22 ديسمبر، 2024 10:54 ص

عطا السعيدي …أعشى العاميه عودة الى النقد الادبي..

عطا السعيدي …أعشى العاميه عودة الى النقد الادبي..

شاعر، شاعر بمايقول قبل ان يقوله ..فاذا قاله شعرت به ..مغرق في استعصار التجربه الحياتيه ..صوره كلها منها،.. ليس فيها ذرة من خيال ..تتساءل كناقد …هل يصح الشعر وتثمر الشاعريه دون صور متخيله او مبالغات ؟! ..الجواب التقليدي ..مطلقا ! .ولذا فان الخليفه الخامس قتل شعر جرير عندما شرط على الشعراء الوافدين عليه ان لايكذبوا ولايبالغوا ولايتخيلوا ولا ..ولا ..فما بقي لدى الشاعر لينشد امامه الا بيتان يقرر فيهما حقيقة جافه لاعذوبة فيها ولم تكن بحاجة لعناء شاعر..! فهل نتذوق شعرا علميا يسرد حقائق !! ويروم خائبا، ان يحاكي وجداننا..؟ دونما مبالغات ولا محسنات ولا تخيلات ..الجواب الافتراضي لا ..ولذا فان “ الشعر اعذبه اكذبه “ وكذا فقد واجه الخليفه عمر (رضي الله عنه ) اعتراضا وتبرما حينما ضيق على الشعراء اغراضهم ..وواجهوا قحطا روحيا وابداعيا هم ايضا ..ولذا فان الشعر الجاهلي والعباسي على السواء هما اروع وابهى من الشعر الاسلامي في صدره الاول..لتساهل هذين العصرين في استخدام آلة الشعر الاهم الا وهي ..الخيال والمبالغه ..ولذا فلايمكن لك ان تتخيل بسهوله ان يبدع شاعر ويؤثر شعره في سامعيه بقدر مهم دونما استخدامها ..لكن الامر مع هذا الشيخ المجرب ..مختلف تماما ..تسمع فتفهم وتعي وتصدق وتتذكر وتلمس وتطرب او تحزن.. او كلاهما معا !..تأسى لما يقول من حقائق ..كانت تقر في داخلك، تعلمها ولاتعرف كيف تعبر عنها ..حتى كلاما ..فتجدها عنده شعرا محكما يهز الوجدان.
يقنعك بمايقول حد البكاء والالم على نفسك . ينبهك صادما دونما اطلال ولامقدمات ولا ترقيق :
:” لا تامن عتب وكتك سحابة گيض،،،بس تعلى الشمس يصحى الفضا وتگشع ”
…تتأمل المعنى فتقف محزونا يسرح بك العقل الى الحقيقه المره حتى انك تنسى ان تتابعه وهو ينشد ثم لايدعك تلتقط انفاسك حتى ينهال عليك بما يخيب املك المكذوب في الدنيا :..
“ولا تاهم صفو وتشرب لأن دنياك…. ماتنطي المغفل ديسها ويرضع”
فان حاولت ان تجادل متعللا بصفو الايام ..فانه يغلبك مرة اخرى، ليخيب رجاءك :
” وإذا ضحّڪك مرة الوڪت لـا يغريك… لابد ماترد منه بجفن يدمع..”
وان اغتررت بصباك وتهت بزهرة عمرك :
” ولو ثوب الصبا لطولك يناهي ولام …وأنت بتيه مسعد تلبس وتنزع”
ومهما حاولت ان تهرب بآمالك الى التكذيب ..فان الحكمه تحاصرك بصدقها ومصداقها:
“العمر منطر صبح واليصح منك فاض ….حسبه بين إدين الوڪت تتمذرع ”
فهل لك ان ان تنكر او تلاحي ؟! ثم وبعد ان خاطب من ظن بعمره السعه وبمستقبل سنيه المده من الشباب، الى مخاطبة من هم اقرب الى التصديق لما لمسوه من صدق التجربه مع هذا الحصان الجامح الذي لايريد ان يتوقف الا بعد ينكهه التعب فيرمي بك وبنفسه الى الهوه التي لامخرج بعدها ..الموت ! فيقول :
” إنطوى بساط السمر والبقت وشلة ڪاس… لـا تروي الضما لا تضر لا تنفع”
..” العمر گوّض يناهي وساك حادي العيس… تومي إلمن بعد لا يرى ولا يسمع ”
فلا منجي ولامخلص ..لايجامل ولاينافق الحياة ولايهون مصائبها..
” إنسى شما شفت ليلك أضغاث أحلام…. مو ڪل ماشفت من نومتك تفزع ”
.. ولا يغش نفسه ولا سامعيه..:
”شعليك من الوڪت لو ڪشر وراواك …سن يغريك بيها وسن چذب يلمع ”
..يقسو عليك كثيرا لكنك لا تكرهه ..قسوة الاب الذي يجبرك على طريق لاتعي سلامته الا بعد نضوج عمرك
“ماتدري شيصير وهاي دنيا تدور… ماتنطي بڪثر ماتحرم وتمنع”
..قسوة الطبيب الذي لايخفي عنك علتك رغبة في تداركها ولايبخل عليك بمسكن للآلام وان كان لايشفي الداء ولايصلح صحيح دواء:..
” إغتنم من دنيتك لحظة البيها تعيش…. أمس موش الك، ماضي وراح مايرجع”
..قسوة الاستاذ الذي يضيق عليك في الدرس والعلامات حرصا على خلق واقعية تصنع مستقبلك..:
“ولاباچر مثل ماتشتهيه يصير…. صافي الود مثل ماترغب وتطمع “
وعندما يقول في الغزل فان له شأن الذي لايدري عن الموت ولم يذق من هموم الدنيا شيئا
“أنا توني لگيتك لگطة فوگ الشان… يلعيب الملاگط عن بعد تلمع ”
وتوة البخت دگ باب الهوة المسدود… وفتح بابين گلبي وللعشگ شرع”
ولتتامل معه عطش الروح وصدأها الذي طال بانتظار الحبيب الذي كان حلما جاء على كبر :
أنا عطشان ڪلش حد نشاف الريج …والغراف من شفتك شهد نفع”
إسگني من الشهد بثنين إديك أرداف… يل ڪلك شهد من ڪل ڪتر مترع”
فبعد طول الحرمان فلاملل من المحدث :
سولف والتگولة أنوب عيدة أردود…. بيه لعذب صوتك جوع خل أشبع
تدنالي أرد أعصرك وأنعصر وياك… وأحرگ برد روحي بنارك التلسع
اما خطابه بلفظة “تدنالي ” ادنو مني ، فقد كررت ولم تمل :
تدنالي وتدلل وأسحگ علة الروح ….وسعة بال روحي وعمر ماتجزع
أرتچي بثگلك عليها ولا تگلك لا .. خلگ الگاع عدها لخاطرك وأوسع
طبع بيها لذنوبك شانها الغفران …ڪل ماڪبر ذنبك تغفر وتشفع
تدنالي أرد أشمك وأسڪر من هواك… ياعطر الخزامى بڪل ڪتر ضوع
تدنالي أرد اضَوگك شوگ ماضگتاش… ولاعمرك عرفتة وفوگ ماتسمع
ووصف نفسه بعد طول الانتظار والسفر وحيدا محروما من كل رفيق او صدق حبيب :
أنا مثلك وله ومطورح من العام… تدنى اسگيك بيدي وبيد خل أڪرع
اما القلق والخوف من الدنيا وزوال لذتها فما زال حاضرا يخالط لذة الحب وينغصها:
أنا خوف الگطة ومرتاب من دنياي…. ومذيّر يناهي ووجل ومروع
فلعل الحبيب وقربه هو الامان المؤقت او التوهم بالامان ولو الى حين :
دمد ضلك علية وخل أأمن بيك…. وإجبر خاطري المن ساعتة مصدع
دعط دنفر جعودك علي سَد وفياي…. وإطني شڪثر عندك شوگ لا تگطع
اما وصف شمائل المحبوب وصفاته ..فمن الطبيعه ايضا ..مما حوله مما راى ..ومره اخرى لاشيء من الخيال :
يل حسنك البدعة وسورت الغراف… ياسنبل بديم علة المرز فرع
“البدعه في قضاء الشطره جنوب العراق ، اعجب بها الشاعر كثيراً عندما التقى بالشاعر ابراهيم طلب في ذلك المكان الجميل حيث تقع على نهر الغراف ” -لأحمد ياسر-
يل صوتك أنغام ولا لحن زرياب…. فتنة من الأوتار الناعمات أروع
شڪثر صاغك الباري شلون مدري شلون ….جلّت قدرتة شما صور وأبدع
يل طيشك غنج وتمردغك بوسات….. تيه شما حلالك لحد ماتقنع
يل بعدك زغير وترس صدرڪ زوم…. إعبث وأشتهيك وميل وإدلع
اما الحكمه والنصيحه بعد معركة الحياة الطويلة المعاناة القصيرة اللذه ..فلها في قصيدته مكان ايضا :
أخذ بس لذتك والآتيات الغيب….. تايه راي اذا بالغيب الك مطمع
إغتنم من دنيتك لحظة البيها تعيش…. أمس موش الك .. ماضي وراح مايرجع
ولـا باچر مثل ماتشتهيه يصير…. صافي الود مثل ماترغب وتطمع
وقد كان محقا عندما فخر بنفسه مستعيرا معنى بيت المتنبي :
“اصوغ الشاردات من الشعر شذرات… هذا اول الغيث وغيرهن يتبع” ثم ياتي بابداع كامل ختاما لمطلبه :
“وتكلي اكتب علي شظن اكلك لا…… وانته بكل قصيده العجز والمطلع”
فاذا انتهيت من التمتع والتبحر بصور الحكمة والوصف ومعاتبة الزمن والنصح والتنبيه وغيرها من الملح الوجدانيه الطاغيه المفعمه بالصدق والملامسه بقوه للوجدان والقريبه جدا لاوسع طبقه من الناس لما في الالفاظ المختاره من شهرة التداول بين الناس حكيمهم وغرهم ، شيبهم وشبابهم، ثم رجعت بذوقك الى الصور البيانيه ..تجد الشاعر يتحرك بجمله ونصوصه عميقا في المهارات البلاغيه من التشبيه بعدد من انواعه:( لا تامن عتب -وكتك سحابة گيض-) و(العمر منطر صبح)و(يل حسنك البدعة) (يل طيشك غنج وتمردغك بوسات) الضمني والمضاف والتمثيلي .. والاستعارات والكنايات :(وأحرگ برد روحي بنارك التلسع) و(وسعة بال روحي وعمر ماتجزع) و(أرتچي بثگلك عليها ولا تگلك لا) و(خلگ الگاع عدها لخاطرك وأوسع) و(أنا عطشان ڪلش حد نشاف الريج) و(أنا خوف الگطة ومرتاب من دنياي.) و(” ولو ثوب الصبا لطولك يناهي ولام …وأنت بتيه مسعد تلبس وتنزع”)
وبعد، فان كان الشاعر قد حاكى او تصرف او لعله وافق عرضا بعض الصور عند بعض شعراء الفصحى الفحول كالمتنبي في قوله :(اصوغ الشاردات من الشعرشذرات…. هذا اول الغيث وغيرهن يتبع) من قول الاول:( انام ملء جفوني عن شواردها …) او ( انا ترب الندى ورب القوافي ..) وان كان قد اضاف من ابداعه (وتكلي اكتب علي شظن اكلك لا…… وانته بكل قصيده العجز والمطلع)
ومن الرباعيات المشهوره لعمر الخيام : (اغتنم من دنيتك لحظة البيها تعيش…. أمس موش الك .. ماضي وراح مايرجع) من قول الخيام ( لا تشغل البال بماضى الزمان،،،
ولا بآت العيش قبل الأوان) و(واغنم من الحاضر لذاته،،،فليس فى طبع الليالى الأمان)..و(ولـا باچر مثل ماتشتهيه يصير…. صافي الود مثل ماترغب وتطمع) و(أخذ بس لذتك والآتيات الغيب….. تايه راي اذا بالغيب الك مطمع ) من قوله :(غد بظهر الغيب واليوم لى ،،،وكم يخيب الظن فى المقبل) و(ولست بالغافل حتى أرى…جمال دنياى ولا أجتلى)، اذا اعتبرنا الترجمه العربيه للخيام بنسخة احمد رامي او غيره .
اقول أخيرا : فان كان قد اخذ من بعض فحول الشعراء بعض الصور وهي بعبارات فصيحه فان له فضل تحويلها واعادة صياغتها الى لغته العاميه وبأعلى درجات الحرفيه. وكذا فان هذا ليس بمطعن كبير فقد كان شعراء الطبقه الاولى يأخذ بعضهم من بعض صورا لابد من الولوج فيها لكثرة الحاجة اليها ولعدم وجود ملتجأ آخرفقد سبق اليها اولهم زمنا ،ولابد ان يتطرق اليها من بعده ..فمنهم من يبدع في تغيير الالفاظ والمدخل الى الغرض والتحكم بالمضمون بشكل جديد ..ومنهم من يسيء اليها ويخفق في تجديدها ..وقد ابدع السعيدي وكان من النوع الاول ..وللشاعر المبدع هذا قصائد اخرى تفوق ماتناولناه هنا في هذه الدراسه المبسطه والمقال المبسوط ..سياتي الوقت لتناولها ..لما تستحقها من العناء والدرس .