20 أبريل، 2024 11:57 ص
Search
Close this search box.

عصر الشقاق والنفاق

Facebook
Twitter
LinkedIn

لعله القدر أو شيء أكبر من ذلك أو من الإستحالة أن نجد له تفسيرا منطقيا لأن ما يحدث على أرض العراق منذ بدء الخليقة وحتى الآن عصي على الفهم والتفسير ، فقد مرت على أرض السواد موجات من البشر والأقوام ، وشيدت حضارات عريقة ، لكنها جميعا آلت الى الخراب ، لترى اي لعنة هذه قد حلت بنا وببلادنا .

وبعيداً عن التفسيرات الميتافيزيقية والأساطير اللامنطقية يتحمل إنسان هذه الأرض وزر ما حل به ، ولعل أولهم سيدنا آدم الذي تحمل إثم الخطيئة ، وأرغمه الله على الهبوط من الجنة الى أرض العراق ، وهذا هو العراقي الأول حامل الخطيئة الأولى ، ثم جاء ولداه هابيل وقابيل ليسجل أحدهما وببراعة أول جريمة قتل للنوع البشري وربما كان دافعها الجنس ، بينما كان دافع الجريمة الاولى غواية حواء وشهوة الأكل .

هكذا تناسلت بيننا الخطيئة وأصبحنا نشيد الحضارات الكبيرة ثم تقودنا شهواتنا وخطايانا لتخريب ما عمرناه بأيدينا ، وكأن الرب أراد أن يطبق فينا مقولة : «ونعذبهم بأيديهم» ، ولعل في ذلك أشد القسوة وأكثر الإيلام ، وتواصلت هذه المعادلة حتى توج مسيرة الآلام الطاغية صدام العصر ، وتحولنا إلى سيوف وحبال ومشانق يقتل أحدنا الآخر ، ويشنق الأخ أخاه ويغدر الرفيق برفيقه ، ولم نغادر هذه المعادلة حتى بعد سقوط النظام ، فأي شعب نحن نتقاتل في ظل الدكتاتورية ونقتل في ظل الديمقراطية ؟! ، وإزاء هذه الحقائق التاريخية الدامغة تنكشف حقيقة الإنسان العراقي ، وأقولها ليس سخرية من هذا الشعب لأنني واحد منهم وما يتهمون به أتهم به أيضاً .

هؤلاء القوم لا هم أبناء حضارة ولا هم محترفو بداوة ليس من الريف ولا هم أبناء مدينة ، ولا نعرف حقا ما يجول في نفوسهم وهم يتأرجحون بين الإيمان والكفر ، وما زالوا يرددون كما هو عهدهم في كل واقعة مرت في هذه البلاد ، قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم وليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ، وعلى حد قول أحد المتندرين بأن هذه المقولة التي إقترنت بواقعة الطف فان تفسيرها الحقيقي أن المنادي يتمنى أن يكون شريكا في تلك الواقعة ، وأنه لا يهدف كما يظن البعض، ويوحي الشعار إلى نصرة الحسين بن علي ، وإنما الفوز المقصود أن ينال جائزة ابن زياد بعد ان يحمل رأس الحسين أو رؤوس البعض من ذويه .

ولا يبالغ ازاء هذه التفسيرات من يدعي أن كل مكان من أرض العراق هو كربلاء ، وكل يوم يمر علينا هو عاشوراء ، وهكذا نرى كل يوم يتساقط الشرفاء بدون حساب وتدنس المبادئ ويعلو نجم الساقطين والمختلسين وناقري الدفوف وضاربي الطبول وحاشيتهم من البلداء والأغبياء .

وحين نتأمل هذه المشاهد في البرلمان وأجهزة الدولة وما يجري في المنظمات المدنية وفي الأماكن العامة نكتشف أن هذه الأمة قد تطبعت على النفاق والشقاق ، وإنها تقدس المبادئ ، لكنها تخضع مثل العبيد للمكاسب والمناصب ولسان حالها يردد : «كن إبن من شئت وافعل كل ما هو مشين» ، تأكيداً لشعارنا العبقري الإنتهازي القائل : يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب