وبالتالي تتضح همسا عبرهـاته الجمل: لكن مجلة “آفاق” التي طالما ساهمنا فيها، والتي هي لسان ما يدعى بهيئة “كتاب المغرب العـربي”، حلي لها أن تشاهد وتشهد مرة أخرى ذلك المشهد المأساوي، فلعبت دورها خير لعب، وطلعت علينا بالعنوان الغليظ، .. انتقاما واحتسابا.. وكأنها قدرت ما نشر لأول الأمر بصحيفة العلم مسمارا داخليا، دق في نعشنا، رحمة الله علينا، وما تنشره هي مسمارا خارجـيا يـدق في هذا النعش، وأجرها على الله! وعلى غير الله.. من المحسنين الكرماء..!ومن الاعتراف بالجميل (….) ولا غـرو أن يفعل الصديق الحـبابي هذا، فمواقفنا معه كانت معروفة إزاء هذه الهيئة التي كنا نعتقدها حقيقة مثلى…..وقد شككونا في المقاييس، وأية مقاييس هي؟ وشككونا في الموازين، وأية موازين هي؟ وأفـسدوا علينا المعايير فأنبهم علينا الأمر وأخذتنا الصيحة، بقولهم: تبا لمقاييس غيرنا وسحقا لموازينهم، والويل لمعاييرهم! إنها المثالية، كما يدعون…. لهؤلاء الناس، عقد دونها ذنب الضب، وضيقات ينفسح معها مبعجه الذي يضرب به المثل.. ضيقات متأزمة متبرمة، بكـل شيء وبكل شخْـص(11) فحـمولة هـذا الرد الذي يحمل صفحات ؛ ليس ببعيد له أطراف خفية ؛ لها بعـض أوجه المصالح ! ففي1966 احتفلت تونس بذكرى شاعرها ابي القاسم الشابي في مهرجان كبير؛ وقد مثل المغرب في هذ الاحتفال الاستاذان؛ ع الكريم غلاب وع المجيد بن جلون ؟ فمن أرسلهما وهما ليس ليس شاعرين : هل وزارة الشؤون الثقافية أم جريدة العلم أم اتحاد كتاب المغرب ؟ المسألة ترتبط بالاهتمام ؛ فـلماذا لم يمثل المغرب محمد الحلوي أو ع المالك البلغيتي ؟ إذ يبدو أن العلائق التي تربط تونس بمحمد تاويت بعـدما عين كاتبًا أول بسفارة تونس سنة
1957 أكيد أنها ستكـون مساهمـة في استدعائهما ؛ لأن معيار ذلك أنه استفاد من طبع «حديث مصباح» – سلسلة كـتاب البعث – تونس 1957 وفي 1968 صدر له «ديوان الحرية» سلسلة كتاب العلم – 1968 قـدم للديوان عـبد الكريم غلاب ؛ وإن كان الكتاب المتنازع عليه بين تاويت/ الحبابي ومفاده (الأدب المغربي ) تأليف مشترك بين تاويت/ المصري محمد الصادق عفيفي طبع في 1960 ثم أعيد طبعه 1969 عن دار الكتاب اللبناني ببيروت (لبنان) ؟ فـلماذا لم يبزر الصراع بُـعـيْد طبع الـكتاب؛ وتأجـل إلى 1966؟ هـل كان الأدباء يهابون ردود فعـل اللوبي الثقافي ؛ ولاسيما أن ع الكريم غلاب كان دائما بالمرصاد لمن يخالفه الرأي أوضـد طروحاته ؛ فمثلا لم يسلم منه – علي الصقلي – الذي هاجمه دونما تحليل وقراءة لقصيدة – تحـية – بل يدعـو ويفرض على الشاعـر كتابة القصيدة نثرا؛ لكي يعفى القراء من قراءتها (12) وهـذا اللاميزان يكشف علانية عن طبيعة النقـد الهدام والسفيه ؛ علما أنه في أحـد الأعداد تهجم على الكتب الصفراء؛ وأدان قراءها ؟ ولا نغالي أن رؤية اللوبي لا تختلف؛ وهـذا ما يشير إليه التعقيب: لقد نصب الاخ ابن تاويت نفسه خصما عـنيدا لحرية الرأي والنقد، وهذه بالذات نقطة الضعف في رده: فلعن «آفاق»، مس بكرامة أسرتها «لأنها، في نظره بهـلاء ما تزال تؤمن بحرمة حرية النقد والرأي» هكـذا رمانا بعقد دونها الضب: ضيقات متأزمة بكل شيء وكل شخص، لأن نظرية ابن تاويت هي أن كل ما ليس مدحا لشخصه فهو تـسف، وجهل، وميل مرضي لاشباع الطبائع الحيوانية بأشلاء الضحايا من «البراء الطيبين ألمثاليين» فأفراد أسرة «آفاق» في نظره سامحه الله: « يحـِسون في قراراتهم بتلك الفجَـوات العميقة التي تـتخلل شخصيتهم، فيحاولون أن يردموا تلك الفجوات..» بنقد غـيرهم!.. (13) فالمتمعن لما أهدف إليه ؛ سيتفهم أن الحاضر الثقافي لا ينفصم عـن الماضي ؛ الذي يعتبره العديد أنه كان مشرقا ؛ ففي واقع الأمر؛ فإن الاتحاد الذي من المفروض أن يكون جامعا ومؤلفا بين عقول وسلوك الأدباء؛ ظل صنما يركب عليه من يريد الركوب ؛ وتتجـمع حوله اللوبيات لأخـذ الشرعية ؛ لتتصرف كميليشيات تقـتل هـذا وتحيي ذاك ؛ وتكفـر وتلغي من لا استعداد له للإنخراط في اللوبي/ الميليشية . لـتصفية الحسابات وتضـييع الوقت والجهـد في مشكلات تافـهة وزائفة تخفي الإشكاليات والـمشكلات الحقيقة ؛ لكي ينغـمس المجتمع برمته في التصابي والغموض؛ بدل أن تكون هنالك إرادة في بناء ديمقراطية حـَقه في عُـمقها احترام الاختلاف ! وتفعيل حـرية حقيقـية تساهم في نهوض البلاد والعباد . لكن وفي غياب كـل هـذا؛ فـمن البدهي أن يتحول المشهـد الثقافي / الفكري للانهيار و لضيق الأفـق الأدبي والإبداعي . وبناء علـيه : لأن الأرضية العامة للحياة الثقافية ببلادنا ؛ لا يمكن إلا أن توفر وبشـكل مقلق الظروف الكاملة للجمود الذي تعـيشه حـياتنا الفكرية ويصيبها بشلل وعقم واضحين. وحيث أن هذه الظروف جعـلت دورالكتاب والمثقفين يتقلص نحو العزلة والانكماش واللامبالاة ؛ ودفعت بحـياتنا الفكرية والثقافية إلى فراغ سهل انزلاقها نـحو الزيف والتحلل والانحراف ؛ وإلى الابتعاد عن مشاغل المجتمع وارتياد البناء الفكري والحضاري للإنسان المغربي (14)
الإحــــالات:
1 ) المناضل اليساري محمد بوكرين : هكذا فشلنا في الثورة على نظام الحسن الثاني : حاوره: مصطفى حيران/ أسبوعـية المشعـل في 2/ 11/2007
2 ) مقدمـة مجلـة دعــوة الـحـق ع 12 – س الأولى /1958
3) السلفية وآثارها في النهضة الإسلامية : محاضرة محمد الفاسي بنادي (الطلبة
المغاربة بالرباط) انظر مجلة دعوة الحق – ص 12 عدد 20 س 2/1959
4) ديوان العدد الماضي لمحمد شعـرة دعـوة الحق ص67 ع 4 س9/ فبراير 1966.
5) الموازين- مقدمة عدد5 س 9 في مارس 1966من مجلة دعوة الحق
6) حول منظومة التواتي : لمحمد الامين الدرقاوي – مجلة دعوة الحق ص 55 عدد5 س 9 في مارس 1966
7) النقد في حياتنا الفكرية الراهنة للمهدي البرجالي ص30 مجلة دعوة الحق ع 4 س9 فبراير 1966
8) لنتـصفـح بعض أعـداد مجلة أقلام المغربية
9) السماء لا تخشى -2- تعقيب محمد ع الحبابي: دعوة الحق ص – 47- عدد90 س9/1966
10) حـول شمولية شكسبير لمحمد بن تاويت دعوة الحق ص – 51- عدد90 س9/1966
11) السماء لا تخـشى لمحمد بن تاويت دعـوة الحق ص – 51- عـدد 88 و89 س9/1966
12) في الميزان : ع الكريم غلاب – مجلة دعوة الحـق ص73 ع 1 – س 2 / شتنبر 1958
13) السماء لا تخشى -2- تعقيب محمد ع الحبابي: دعـوة الحق ص – 49- عدد90س9/1966
14) حـول الجمود الفكري والزيف الثقافي بقلم اتحاد كتاب المغرب ص46 مجلة آفـــاق ع 1يناير1969