18 ديسمبر، 2024 7:04 م

عصا موسى مصابة بالسرطان

عصا موسى مصابة بالسرطان

مع كلّ سطر أكتبه الآن، أرى اللون الأصفر القاسي يرتفع نحو الأعلى، وأكاد معه أنصت إلى بكاء العصا وهي تختنق.

لا جدوى أيها الدرويش الدائخ من رشّ حروفك، مثل حنطة فوق سطحٍ بعيد. الطيور كشفت الفخ وقلبك ما عاد يحتمل منظر قفص مزروع في الذاكرة. رأيتك عصرا ترتقي كما كائن خرافيّ، تلطعُ ظَهر الشمس، وتشعل المدينة زقزقة عصافير مدوزنة على سلّم البهجة.

اكتشفت أنني صالحٌ جدا لأن أكون أمينا عاما للأمم المتحدة، حيث أيامي تنام على جبل قلق عظيم. هي وظيفة جدُّ سهلة ومعاش أخير شهرها كثير وكامل الدسم. أجلس فوق كرسي مريح أمام شاشة ضخمة، وأرى إلى الناس كيف تموت فأقلق فتنشر قلقي وسائط الدعاية.

كثيرات هنَّ عواءات الليلة، لكنِّ أجملهن كان عواء كلب الزقاق المبحوح.

تزعجني كثيرا وحدة الموضوع التي يراها النقدة التعساء، لذلك سأتفكك وأنثال وأتدرّع بنفحات تيار اللاوعي وأكتب لكم عن نبتة اسمها عصا موسى. إنها زرعة جميلة تتلولب على عدة عقد وتزرع في الماء فقط. يسمونها خيزران الحظ، ويعتقد الفقراء اليائسون بخيراتها وبركاتها على العائلة. عندما تطحنك الأيام، فعليك أن تؤمن بجالبة الرزق هذه.

قبل ثلاثة أيام فوجئت بساقها الطويل وقد صار نصفه أصفر، وتلك علامة حاسمة من علامات موت النبتة. حدث هذا الأمر مع أختها التي ماتت قبل سنة. في محاولة يائسة نقلتها إلى الحمام ووضعتها تحت الحنفية، فرأيت في ما رأيت جثة آدمي مركونة فوق دكة المغسل.

الليلة هي مصلوبة أمامي وقد صعد الصفار فوصل حدّ عنقها الملتوي، كما لو أنه سرطان يتلذذ بتعذيب فريسته. نصحتني أم محمد بأن أضع ملعقة سكّر فوق ماء النبتة كي تستعيد بعض عافيتها ففعلت ذلك ممتنا. هنا بودّي أن أخبركم بأنكم لن تحتاجوا إلى معرفة من هي أم محمد لأن الأمر سوف لا يغير من شكل الفجيعة ولا من اتجاه بوصلة القصة.

مع كلّ سطر أكتبه الآن، أرى اللون الأصفر القاسي يرتفع نحو الأعلى، وأكاد معه أنصت إلى بكاء العصا وهي تختنق.

اقتربتُ من رأسها ومسحتُ آخر وريقاتها الخضر، تماما مثل واحد يمسح زوايا فم عليل وهو يغصّ بجرعة الماء الأخيرة. أشعر الآن بندم كثير يأكل ليلتي، لأنني آمنت بكلام مريم إذ قالت إنّ هذه الزرعة المبروكة ستكون صمام أمان يقي خبزك من شرّ الأيام الكالحات.
نقلا عن العرب