23 ديسمبر، 2024 6:18 ص

أحسست ببعض الجوع فدخلت إلى مطعم للأكلات السريعة في مدينة كركوك. كان المكان مزدحما فأجلسني العامل في طاولة بالقرب من المحاسب في مدخل هذا المطعم. وأنا جالس أتناول ما قدم لي دخل شاب وسيم جميل المظهر بعمر بفوق العشرون بقليل توجه إلى المحاسب مباشرة. لقربي من المكان سمعت تحاورهما تماماً وما دار بينهما:
الشاب: السلام عليكم
المحاسب: وعليكم السلام
الشاب: بلا زحمة ما تريدون عامل؟
المحاسب: حالياً ما نريد
الشاب: منا منا بلكي تلكيلي شغلة شلون ما كان؟
المحاسب: انت مشتغل قبل بالمطاعم؟
الشاب: لا ما اشتغلت
المحاسب: لعد اشكنت اتسوي؟ اشكنت تشتغل؟
الشاب: كنت افتر بالدوائر الحكومية ادور تعيين بشهادتي.
المحاسب: شمخلص؟ عندك شهادة؟
الشاب: كلية التربية قسم اللغة الإنكليزية.
المحاسب: أدري شعدنا مطعم سياحي يجون اجانب حتى اترجملهم؟
الشاب: انا ما اريد اشتغل بشهادتي.. اني اريد حي الله شغل.. كرسون، منظف، حارس، طباخ اي شي كان.
المحاسب: خريج أي جامعة؟
الشاب: جامعة كركوك
المحاسب: اي سنة؟
الشاب: 2018
المحاسب: من كل عقلك؟ خريج قبل سنتين ورايح تدور تعيين؟
الشاب: ما كنت اعرف وهسة عرفت وايست بعد من الشغلة.
المحاسب: عندك ماطور
الشاب: لا والله
المحاسب: تكدر تشتري ماطور ترى مو غالي. النظيف 500 الف وإذا مستعمل أقل هم تلكي أرخص
الشاب: شسوي بالماطور؟
المحاسب: تشتغل توصيل
الشاب: إذا دبرت ماطور أحصل وارد؟
المحاسب: أنت وحضك
الشاب: شلون يعني؟
المحاسب: تطبك بالسرة ويا هاي الماطورات الواقفة والله كريم.
الشاب: زين أرجعلك بعدين وأشكرك.
خرج الشاب على أمل أن يحصل على دراجة نارية ليرجع ويقف في الطابور الطويل للدراجات المنتظرة على قارعة الطريق وعلى أمل أن يتصل أحدهم ويأتي دوره ليقوم بالتوصل ويدفع له البخشيش (الف) دينار وبحسب رحمة المشتري.
لم أتمتع لا بطعم ما تناولته في هذا المطعم ولا بالذي شربته بسبب هذا المشهد بل ليتني بقيت جائعاً ولم ادخل الى هذا المكان. فكرت عندها بأولادنا ومستقبلهم والبلد الذي أصبح لا يرحم والقوي يأكل الضعيف والنافذ هو قانون الغاب. فكرت بكل ذي سلطة ومنصب يتقاضى الملايين دون كد وعمل ودون أن يستحق وشباب في مقتبل العمر يبحثون عن أي عمل يسد رمقهم.
وبينما أنا أدفع الحساب قلت للمحاسب: الولد يريد أن يعمل عاملاً بسيطاً في المطعم، وأنت تسأله عن شهادته والجامعة وسنة التخرج؟!.
أجابني المحاسب: استاذ الله يخليك أني خريج هندسة مدني جامعة الموصل، ومن سنة 2012 ما لاكي تعيين حتى نسيت الهندسة. وهذا صارله سنتين يريد يتعين.
تبين أن المحاسب هو الأخر خريج جامعي وأن العمال في المطعم كلهم إما خريجي أو طلاب جامعة يعملون مساءً ليلتحقوا بالجامعة صباحاً بعد أن أخبرني بذلك هذا المحاسب.
سلاماً يا وطن